05-10-2025 02:31 PM
بقلم : د. خالد السليمي
يمرّ الأردن في واحدة من أكثر المراحل حساسية من تاريخه الاقتصادي والاجتماعي، حيث تتقاطع التحديات الداخلية مع المتغيرات الإقليمية والدولية لتشكل ضغطاً غير مسبوق على المواطن والدولة معاً، حيث يعاني المجتمع الأردن خلال السنوات الأخيرة من مجموعة من التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي أثرت بشكل كبير على حياة المواطنين، فبين الارتفاع المستمر في الأسعار وكثرة الضرائب والمخالفات والتضييق على أصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة، يواجه المواطنين ضغوطات تؤثر على استقرارهم وأمنهم المعيشي، حيث تُعتبر هذه التحديات فرصة لصناع القرار ليتحملوا مسؤولياتهم ويدرسوا الحلول المناسبة لتحسين الحياة في الوطن، في هذه المقالة، سوف أستعرض بعض القضايا الجوهرية وبعض الأمثلة التي تحتاج إلى معالجة فورية من قبل حكوماتنا الرشيدة التي من المفروض أن تستلهم رؤية جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين حفظه الله ورعاه الذي ما فتئ يؤكد أن تحسين حياة المواطن هو جوهر العمل العام وغاية الإصلاح الوطني.
البنية التحتية المتهالكة
في الوقت الذي تُزرع فيه الرادارات في الطرقات وتُنفق الملايين على مشاريع شكلية، تبقى البنية التحتية في عدد من المحافظات تعاني التهالك، شوارع متصدعة، وأرصفة متهالكة، ومناطق لا تصلها الخدمات كما ينبغي، إن الاستثمار في الطرق والمدارس والمستشفيات هو استثمار في الإنسان، وليس في الجباية، فتحسين البنية التحتية ليس رفاهية بل ضرورة أمنية واقتصادية واجتماعية، فكل دينار يُنفق هنا هو استثمار في الاستقرار الوطني، ويقلل من كلفة الحوادث والبطالة والاحتقان الاجتماعي، كما أن إنشاء حدائق صغيرة ومُتفسحات للأطفال في كل حي سيُعزز من جودة الحياة الاجتماعية ويقلل من الضغوط النفسية على الأسرة الأردنية، بدلا من التضييق على المواطنين وسلب ما يمكن أن يتبقى من رواتبهم لتكملة معيشة شهورهم القاهرة.
تكاليف أثمان المياه غير المنطقية والتي لا يمكن تصديقها
لقد تحولت فواتير المياه إلى عبء يثير التساؤلات لدى المواطن الأردني، فقد شهدت فواتير المياه تحولاً كبيراً في نظام الفوترة، حيث كانت تأتي الفاتورة كل ثلاثة أشهر بمعدل منخفض ومثال ذلك على نفسي حيث كانت تصل قيمة الفاتورة لمنزلي على نظام الفوترة كل 3 شهور من (6 الى 8 دنانير)، بينما أصبحت الآن الفاتورة شهرية وبقيم غير منطقية لتصل قيمة الفاتورة الشهرية لنفس كمية الاستخدام ولنفس المنزل من (10 الى 15 دينار) شهرياً، نريد من اصحاب المنطق توضيح ذلك للمواطن البسيط، هذا الارتفاع المفاجئ يطرح تساؤلات كثيرة حول كيفية إدارة قطاع المياه في الأردن، وخاصة مع تصريحات احتساب قيمة الهواء على الفاتورة، من الضروري توضيح الأسباب وراء هذا التغيير وتقديم حلول فعالة تضمن وصول المياه بأسعار معقولة للمواطنين.
الكهرباء... عبء يهدد الاستقرار المعيشي
لا يمكن للاقتصاد الوطني أن يتقدم في ظل فواتير كهرباء تستنزف دخل الأسر والمشاريع الصغيرة، فالارتفاع غير المسبوق في التسعيرة أدى إلى تآكل أرباح التجار وتراجع فرص العمل، حيث لم تسلم الأسر والمشاريع الصغيرة والمتوسطة من الأعباء المالية المتعلقة بفواتير الكهرباء فقد تصاعدت الأسعار بشكل مفاجئ، فالمنازل التي كانت تدفع ما بين 10 إلى 15 ديناراً شهرياً أصبحت مطالبة بدفع فواتير تصل 35-40 دينار شهريا وخلال موجة الحر شهر اب وصلت الى إلى 95 ديناراً، والمحلات التجارية والمشاريع الصغيرة والمتوسطة التي كانت تدفع من 1000 الى 1500 دينار شهريا أصبحت تدفع من 2500 الى 3000 دينار شهريا بنفس الأدوات الكهربائية ونفس طريقة الاستخدام قديما وحديثاً، كيف يمكن للمواطن العادي تحمل هذه الأعباء المتزايدة؟ تحتاج الحكومة إلى إعادة النظر في سياسة تسعير الكهرباء لضمان استقرار الأسعار وحماية المواطنين.
الضرائب والمشاريع الصغيرة... نزيف الاقتصاد الوطني
إن المشاريع الصغيرة والمتوسطة هي عصب الاقتصاد، ولكنها اليوم تواجه خطر الانهيار والتصفية والإفلاس تحت وطأة الضرائب والغرامات والرسوم المتكررة، حيث تساهم الضرائب المرتفعة في سحق القاعدة الاقتصادية للشركات الصغيرة والمتوسطة، مما يؤدي إلى إغلاق العديد منها، ومع مصروفات التشغيل المرتفعة، تجد هذه المؤسسات نفسها عاجزة عن الوفاء بالتزاماتها، فالمطلوب هو نظام ضريبي عادل يدعم الاستثمار ولا يخنقه، فإعادة هيكلة الضرائب وتقديم حوافز للمشاريع المنتجة هو الطريق لتوسيع قاعدة التشغيل ومكافحة البطالة، إن دعم هذه المشاريع ليس مجاملة، بل ضرورة لحماية الطبقة الوسطى وضمان دوران العجلة الاقتصادية، لذلك يجب على الحكومة إعادة هيكلة النظام الضريبي وتقديم الدعم اللازم لتلك المشاريع لضمان استمراريتها وعدم خسارة المزيد من فرص العمل.
الأسواق التجارية وحملات الإزالة... ضربة غير محسوبة
القرارات التي تستهدف العلامات التجارية والإشارات أمام المحلات قد تبدو تنظيمية، لكنها في الواقع تضرب نبض السوق، فتلك الإضاءات واللافتات هي أدوات تسويقية بسيطة يستخدمها التاجر للبقاء دون الإفلاس وزيادة الاقبال للمواطنين لزيادة القوة الشرائية المتهالكة أصلاً، ففي ظل ركود القوة الشرائية، يجب أن تكون القرارات الحكومية مُحفزة للقطاع التجاري لا معرقلة له، لقد لاحظنا في الفترة الأخيرة كيف تم اتخاذ قرارات بحملات لإزالة بعض العلامات التجارية والشعارات التي يضعها أصحاب المحلات التجارية أمام متاجرهم، مثل الأعمدة أو الأضواء التي تُضيء المناطق المحيطة بتلك المحلات، أو حتى المعروضات التي يخرج بها التجار إلى خارج المحل، هذه الخطوات تؤثر سلباً على القوة الشرائية وحركة البيع والشراء في الأسواق، حيث يحاول التجار جذب الزبائن في ظل التراجع الملحوظ والمؤثر للقوة الشرائية، يتعين على الحكومة إعادة النظر في هذه السياسات والانتباه الى ما يخدم تدعيم المحال التجارية والمشاريع الصغيرة والمتوسطة لا زيادة معاناتهم واحباطهم وافلاسهم من هذه المشاريع والاضطرار في النهاية لتصفيتها او بيعها وهذا واضح بشكل كبير جداً في محافظاتنا، يجب تعزيز الدعم لأصحاب المحلات التجارية بدلاً من فرض قيود إضافية، من أجل تنشيط الحركة التجارية وتفعيل الاقتصاد المحلي.
المشتقات النفطية والسلع الأساسية
يشهد الأردن ارتفاعاً مستمراً في أسعار المشتقات النفطية والسلع الأساسية، مما يزيد من معاناة المواطنين، فكل ارتفاع في أسعار المحروقات يعني ارتفاعاً في النقل والسلع والخدمات، وبالتالي مزيداً من الضغط على المواطن، المطلوب هو استقرار تسعيري مدروس قائم على الشفافية، بحيث لا يتحول السوق الأردني إلى ساحة مضاربة، يمكن للحكومة دراسة تجارب الدول المجاورة التي نجحت في إنشاء صناديق دعم ذكية للمحروقات دون استنزاف الميزانية العامة، فالحاجة ملحة لإيجاد حلول مستدامة لتخفيف هذه الأعباء المالية على الأسر، حيث يجب أن تكون هناك استراتيجيات فعالة للحد من أسعار الوقود والسلع الأساسية.
الهجرة كخيار مؤلم للمواطن
حين يفكر المواطن بالهجرة، فهذا يعني أن عقدة الثقة بينه وبين الحكومات المتعاقبة التي يفترض أنها لخدمته لا لإذلاله بدأت تصدع، فارتفاع نسب البطالة وتدني الأجور يدفع الشباب للبحث عن فرص خارج الحدود، لا بد من إطلاق برامج تشغيل وطنية قائمة على التدريب، وتوسيع الاستثمارات في المحافظات، وإعادة الثقة بجدوى العمل داخل الوطن، فالأردن غني بموارده البشرية، لكنه بحاجة إلى إدارة رشيدة للفرص، فحرمان المواطن من العيش بكرامة يُعد فشلاً حقيقياً للسياسات الحكومية، لذلك مطلوب من الحكومات أن تسعى الدولة لضمان حياة كريمة لمواطنيها وخلق بيئة جاذبة للاستثمار والدخل.
الحاجة إلى رؤية جديدة
إن الإصلاح الاقتصادي الحقيقي يبدأ من وضع المواطن في قلب السياسات، لا على هامشها، المطلوب رؤية وطنية حديثة تقوم على خفض الضرائب التصاعدية، وتوسيع قاعدة الإنتاج، وتشجيع الصناعات المحلية، وربط التعليم بسوق العمل، الأردن قادر على النهوض إذا توفرت الإرادة السياسية والجرأة في اتخاذ القرارات الصعبة التي تضع مصلحة الشعب أولاً، كما ينبغي على صناع القرار البحث في كيفية زيادة الإيرادات في القطاعات المختلفة دون التأثير على كاهل المواطن، إن التحديات ليست قدراً محتوماً، بل فرصة لإعادة صياغة العقد الاجتماعي بين الدولة والمواطن، إن الشفافية، والمساءلة، والإدارة العصرية هي المفاتيح الثلاثة لبناء الثقة وتحقيق التنمية، فقد أكد جلالة الملك عبدالله الثاني مراراً أن كرامة المواطن هي أولوية وطنية لا تقبل المساومة، ومن هنا يجب أن يبدأ الإصلاح الحقيقي.
في الختام الأردن اليوم أمام مفترق طرق حاسم، فإما أن نواصل الدوران في حلقة التحديات ذاتها، أو ننطلق نحو إصلاح جذري يحاكي طموحات الأردنيين، فالتغيير لا يبدأ من الشكوى بل من الفعل، ولا يتحقق إلا بتكامل الأدوار بين الحكومة والمجتمع، إنّ الأردنيين شعب صبور وواعٍ، لكنهم ينتظرون سياسات تُترجم وعود الإصلاح إلى واقع ملموس، فالأردن والاردنيون يستحقون أن يكون بلدهم نموذجاً في الإدارة الرشيدة والعدالة الاقتصادية، ومستقبل أبنائهم أمانة في أعناقنا جميعاً، لذلك لا بُد من إعادة الهيكلة اللازمة للنظام الاقتصادي والاجتماعي، وهذا لن يتحقق التقدم إلا بتعاون الجميع لتوجيه الجهود نحو تحسين الحياة اليومية للمواطنين.
توصيات موجهة للحكومات في الأردن، تهدف إلى خدمة الدولة والشعب وتحقيق التنمية المستدامة:
1. إعادة هيكلة النظام الضريبي. تخفيض الضرائب على المشاريع الصغيرة والمتوسطة لتخفيف العبء المالي عنها، مما يسهل استمرارها ويحفز على إنشاء المزيد من فرص العمل، ينبغي أيضاً تقديم حوافز ضريبية للمستثمرين في القطاعات الحيوية مثل التعليم والصحة.
2. تحسين البنية التحتية. استثمار ميزانيات فعالة في تطوير البنية التحتية للطرق والمدارس والمستشفيات، يُمكن تحقيق ذلك من خلال إنشاء شراكات بين القطاعين العام والخاص لضمان الاستخدام الأمثل للموارد وتحسين جودة الحياة للمواطنين.
3. تعزيز الشفافية والمساءلة. تنفيذ آليات شفافة لمراقبة إنفاق الأموال العامة والمشاريع الحكومية، مما يعزز من ثقة المواطنين في الحكومة، يجب إنشاء منصات تسمح للمواطنين بالتعبير عن أرائهم واقتراحاتهم بشأن السياسات العامة والمشاريع.
4. تحسين جودة الخدمات الأساسية. التركيز على تحسين جودة الخدمات الأساسية مثل المياه والكهرباء، وتقديم خطط لدعم الأسر ذات الدخل المنخفض، يجب أن تتضمن هذه الخطط استراتيجيات لتخفيض التكاليف ورفع كفاءة الخدمات.
5. التوسع في التعليم والتدريب المهني. الاستثمار في التعليم الفني والتدريب المهني لتحسين مهارات القوى العاملة، يتعين على الحكومة إطلاق مبادرات لدعم الشراكات مع القطاع الخاص لتأهيل الشباب لسوق العمل وتعزيز التوظيف.
6. تحفيز الابتكار والاستدامة. تشجيع الابتكار من خلال توفير منح ودعم للبحوث والابتكارات في مجالات الطاقة المتجددة والزراعة المستدامة، يمكن للحكومة أن تسهم في تحقيق استخراج أفضل للموارد وزيادة الإنتاجية من خلال تقنية جديدة وأكثر استدامة.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
05-10-2025 02:31 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |