13-05-2025 11:29 AM
بقلم : تمارا خزوز
"التعددية" كقيمة، وفي بُعدها الحقوقي والسياسي والاجتماعي، تعني "مشروعية التعدد"، أي حق الجميع في التعايش السلمي، والاختلاف الفكري والثقافي والعقائدي، والتعبير عن ذلك دون خوف من الآخر. أما نقيضها فهو الإقصاء، وجوهره رفض الآخر وتهميشه.
هذا المفهوم، كما هو مُعرَّف، مكفول دستوريًا؛ حيث يضمن الدستور حقوق المواطنين في الاعتقاد والتعبير والمشاركة السياسية، ويعترف بالتنوع الثقافي والاجتماعي كجزء من الهوية الوطنية. لكن، على أرض الواقع، يتعرض هذا المفهوم للتأويل أو التوظيف السياسي، وأحيانا للتشويه المقصود، يقابله أيضا ضعف في "إدارة التعددية" من قبل صانع القرار في الدولة.
المؤسف حقا أن "التعددية" تُركت لفترة طويلة، من قبل الأطراف الفاعلة سياسيًا وحقوقيًا ومدنيًا في المجتمع، دون دفاع حقيقي ومبدئي عنها، في الوقت الذي أصرّت فيه القوى التقليدية على معاملة "التعددية" على أنها تهديد للأصالة والهوية الوطنية.
وللأمانة، فإن بعضًا من هذا التخوف مفهوم، ولم يأتِ من فراغ؛ بل تأثر بالموجات الأيديولوجية العالمية التي حاولت أسقاط مفاهيم مرتبطة بالتعددية على المجتمعات العربية، دون مراعاة للسياقات الدينية والثقافية والاجتماعية.
إلى جانب ذلك، لا شك أن التغيرات الإقليمية المتسارعة، ومخططات التهجير، ساهمت في خلق توتر واستنفار لدى العديد من التيارات الوطنية، تخوفًا على استقرار الثوابت أو محاولات المساس بالهوية الوطنية، والاستقرار السياسي للبلد.
كل هذه المخاوف، وإن كانت مشروعة، لا تبرر تأجيل فتح النقاش حول "التعددية"، بمفهومها الثقافي والسياسي والاجتماعي، وأهمية الدفاع عنها ورفض تغوّل أي تيار على الآخر، أو ممارسة الإقصاء داخل المجتمع، كواحدة من أهم مفاصل الإصلاح في الدولة.
ثقافيًا واجتماعيًا، الوصفة السحرية للدفاع عن الهوية الوطنية وتعزيز أصالتها موجودة أمامنا؛ فلا نحتاج أكثر من التشبث بإرثنا الثقافي والحضاري، واستثمار التنوع الثقافي والجغرافي والعرقي، للتأكيد على أصالة هويتنا الوطنية وامتدادها التاريخي وعمق جذورها في هذه المنطقة.
أما سياسيا، فلنعترف إننا كنا رهينة لاختزال مفهوم التنوع السياسي في ثنائية "إسلاميين" و"غير إسلاميين"، حيث أُبعِد مفهوم التعددية كمساحة شاملة للتوجهات السياسية المختلفة، واستمر الصراع في صورة مواجهة بين تيارات محافظة وإسلامية، دون أن تترك الساحة لتبلور مشروع وطني ديمقراطي واضح، يساهم في تعزيز مفهوم التعددية السياسية بالمعنى الواسع.
وإذا كنا نتحدث عن التعددية السياسية، فما الذي يمنع أن تنشط لدينا أحزاب خارج هذه الثنائية لملء الفراغ الموجود؟ كالأحزاب السياسية ذات القضية الواحدة (Single-Issue Parties)، التي تركز في برامجها السياسية على قضية محددة واحدة، تعتبرها محور نشاطها السياسي. لدينا في الأردن ما يكفي من القضايا الشائكة؛ كالدفاع عن الحريات، والبطالة، وشح المياه، وسوء التخطيط الحضري للمدن، والتغول على الأراضي الزراعية، والتعدي على الغابات، وتدني مستوى خدمات التعليم والصحة. هذه القضايا، رغم عدم تصدرها المشهد الأيديولوجي، تبقى ملفات ملحة تتطلب حضورا سياسيا حقيقيا يعبر عنها.
ضعف الإدارة المتعلق بالتعددية، أو غيابها في هذا التوقيت بالذات، وترك الفراغ الحاصل الذي ليفاقم التأويل والتوظيف، ويضعف فرص تبلور حياة سياسية قائمة على التنوع والاختلاف، لن يقتصر أثره على المشهد السياسي فحسب، بل سيمتد إلى البعد الثقافي والاجتماعي، مهددًا النسيج المجتمعي بتعميق الاستقطاب وتعزيز ثقافة الإقصاء، مما يجعل أي حديث عن الإصلاح خارج التاريخ.
الغد
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
13-05-2025 11:29 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |