01-06-2025 09:35 AM
بقلم : ماجد الفاعوري
في زمن تتساقط فيه الأقنعة وتنهار فيه القيم ينهض سؤال مصيري: كيف نواجه انهيارنا الداخلي قبل أن نسقط في قبضة أعدائنا؟
بينما يغلق الغرب شوارع عواصمه لإنقاذ قطة ويعقد صفقات السلاح لقتل أطفال غزة، يقف الشرق العربي مشتتًا ممزقًا بلا مشروع ولا وحدة، والعين اليوم على الداخل: هل نصحو قبل أن نُبتلع؟
في زمننا هذا وامام مرآة الحق تبدلت الموازين وانقلبت الحقائق وسقطت الأقنعة، يقف العالم مذهولًا أمام مشهد إنساني عبثي ترى فيه البشر يوقفون حركة السير لإنقاذ قطة عالقة فوق شجرة بينما توقّع حكوماتهم صفقات الأسلحة التي تُرسل لتدك بيوت الفلسطينيين في غزة ترى دعاة السلام يذرفون الدموع على الحيتان العالقة في البحار بينما تمر أخبار المجازر اليومية مرور الكرام في نشراتهم ترى منظمات حقوق الإنسان تنتفض من أجل شجرة محترقة بينما يذبح الاحتلال الأطفال والنساء في المخيمات الفلسطينية بلا حساب
لقد فقد الإسلام هيبته وضاعت العروبة بين زحام الشعارات والبيانات والتحالفات المربكة تحولت الأمة إلى كتل عاجزة متفرقة بلا مشروع ولا هدف كل طرف يغني على ليلاه وكل طرف يدّعي أنه وحده الممثل للحق بينما أعداؤنا يجلسون بهدوء ويرسمون حدودنا ويعيدون توزيع أدوارنا علينا
في قلب هذا الانهيار التاريخي يقف الانقسام الفلسطيني بوصفه أحد أخطر أسباب دمار القضية لم تكن غزة وحدها ضحية القصف بل كانت أيضًا ضحية الانقسام السياسي لم تكن الضفة وحدها ضحية الجدار بل كانت ضحية غياب الوحدة الوطنية الحقيقية كل طرف فلسطيني يدّعي امتلاك الشرعية وكل طرف يُخون الآخر بينما الشرعية الكبرى تضيع والاحتلال يربح كل يوم أرضًا جديدة ويُعمق سيطرته لأن خصومه مشغولون بالصراعات الداخلية
أما الأردن هذا البلد الذي واجه العواصف لعقود طويلة فقد بات اليوم أمام مفترق طرق حقيقي لم تعد المخاطر القادمة من الخارج وحدها هي التهديد الأكبر بل باتت هشاشة الجبهة الداخلية خطرًا داهمًا يهدد صموده واستقراره الأردن اليوم بحاجة إلى أن ينظر بجدية إلى شأنه الداخلي إلى أن يسمع أصوات أبنائه إلى أن يوسع المساحات المفتوحة للنقاش الوطني الصادق بعيدًا عن الضغوط الإقليمية والدولية لا يكفي أن نحتمي خلف شعارات الأمن دون أن نؤسس لها بثقة حقيقية وعدالة اجتماعية وإصلاح سياسي عميق
يقول عبد الرحمن الكواكبي في كتابه طبائع الاستبداد إن أول شروط النهضة أن يعرف الناس حقوقهم وأن يجتمعوا عليها لا أن يتفرقوا حولها
ويقول مالك بن نبي إن القابلية للاستعمار لا تبدأ من الخارج بل تبدأ من داخل النفوس التي فقدت ثقتها بذاتها
ويقول فرانز فانون إن الأمة التي لا تواجه جراحها بجرأة تبقى أسيرة وهم الثورة دون أن تصنعها
بينما يقول المفكر الإسباني ميغيل دي أونامونو إن شعوبًا كثيرة تُهزم لأنها تموت روحيا قبل أن تُهزم عسكريا
نحن بحاجة إلى إعادة بناء الرواية الجماعية إلى أن نعيد كتابة قصتنا بأيدينا لا أن نسمح للآخرين بكتابتها نحن بحاجة إلى رص الصفوف إلى تثبيت الجبهة الداخلية إلى إعادة الثقة بين الدولة والمجتمع إلى أن ندرك أن لا سلام ولا استقرار بلا عدالة داخلية وبلا مشروع وطني حقيقي لا بد أن ندرك أن لا مواجهة حقيقية مع أي خطر خارجي دون بناء حقيقي للجبهة الداخلية وخصوصًا في الدول المستهدفة مثل الأردن التي ظلت طويلا صمام أمان في وجه المخططات الصهيونية
مجرد رأي
وسط هذا الجنون العالمي هناك لحظة واحدة صافية لحظة يجب أن نمتلك فيها الشجاعة لنقول لأنفسنا الحقيقة مهما كانت مؤلمة لحظة نقرر فيها أن نعيد بناء وحدتنا من الداخل قبل أن نطالب العالم بأن ينصفنا لحظة ندرك فيها أن لا أحد سيمنحنا الأمل أو الكرامة أو العدالة ما لم ننتزعها نحن بأيدينا إن مصيرنا لن يُكتب في عواصم القرار الكبرى ولا في صفقات السلاح ولا في خطب السياسيين في المنابر الدولية مصيرنا يُكتب هنا بيننا وفي داخلنا وبين بعضنا البعض في هذا المكان الذي نعيش فيه نحن شعوب الشرق الممزق هذا زمن لا يحتمل التردد ولا يحتمل الوهم ولا يحتمل انتظار المنقذين من الخارج
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
01-06-2025 09:35 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |