19-10-2025 01:04 PM
سرايا - خلال أيام قليلة اخترق الذهب حاجز الـ 4000 دولار للأوقية، ثم واصل الصعود لاختراق حاجز 4100 دولار وتجاوزه بسرعة ليصل إلى 4122 دولارا في نهاية معاملات يوم الثلاثاء الماضي. ومع أن بعض المحللين يحذرون من حدوث فقاعة ذهبية في السوق فإنه لا يوجد كابح للطلب في الأسابيع الأخيرة مع تجمع قوة كل محركات أسعار الذهب تقريبا في اتجاه واحد هو الصعود. المحركات الفنية تشير إلى عدم زيادة الإنتاج بنفس قوة معدل الزيادة في الطلب. والمحركات المالية تشير إلى اضطراب أسعار الأسهم وتراجع العائد على سندات الخزانة الأمريكية، والعوامل الجيوسياسية تشير إلى اشتعال الحرب التجارية مجددا بين الصين والولايات المتحدة، وفوق كل ذلك فإن المحركات التنظيمية/الإدارية تشير إلى أزمة كبرى في إدارة مالية الحكومة الأمريكية والعلاقة بين البيت الأبيض ومجلس الاحتياطي الفيدرالي. ولا يبدو وسط كل ذلك أي محركات للضغط على أسعار الذهب إلى أسفل مع وجود سيولة مالية كبيرة في السوق تبحث عن ملاذات آمنة ولا تجد في الوقت الحاضر ملاذا أفضل من الذهب.
وطبقا لبيانات مجلس الذهب العالمي فقد سجلت صناديق بيع وشراء الذهب تدفقات قياسية خلال الربع الثالث من العام الحالي، وكانت المعاملات في شهر أيلول/سبتمبر على وجه الخصوص العامل الرئيسي وراء ذلك. وطبقا لتقرير أخير أصدره المجلس فإن متوسط قيمة المعاملات قفز إلى 388 مليار دولار تقريبا. وبالنسبة لعقود بيع وشراء الذهب العينية التي تنتقل فيها ملكية الذهب العيني من يد إلى يد، فإن قيمتها في الربع الثالث من العام سجلت رقما قياسيا بقيمة 26 مليار دولار. وتكشف تفاصيل بيانات المجلس أن المستثمرين في أمريكا الشمالية استحوذوا وحدهم على ما قيمته 16 مليار دولار من هذه المعاملات، وجاء المستثمرون من أوروبا في المركز الثاني بقيمة 8.2 مليار دولار، وهو ثاني أكبر رقم قياسي للتدفقات العينية الأوروبية على الإطلاق في سوق الذهب. وجاء المستثمرون الآسيويون على عكس التوقعات في المركز الثالث بقيمة 1.7 مليار دولار. وفي بقية أنحاء العالم كانت التدفقات محدودة جدا بقيمة 28.2 مليون دولار فقط. وبنهاية الربع الثالث من العام الحالي بلغت القيمة الإجمالية لعقود مبادلات الذهب المرتبطة بالذهب العيني 472 مليار دولار بزيادة ربع سنوية نسبتها 23 في المئة مقارنة بالربع الثاني من العام على أساس قيمة العقود. أما على أساس كمية المبادلات فإن حيازة الذهب ارتفعت إلى 3838 طنا بنسبة زيادة فصلية تبلغ 6 في المئة. ولا تزال هذه الكمية المتبادلة أقل من الرقم القياسي المسجل في الأسبوع الأول من تشرين الثاني/نوفمبر 2020 بكمية بلغت 3929 طنا.
التوزيع الإقليمي لتجارة الذهب
كما ذكرنا فقد استحوذت صناديق استثمار الذهب المربوط بتبادل الذهب العيني على حصة الأسد في السوق العالمية. وفي الشهر الماضي فقط بلغت قيمة التدفقات للداخل 10.6 مليار دولار، وكان هذا بمثابة رقم قياسي للشهر الرابع على التوالي. وكان وراء الزيادة القياسية في الطلب على الذهب في أسواق أمريكا الشمالية ثلاثة محركات رئيسية هي ضعف الدولار الأمريكي مع استمرار اضطراب العلاقة بين ترامب ومحافظ البنك المركزي جيروم باول إضافة إلى الخلافات العميقة داخل الكونغرس بشأن الميزانية وهو ما أدى إلى وقف الإنفاق الحكومي، وتوقعات انخفاض العائد على الاستثمار في سندات الخزانة الأمريكية وتوقعات استمرار تخفيض الفائدة على الأموال الفيدرالية في الأشهر المقبلة، وتأثير العوامل النفسية الإيجابي على الأسعار التي حققت معدلات زيادات قياسية واحدا بعد الآخر في فترة قصيرة من الزمن. وعلى الرغم من ميل البنوك المركزية في عالم الجنوب إلى تنويع محفظة الاحتياطي النقدي الدولي ببيع الدولار وشراء الذهب فإن بيانات مجلس الذهب العالمي عن الربع الثالث من العام الحالي لا تظهر أن هذه السياسة قد لعبت دورا رئيسيا في الارتفاعات القياسية لأسعار المعدن النفيس خلال الفترة الثالثة من العام. وإذا كان هناك استنتاج نستطيع أن نستخلصه هنا فهو أن أسعار الذهب لم تصل إلى ذروتها بعد.
ومع ذلك فإن العائد على الأسهم في الأسواق العالمية يمثل منافسا خطيرا للذهب، من ناحية أن الأسهم قد ترتفع قيمتها، ويرتفع العائد الذي تدره في الظروف الإيجابية، بينما الذهب يمثل ملاذا آمنا في الأساس لا يدر عائدا لكنه يحمي قيمة الأصول من التآكل بفعل عوامل كثيرة. وقد حققت أسواق الأسهم الأمريكية قفزات كبيرة منذ بدأ الاحتياطي الفيدرالي هذا الشهر دورة جديدة للتيسير النقدي. ومن المفترض أن يؤدي ذلك إلى تحويل بعض الأموال من سوق الذهب إلى سوق الأسهم، خصوصا مع تراجع التضخم وزيادة النمو وارتفاع أرباح الشركات، فهذه كلها عوامل تعزز فرص ارتفاع قيمة الأصول وزيادة العائد عليها في وقت واحد. ومن المتوقع أن يشهد الربع الأخير من العام الحالي والربع الأول من العام القادم منافسة شديدة على الأموال بين كل من الأسهم والذهب.
وقد بلغت التدفقات إلى الداخل في أوروبا في شهر أيلول/سبتمبر 4.4 مليار دولار، وقادت اجتذاب هذه التدفقات بريطانيا وسويسرا وألمانيا. من الملاحظ أن كلا من بنك انكلترا والبنك المركزي الأوروبي قد التزم بسياسة نقدية حذرة، فيبقى كل منهما على معدلات الفائدة على كل من الاسترليني واليورو من دون تغيير نظرا لاتجاه معدل التضخم إلى أعلى. وكانت التدفقات إلى الداخل في الاستثمار في الذهب تعكس ميلا من المستثمرين إلى زيادة التحوط من احتمالات الخسائر، خصوصا مع ظهور علامات على الركود في كل من بريطانيا وألمانيا. وهكذا فإن محركات الطلب على الذهب في أوروبا كانت تعكس خوفا من المستقبل وزيادة في التحوط باللجوء إلى الملاذات الآمنة إضافة إلى قوة الدافع النفسي بالجري وراء الأصل الأكثر جذبا للمستثمرين على مستوى العالم. ومن المتوقع أن تترك مؤشرات الأداء الكلي للاقتصاد في الأشهر القادمة دورا مهما في تقرير اتجاه الطلب على الذهب في أوروبا، خصوصا مع هشاشة معدلات النمو الحالية، والتقلبات في أسعار العملات.
في آسيا كانت الهند وليس الصين وراء زيادة الطلب على الذهب، والأكثر جذبا لتدفقات السبائك الذهبية إلى الداخل. ولا شك أن البنك المركزي الهندي كان المحرك الأكبر لزيادة الاستثمار في الذهب في الشهر الماضي، ليس في الهند فقط ولكن في آسيا بشكل عام. وبلغت قيمة تدفقات الذهب إلى الهند في الشهر الماضي حوالي 902 مليون دولار بنسبة تعادل 43 في المئة تقريبا من إجمالي قيمة تدفقات الذهب إلى آسيا التي بلغت 2.1 مليار دولار. ومن الواضح أن الحكومة الهندية تتبنى سياسة جريئة في تنويع محفظة الاحتياطي النقدي الدولي لدى البنك المركزي، وربما يستمر العمل بهذه السياسة في الأجل المنظور، الأمر الذي يعزز قوة الطلب الآسيوي والأسعار. وجاءت الصين بعد الهند بتدفقات إلى الداخل بلغت قيمتها خلال الشهر الماضي 622 مليون دولار، بما يعادل 29.6 في المئة من التدفقات إلى الأسواق الآسيوية في ذلك الشهر. ومن المرجح أن يعود البنك المركزي الصيني بقوة إلى السوق في الأشهر القليلة القادمة. أما اليابان فقد استحوذت على ما قيمته 415 مليون دولار من تدفقات الذهب إلى داخل البلاد ما يعادل 19.7 في المئة من التدفقات إلى آسيا. ومن المعروف ان اليابان هي أكبر مستثمر في سندات الخزانة الأمريكية بقيمة بلغت 1.15 تريليون دولار في شهر تموز/يوليو الماضي من أصل 9.16 تريليون دولار في حيازة المستثمرين الأجانب بنسبة 12.5 في المئة. ومن المستبعد أن تتبع اليابان سياسة رسمية لتخفيض حيازتها في الأجل المنظور، بسبب الاستقطاب الحاد في شرق آسيا بين النفوذ الصيني والنفوذ الأمريكي.
هذا يعني أن اليابان من المستبعد أن تلعب دورا جوهريا في تحريك الطلب على الذهب في آسيا بنسبة مؤثرة خلال الأشهر القليلة القادمة، مقارنة بالدور الذي يمكن أن تلعبه كل من الهند والصين، حيث تسعى كل منهما بوضوح إلى تنويع الاحتياطي النقدي لدى بنكها المركزي، وتعزيز قيمة عملتها المحلية، وتخفيض الاعتماد على الدولار تجنبا للخسائر الناجمة عن تدهور أسعاره مقابل العملات الرئيسية الأخرى.
تساعدنا قراءة تقرير مجلس الذهب العالمي عن النصف الأول من العام الحالي على فهم أداء محركات سوق الذهب، ومحاولة استخلاص بعض الاستنتاجات لتطبيقها على المعاملات خلال الربع الأخير من العام، أي الفترة حتى نهاية العام.
ويوضح التقرير أنه خلال النصف الأول من العام الحالي ارتفع سعر الذهب، محققا أرقاما قياسية، قفزت به إلى أعلى بنسبة 26 في المئة مقومًا بالدولار الأمريكي. ويقدر المجلس أن قيمة حيازات الذهب المادية لدى المستثمرين والبنوك المركزية تبلغ حوالي 5.1 تريليون دولار، بينما بلغ متوسط أحجام تداول الذهب رقمًا قياسيًا بلغ 329 مليار دولار يوميًا خلال النصف الأول من عام 2025. وبهذا المعنى، فإن سوق الذهب أصبح أكثر سيولة من العديد من الأسواق المالية الرئيسية، بما في ذلك مؤشر داو جونز الصناعي، في حين أن أحجام التداول أصبحت تعادل قيمة التداول لسندات الخزانة الأمريكية لأجل 10 سنوات، وتتجاوز قيمة الأسهم الأمريكية الأكثر تداولًا. ويتمتع الذهب بسجل حافل موثوق به من حيث كونه أصلًا ماليًا قوي الأداء وطويل الأجل.
خلال السنوات الخمسين الماضية، بلغت الزبادة في سعر الذهب (بالدولار الأمريكي) نسبة 8 في المئة سنويا، وهو أداء مماثل للأسهم وأعلى من السندات. أما خلال فترة عدم الاستقرار الاقتصادي الحالية، فإن الذهب عزز مكانته كملاذ آمن، وأداة تنويع ممتازة في المحافظ الاستثمارية المتعددة المكونات، حيث أجمع 49 في المئة من المستشارين الماليين على أن مكانة الذهب تمثل نقطة قوة مقارنة بوسائط الاستثمار الأخرى، خصوصا خلال فترات عدم الاستقرار الاقتصادي.
وقد كشف البنك المركزي الأوروبي في حزيران/يونيو الماضي أن الذهب قد تجاوز اليورو ليصبح ثاني أكبر أصل احتياطي عالمي بعد الدولار الأمريكي. كذلك فإن الذهب أصبح يلعب دورًا محوريا في تصنيع منتجات التكنولوجيا والرعاية الصحية المتقدمة.
وتشكل ظروف العرض الضيقة لأسباب مختلفة ومنها ارتفاع تكلفة الاستخراج والتصنيع دورا مهما كمحرك من محركات ارتفاع الأسعار. ونظرا لأنه يتم استخدام كل أونصة من الذهب تقريبًا تم استخراجها في تدوير وزيادة استثمارات التدفقات العينية المتزايدة، فإن قيود التكلفة المفروضة على التوسع في الإنتاج تزيد من تأثير عامل الندرة. أي أن التدوير من الاستخراج إلى التصنيع إلى الاستثمار يتم تقريبا بنسبة مئة في المئة. وعلى الرغم من كل هذا، فإن هناك تحديات تواجه صناعة الذهب. إن حقيقة أن الذهب لا يُعتبر أصلًا سائلًا عالي الجودة أو أداة قانونية للأداء المالي بين الدول والأقاليم المختلفة، ذات الأنظمة القانونية المختلفة، تعني أنه لا يتلقى نفس مستوى التدقيق التنظيمي مثل أدوات الاستثمار الأخرى.
يمكن أن تكون إدارة حفظ الذهب المادي معقدة أيضًا لأن الذهب يأتي في شكل مجموعة متنوعة من الأحجام ودرجات النقاء المختلفة، ويسود تصور بين بعض المستثمرين المؤسسيين وإدارات الخزانة في الدول والبنوك بأن الأصول الأخرى غير الذهب مثل السندات والأسهم أسهل في الإدارة.
كذلك فإن الذهب على العكس من الأصول الاستثمارية الأخرى مثل السندات والعقارات، لا يوفر دخلاً منتظمًا. وهذا ما أشار إليه غالبية المستشارين الماليين (54 في المئة) في استطلاع أجراه مجلس الذهب العالمي عام 2023.
ويرى هؤلاء أن عدم توزيع الذهب لعائدات أو أرباح يعيق فرص استثماره. ورغم كل ذلك فإن ديفيد تايت، الرئيس التنفيذي لمجلس الذهب العالمي يقدم لنا رؤية مستقبلية شديدة التفاؤل بالنسبة لمكانة الذهب في العالم.
يقول تايت «إن التقدم التكنولوجي السريع لتلبية الاحتياجات المتغيرة لمجتمعنا واقتصاداتنا العالمية يحمل في طياته إمكانات هائلة لتغيير العالم كما نعرفه.
وبالنسبة لصناعة الذهب العالمية، فإن هذه الإمكانات هائلة، مما يتيح فرصةً لإحداث تغيير ليس فقط في القطاع نفسه، بل أيضًا لتحسين إمكانية الوصول والشفافية، وإثراء حياة الناس والمجتمعات حول العالم».
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
19-10-2025 01:04 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |