حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الأربعاء ,19 نوفمبر, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 3355

د. محمود الحبيس يكتب: المستشار الثقافي .. خبير ومسؤول

د. محمود الحبيس يكتب: المستشار الثقافي .. خبير ومسؤول

د. محمود الحبيس يكتب: المستشار الثقافي  .. خبير ومسؤول

19-11-2025 08:28 AM

تعديل حجم الخط:

بقلم : د. محمود الحبيس
في عالم تتسارع فيه الأحداث وتتشابك فيه الثقافات، يبرز دور الملحق الثقافي التابع لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي كأحد أهم وجوه الدبلوماسية المعرفية والتعليمية ، لا بوصفه موظفًا رسميًا فحسب، بل باعتباره صوت الحكمة وراعي أبناء الوطن في أوطان الغربة. إنه أشبه بـالحكيم الذي زُيّن بالعلم والبصيرة، وغرس في نفوس من حوله قيم الرشد والصواب، وبثّ فيهم روح الطمأنينة والمعرفة.
فالملحق الثقافي هو مستودع الخبرة، ومرشد الفكر، ووجهة الطلبة وأسرهم في بيئات قد تكون جديدة وغريبة. تُلقى على عاتقه مهام جسيمة تتجاوز الإجراءات الإدارية، لتشمل توجيه الطلبة نحو النجاح، وحمايتهم من المخاطر، وحل مشكلاتهم بإحترافية تجمع بين الحكمة والسياسة، وبين الوطنية والمسؤولية. هو السند الذي يتذكره الطالب حين تضيق به السبل، وهو الجسر الممتد بين الوطن والمغتربين، يقدّم بلسان المعرفة الحكمة والقيمة المثلى ما يقوله الاب لابنه ونجدها في وصايا لقمان الحكيم : "يا بُنيّ، إن الحكمة نور القلب ورشاد العقل، فاستمسك بها، وكن بها أقوى من الأيام."

وفي ضوء هذه الرؤية الحكيمة، يتجسد الملحق الثقافي بوصفه شخصية وطنية جامعة، لا يكتفي بتمثيل الدولة رسميًّا، بل يجسد القيمة الأخلاقية والفكرية التي تليق برسالة التعليم الأردني في الخارج. فهو ليس مجرد موظف إداري، بل قيادي معرفي يتطلب أن يتسلح بالخبرة الأكاديمية، والقدرة على التواصل، والكفاءة الثقافية، والوعي الدبلوماسي، والمعرفة بأصول العمل برسالته الثقافية ، بالإضافة إلى الإلمام بالواقع التعليمي في الدولة المضيفة، والتطورات التكنولوجية الحديثة. إن هذه المتطلبات ضرورة لضمان نجاح الملحق في أداء دوره بكفاءة وحكمة.

وتتوزع مهامه بين الرعاية الأكاديمية للطلبة، والتنسيق مع الجهات ذات الصلة ، وتوثيق العلاقات مع الجامعات والمعاهد، وبناء شبكات تعاون علمي وثقافي مع المؤسسات الوطنية في الخارج. كما يُنتظر منه أن يكون همزة وصل فعّالة بين وزارة التعليم العالي ووزارات الشباب، التربية والتعليم، الثقافة، الداخلية، إلى جانب القوات المسلحة والثقافة العسكرية وغيرها.
تمامًا كما كان الاب في وصايا لقمان الحكيم وهو يُعدّ ابنه لتحمل مسؤوليات الحياة، فإن إعداد الملحق الثقافي يتطلب برنامجًا تدريبيًا شاملًا يمتد لعدة أشهر قبل ابتعاثه. هذا البرنامج يجب أن يركز على تهيئته ثقافيًا ودبلوماسيًا، وتدريبه على إدارة الملفات القانونية والتعليمية، وتحليل البيانات، وفهم سياسات التعليم العالي المحلية وايضا الدولية. الهدف من ذلك هو تمكينه من جمع المعلومات وتحليلها، وتقديمها بعمق لصناع القرار في الأردن، وبما يُسهم في وضع استراتيجيات قصيرة وطويلة الأمد لتطوير التعليم واستقطاب الطلبة الوافدين.وبخاصة ان وزارة التعليم العالي تدرك اهمية تشجيع الطلبة الوافدين الى مؤسسات التعليم العالي الاردنية ولديها مديرية خاصة بالطلبة الوافدين .وتنشط عبر حملات ترويجية نوعية بهذا الشان وذلك ضمن خطة الوزارة لاستقطاب الطلبة الوافدين .
وفي ضوء هذه الحاجة الملحة، يُعدّ التواجد الفعّال للملحق الثقافي في الدول التي تضم تجمعات طلابية أردنية كبيرة،او الدول التي توفد طلبتها للخارج كضرورة وطنية لا تقبل التأجيل. فدول مثل مصر، الجزائر، المغرب، هنغاريا، أرمينيا، روسيا ، تستضيف آلاف الطلبة الأردنيين، وغياب الملحق الثقافي عنها خلق تحديات على مستوى التواصل والتمثيل وحماية حقوق الطلبة.
وفي المقابل، لا بد من توسيع التمثيل نحو دول رائدة في مجالات التكنولوجيا والتعليم الذكي مثل سنغافورة، كوريا الجنوبية، ألمانيا، وكندا، بهدف بناء شراكات تعليمية وبحثية متقدمة، تفتح الأفق أمام الجامعات الأردنية وتعزز حضورها في بيئة تنافسية عالمية، بما ينسجم مع توجهات الدولة نحو اقتصاد معرفي ومجتمع رقمي حديث.
تستشعر وزارة التعليم العالي والبحث العلمي تمامًا الدور الاستراتيجي للملحق الثقافي الأردني، وتدرك أن هذا الدور يحتاج إلى إطار مؤسسي متين يضمن المتابعة المستمرة لأداء الملحقين الثقافيين، وتنفيذ الاتفاقيات والبرامج الثقافية المعقودة مع مختلف دول العالم، ومتابعتها بدقة، إضافة إلى العمل على إبرام اتفاقيات جديدة تسهم في تعزيز الحضور الأردني الأكاديمي والثقافي عالميًا.
لذلك، تبدو الحاجة ملحّة لإنشاء وحدة متخصصة للمكاتب الثقافية داخل الوزارة، تكون بمثابة القلب النابض الذي يراقب ويقوّم الأداء، ويضمن استمرارية المبادرات والإنجازات، ويحول الرؤى إلى واقع ملموس. وإن كانت القيادة العليا للوزارة، ممثلة بمعالي وزير التعليم العالي، تتبنى هذا الملف وتنهض به بشجاعة وحكمة، فإنها ستضع الأردن في موقع ريادي متقدم، ويصبح لكل ملحق ثقافي دعم مؤسسي حقيقي، يضمن له النجاح والفاعلية في أداء رسالته الوطنية.
وتمامًا كما يوصي الاب الحكيم ابنه بالحكمة في القول والعمل والرشد في كل خطوة من خطوات الحياة، فإن الوزارة، من خلال هذه الوحدة، تتحول إلى مرشد حكيم للملحقين، تُرشدهم، وتدعمهم، وتضمن أن يكون كل قرار، وكل اتفاق، وكل جهد، نابعًا من الرشد والحكمة، ليحقق الغاية الأسمى: تعزيز مكانة الأردن وتعميق أثره الثقافي والتعليمي في العالم.

وفي ختام هذه الرؤية، نقف أمام تحدٍّ وطني يستحق أن يواجهه الأردن بحكمة وبصيرة، كما علمنا لقمان الحكيم حين قال لابنه: "يا بنيّ، اعمل للحكمة كما تعمل للغذاء، فإنها تقوي العقل وتثبت الأقدام." اليوم، هذه الحكمة تتجسد في مهمة الملحق الثقافي الأردني: أن يكون حامل رسالة وطنية، وراعيًا للطلبة، وجسرًا متينًا يربط وطننا بالعالم، وأن ينقل صورة الأردن حضاريًا وثقافيًا ومعرفيًا، بما يعكس قوته الناعمة ومكانته بين الأمم.

إن إرسال ملحقين ثقافيين إلى الدول المشار إليها، وتمكينهم من أداء دورهم الاستراتيجي، ليس مجرد إجراء إداري، بل خطوة وطنية حاسمة تضمن تشبيك مؤسسات الدولة مع مثيلاتها في الخارج، وتعزز قدرة الأردن على استقطاب المزيد من الطلبة الوافدين، وتوسع رقعة تأثيره التعليمي والثقافي على المستوى الدولي.

وبذلك يصبح الملحق الثقافي حاملًا لمشعل الوطنية والفكر والابتكار، مدافعًا عن كرامة أبنائنا في الغربة، ومقدمًا صورة مشرقة عن الأردن في كل زاوية من العالم، وبصورة تُسجل للوزارة وللقيادة الأردنية الحكيمة أنها وضعت التعليم والمعرفة في صدارة أولوياتها، وقادرة على قيادة الأردن نحو الريادة والتميز.











طباعة
  • المشاهدات: 3355
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
19-11-2025 08:28 AM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
برأيك.. هل يرضخ نتنياهو لضغوط ترامب بشأن إقامة دولة فلسطينية؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم