30-12-2025 09:21 AM
بقلم : الدكتور جاسر عبدالرزاق النسور
في السياسة المعاصرة، لم تعد المؤتمرات الصحفية مجرد منصات لإلقاء التصريحات، بل تحوّلت إلى مسرح بصري متكامل، تُدار فيه الرسائل بعناية لا تقل عن دقة صياغة الكلمات. فالصورة اليوم أصبحت خطابًا سياسيًا قائمًا بذاته، يحمل معاني وإيحاءات قد تكون أبلغ تأثيرًا من أي بيان رسمي.
من هذا المنطلق، يبرز المشهد الذي جمع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في مؤتمر صحفي مشترك، حيث ظهر الاثنان بملابس متطابقة تقريبًا: بدلات داكنة، قمصان بيضاء، وربطات عنق حمراء. هذا التطابق البصري لا يمكن فصله عن السياق السياسي، ولا يمكن اعتباره مجرد صدفة أو تنسيق بروتوكولي عابر.
اللباس كلغة سياسية غير منطوقة
في علم الاتصال السياسي، يُنظر إلى اللباس على أنه رسالة غير لفظية. اختيار الألوان، والتناسق بين القادة، وطريقة الظهور أمام الكاميرا، كلها عناصر تخضع لحسابات دقيقة. وعندما يظهر قائدان بهذا القدر من التطابق، فإن الرسالة الأساسية تكون: وحدة موقف، وانسجام ظاهري، ومحاولة واضحة لتقليل أي إحساس بوجود تباين أو خلاف.
اللون الأحمر لربطة العنق يضيف بعدًا رمزيًا خاصًا. سياسيًا، يُستخدم الأحمر للدلالة على القوة والحسم والقرار الصارم. لكنه في الوعي الجمعي، وخصوصًا لدى الجمهور العربي، يرتبط أيضًا بلون الدم والصراع، ما يمنح الصورة شحنة نفسية إضافية، قد تُقرأ كرسالة قوة أو كاستعراض لواقع سياسي مفروض.
ترامب: لغة الجسد بوصفها أداة هيمنة
لغة جسد دونالد ترامب خلال المؤتمر كشفت عن شخصية تسعى لاحتلال مركز المشهد. وقفته كانت مائلة قليلًا إلى الأمام، في إشارة إلى التقدم والسيطرة. حركات يديه كانت واسعة ومتكررة، وهي سمة شائعة لدى الشخصيات التي ترغب في التأكيد على الثقة بالنفس وفرض الحضور.
نظرات ترامب كانت في معظم الوقت موجهة نحو الكاميرات والجمهور، أكثر من توجيهها نحو شريكه في المؤتمر. هذا السلوك يعكس إدراكًا بأن الجمهور الحقيقي بالنسبة له هو الرأي العام، وأن الرسالة موجّهة للخارج بقدر ما هي موجّهة للداخل. ابتسامته المحدودة، التي تظهر وتختفي بسرعة، حملت طابعًا سياسيًا أكثر منها تعبيرًا عن ودّ أو شراكة متكافئة.
من الناحية النفسية، يظهر ترامب في هذا المشهد كقائد يريد أن يؤكد أنه صاحب اليد العليا، حتى وهو يقف ضمن إطار تحالف معلن. لغة جسده تقول إنه يقود المشهد ولا يكتفي بالمشاركة فيه.
نتنياهو: التوازن بين الحذر وإظهار الانسجام
على الطرف الآخر، جاءت لغة جسد بنيامين نتنياهو أكثر تحفظًا وانضباطًا. وقف بثبات، مع حركات أقل اتساعًا، ما يعكس شخصية سياسية حذرة تدرك حساسية اللحظة وأهمية الصورة. إيماءاته المتكررة أثناء حديث ترامب يمكن قراءتها كإشارة إلى الموافقة العلنية، وإلى الحرص على تثبيت الانسجام أمام الكاميرات.
نظرات نتنياهو تنقلت بين ترامب والجمهور، في محاولة للحفاظ على توازن دقيق: تأكيد العلاقة الخاصة مع الولايات المتحدة، وفي الوقت نفسه الحفاظ على صورة القائد المستقل أمام جمهوره. ابتسامته كانت محسوبة، لا تتجاوز الحد المطلوب، وتعكس خبرة طويلة في إدارة الصورة الإعلامية.
نفسيًا، يظهر نتنياهو هنا كسياسي براغماتي، يعرف موازين القوة، ويفضّل إدارة المشهد بهدوء، مع ترك مساحة أكبر للشريك الأقوى لقيادة الخطاب.
الرسالة العامة: تحالف بصري لا اتحاد سياسي المشهد بأكمله لا يعبّر عن اتحاد قانوني أو سياسي بالمعنى المباشر، ولا يدل على استقلال في القرار، بل يمكن وصفه بأنه تحالف رمزي بصري. الهدف منه تثبيت صورة التماسك الكامل، وإيصال رسالة مفادها أن الطرفين يقفان على خط واحد، على الأقل في هذا التوقيت السياسي.
هذه الرسالة موجهة بالدرجة الأولى إلى الخارج، لكنها تحمل في طياتها أبعادًا نفسية للجمهور في المنطقة، حيث قد تُقرأ الصورة كاستعراض قوة أو كجزء من خطاب ضغط يعتمد على الصورة أكثر من الكلمة.
بالنهاية استطيع القول ان البدلات المتشابهة وربطات العنق الحمراء لا تعني بالضرورة تطابق العقول أو وحدة المصالح على المدى الطويل. ما رأيناه هو مشهد مُعدّ بعناية، تستخدم فيه الصورة لتكريس رسالة سياسية محددة، بينما تبقى التعقيدات والخلافات المحتملة خارج إطار الكاميرا.
في السياسة، كثيرًا ما تُستخدم الصورة لإخفاء ما لا يُراد له أن يظهر. وما بين حركة يد، ونظرة عين، ولون ربطة عنق، تُصاغ رسائل كاملة دون أن تُنطق بكلمة واحدة.
سيبقى الوطن راسخاً في نزاهته وشامخاً بقيادته وشعبه
حمى الاردن وقيادته الهاشمية
| 1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
30-12-2025 09:21 AM
سرايا |
| لا يوجد تعليقات | ||