28-05-2025 10:50 AM
بقلم : المحامي محمد عيد الزعبي
في ظل التحولات السياسية والاجتماعية التي يشهدها العالم العربي، تتزايد الحاجة إلى تمكين الشباب سياسيًا وفكريًا. فالديمقراطية لا تُبنى من خلال الشعارات وحدها، بل تحتاج إلى أدوات عملية تبدأ من التعليم وتنتهي بالمشاركة الواعية. ومن هنا تبرز أهمية تدريس الثقافة الحزبية في الجامعات، ليس فقط كمساق معرفي، بل كوسيلة استراتيجية لـ تنمية القيادات المستقبلية الواعدة وتمكينها سياسيًا.
الثقافة الحزبية: وعي لا دعاية
يخلط البعض بين تدريس الثقافة الحزبية وبين الترويج الحزبي. والفرق شاسع. فالمقصود بتدريس الثقافة الحزبية هو تمكين الطالب الجامعي من فهم طبيعة النظام السياسي، ودور الأحزاب كركن أساسي من أركان الديمقراطية، ومهامها في التعبير عن تطلعات المواطنين، ومساهمتها في صنع القرار، لا سيما في المجالس النيابية والحكومات المنتخبة.
إن الجامعات، بما تحمله من طاقات شبابية وفكرية، تمثّل الحاضنة المثالية لصناعة وتهيئة القيادات المستقبلية في المجالات السياسية والاجتماعية. وعليه، فإن إدراج الثقافة الحزبية في مناهجها هو خطوة باتجاه تأهيل نخبة واعية ومدربة على فهم الخريطة السياسية، وإدارة الاختلاف، والتفكير البرنامجي لا الشعاراتي.
نحو تنمية سياسية حقيقية
التنمية السياسية لا تنفصل عن التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وغياب الوعي الحزبي لدى الشباب الجامعي يؤدي إلى ضعف المشاركة السياسية، وإلى بروز قيادات مرتجلة وغير مؤهلة لقيادة المرحلة. لكن حين يحصل الطالب على ثقافة حزبية علمية ومتوازنة، فإنه يبدأ بتكوين رؤية سياسية ناضجة، ويتعلم كيف يشارك في بناء السياسات لا فقط في نقدها.
والأهم من ذلك، أن هذه الثقافة الحزبية تزرع في الشباب قيمًا سياسية عالية مثل: احترام التعددية، المسؤولية الوطنية، العمل الجماعي، والمواطنة الفاعلة. وهذه هي السمات التي نحتاجها في أي قيادة مستقبلية حقيقية.
الجامعات وصناعة النخبة
ليست مهمة الجامعات اليوم مجرد تخريج موظفين، بل تخريج مفكرين، ومبادرين، وقادة رأي. فلو نظرنا إلى تاريخ الشعوب المتقدمة لوجدنا أن معظم قادتها ووزرائها ومشرعيها، قد مروا من بوابة الجامعات التي وفرت لهم مناخًا معرفيًا حرًا، ومكنتهم من فهم آليات العمل السياسي والحزبي والدستوري.
تدريس الثقافة الحزبية في الجامعات الأردنية أو العربية عمومًا، سيساهم في تحويل الطاقات الشبابية من التهميش أو التمرد إلى المشاركة الفاعلة والبنّاءة. سيكون بمثابة تدريب مبكر على الحياة السياسية العامة، مما يؤدي على المدى البعيد إلى تجديد النخبة السياسية، وتجفيف منابع العزوف، بل والتطرف أيضًا.
بشروط علمية صارمة
لكن نجاح هذه الفكرة يتوقف على آلية التنفيذ. فيجب أن تُدرّس الثقافة الحزبية كمادة علمية حيادية، بعيدًا عن التلقين أو الاصطفاف. وأن يتم اختيار أساتذتها من المختصين في العلوم السياسية والاجتماعية، دون خلفيات حزبية نشطة قد تُفسد الحياد الأكاديمي. ويُفضّل أن تكون المادة اختيارية أو من ضمن المساقات الحرة، حتى يُقبل عليها الطالب برغبة لا بإكراه.
كما يجب أن تشمل موضوعات المادة على: تعريف الأحزاب السياسية، الفرق بين الحكومة والحزب، نشأة الحزبية في العالم العربي، الوظائف الديمقراطية للأحزاب، أسس المشاركة السياسية، أخلاقيات العمل الحزبي، وقصص نجاح شبابية في العمل الحزبي الناضج.
الخلاصة
إن تدريس الثقافة الحزبية في الجامعات ليس ترفًا فكريًا ولا مشروعًا مؤقتًا، بل هو ضرورة ملحّة لتأهيل جيل جديد من القيادات السياسية الواعية، القادرة على تحمل المسؤولية، وصياغة قرارات مؤثرة، والانخراط في العمل العام دون خوف أو تردد.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
28-05-2025 10:50 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |