حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الأربعاء ,1 أكتوبر, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 6498

زياد فرحان المجالي يكتب: جلالة الملك… حكمة القائد واستشراف المستقبل

زياد فرحان المجالي يكتب: جلالة الملك… حكمة القائد واستشراف المستقبل

زياد فرحان المجالي يكتب: جلالة الملك… حكمة القائد واستشراف المستقبل

29-09-2025 08:36 AM

تعديل حجم الخط:

بقلم : زياد فرحان المجالي
في مساء الأحد ٢٨ أيلول ٢٠٢٥، فتح قصر الحسينية أبوابه على مشهد غير مألوف. رؤساء الوزراء السابقون جميعًا تقريبًا جلسوا إلى طاولة واحدة مع جلالة الملك عبد الله الثاني. لم يكن اللقاء بروتوكوليًا عابرًا، بل اجتماعًا محمّلًا بالرسائل والرموز. فالمملكة على أعتاب مرحلة دقيقة، والمنطقة تموج بمتغيرات تتجاوز حدودها التقليدية، وكان لا بد من أن يضع جلالته رجالات الدولة أمام صورة كاملة لما قد يحدث.

جلالة الملك تحدّث بصراحة غير معهودة في مثل هذه اللقاءات. عرض تفاصيل خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب حول غزة، وأوضح أنها وجدت توافقًا عربيًا – إسلاميًا واسعًا. لكنه شدّد في الوقت ذاته أن الأردن طرف فاعل في صياغة التفاصيل، وأنه لن يكون ساحة لتنفيذ ما يتعارض مع ثوابته. كانت عبارته الأوضح: «الأردن على أتم الاستعداد لحماية أمنه وسيادته». جملة مكثفة تختصر فلسفة الحكم، وتؤكد أن سيادة الوطن ليست محل مساومة.

اللقاء حمل بصمة الإشراف المباشر. لم يترك جلالته الأمر للتقارير أو الوسطاء، بل شرح بنفسه خلفيات العدوان الإسرائيلي على قطر، وبيّن أنه لم يكن سوى رسالة ترهيب للمنطقة كلها. كما أوضح أن ما يجري في غزة فصل من فصول إعادة ترتيب الإقليم وفق خرائط جديدة، وأن الأردن يقرأ هذه الخرائط بوعي ويدرك أبعادها. أراد جلالة الملك أن يسمع الحاضرون الحقيقة من فمه مباشرة، بعيدًا عن الشائعات والتأويلات.

الأكثر إثارة أن الدعوة شملت الجميع. أسماء طالما استُبعدت عن لقاءات مماثلة، مثل أحمد عبيدات وعبد الكريم الكباريتي، حضرت هذه المرة. عبيدات بصوته الوطني الحاد، والكباريتي بتشخيصه الاقتصادي والسياسي، قدّما مداخلات أثرت الحوار. حضورهم لم يكن تفصيلًا، بل دليلًا على أن اللحظة التاريخية لا تحتمل الإقصاء، وأن حكمة جلالة القائد تقتضي الاستماع لكل الآراء، حتى الأكثر نقدًا وحدّة.
الرسائل التي خرجت من قصر الحسينية لم تقف عند جدرانه. داخليًا، عكست صورة الدولة المتماسكة التي تستمع لكل رجالاتها وتحصّن جبهتها الوطنية. بالنسبة للمواطن الأردني، كانت الصورة رسالة طمأنة بأن القيادة واعية للخطر وتستعد بجدية لكل الاحتمالات. خارجيًا، أكدت أن الأردن حاضر في قلب المشهد، وأنه لن يُسمح بتجاوزه في أي تسوية تخص فلسطين أو المنطقة.
في الشارع الأردني، ترددت أصداء اللقاء على شكل ارتياح نسبي. المواطن الذي يتابع أخبار غزة بقلق، وجد في الاجتماع ضمانة أن الدولة لا تتحرك بردود الفعل فقط، بل بخطة استباقية تستند إلى قراءة واضحة. كثيرون رأوا في الصورة عودة إلى الحوار الوطني بمعناه الحقيقي، حيث تُطرح الآراء بلا حواجز.
عربيًا، ربط جلالة الملك بين خطة ترامب والتوافق العربي – الإسلامي، في إشارة إلى أن العرب أمام لحظة قرار جماعي، وأن الأردن لن يغيب عنها. وتأكيده أن العدوان على قطر رسالة للمنطقة كلّها كان بمثابة جرس إنذار، خصوصًا في الخليج، أن الأردن يرى نفسه جزءًا من أمن الإقليم.
دوليًا، شدّد جلالته على أن حل الدولتين لم يعد شعارًا بل أصبح إجماعًا عالميًا، وهو ما يعكس التحولات الجارية في أوروبا والولايات المتحدة. هذه ليست قراءة مراقب، بل موقف شريك يعرف مفاتيح اللعبة ويشارك في صياغتها.
المفارقة أن هذه ليست المرة الأولى التي يحذّر فيها جلالة الملك من خرائط جديدة للمنطقة، لكن هذه المرة لم يكتف بالتحذير، بل أشرك كل رجالات الدولة في التشخيص، ليحمي القرار والوعي معًا. فالدول لا تسقط بالخطر وحده، بل بالعمى السياسي. وحين يضع جلالته كل هذه التفاصيل على الطاولة، فهو يفتح العيون على ما يُرسم، حتى لا يُفاجأ الأردنيون بخيارات لم يشاركوا في قراءتها.

الأردن الذي دفع ثمن الجغرافيا لعقود، ووقف على تماس مع كل أزمات المنطقة، أثبت أنه قادر على حماية نفسه من أن يكون ساحة لتصفية الحسابات. جلالة الملك عبد الله الثاني، الذي خبر دهاليز السياسة الإقليمية والدولية لأكثر من عقدين، يعرف أن الحياد السلبي لم يعد خيارًا، وأن الأردن يجب أن يكون داخل الحدث لا على هامشه. لذلك قالها بصراحة: الأردن دائم الاستعداد لحماية سيادته، ولن يسمح أن يُرسم مستقبله في غيابه.

إن المغزى الأعمق لهذا الاجتماع أن جلالة الملك لا يكتفي بإدارة الأزمات، بل يسعى إلى استباقها. الاستعداد يعني هنا الوعي والوضوح والوحدة، قبل السلاح والشعارات. حين تجتمع الحكمة مع الاستشراف، تصبح القيادة ضمانة، والوطن أكثر قدرة على الصمود أمام عواصف الإقليم.

من قصر الحسينية خرجت الرسالة واضحة: الأردن ليس على الهامش، ولن يكون. فلسطين جزء من وجدانه، وأمنه خط أحمر، ومكانه الطبيعي في قلب كل حدث يرسم مستقبل المنطقة. هكذا تكلّم جلالة الملك، وهكذا قرأ الحاضرون المشهد، وهكذا فهمه الشعب الذي تابع اللقاء بعيون مفتوحة على القادم.











طباعة
  • المشاهدات: 6498
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
29-09-2025 08:36 AM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
لا يمكنك التصويت او مشاهدة النتائج

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم