25-09-2025 03:50 PM
بقلم : زياد فرحان المجالي
مدخل: الاعتراف الذي كسر الجدار
لم يكن يوم 21 أيلول/سبتمبر 2025 يومًا عاديًا في مسار الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي. ثلاث دول غربية وازنة ـ بريطانيا وكندا وأستراليا ـ أعلنت بشكل متزامن اعترافها الرسمي بدولة فلسطين. الحدث لم يكن مجرد خطوة دبلوماسية رمزية، بل زلزال سياسي ضرب في عمق السردية الإسرائيلية التي اعتادت أن الغرب، مهما اختلفت سياساته، لن يجرؤ على كسر الاصطفاف التاريخي خلف تل أبيب.
هذا الاعتراف الثلاثي جاء في لحظة استثنائية: حرب غزة تدخل شهرها الرابع والعشرين، المقاومة صامدة، الرأي العام العالمي ينقلب تدريجيًا على إسرائيل، وواشنطن تجد نفسها أمام واقع لم تستطع هندسته بالكامل. وهنا، ظهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بخطته "البديلة"، محاولة لتطويق تداعيات الاعترافات وتقديم مسار سياسي يحمي إسرائيل من العزلة ويعيد ترتيب أوراق اللعبة.
إسرائيل بين الإنكار والذعر
ردّ نتنياهو على هذه الاعترافات كان سريعًا وصارمًا: رفض قاطع لأي دولة فلسطينية غرب نهر الأردن، وتهديد مبطن باستخدام كل الوسائل لمنع تحول الاعترافات إلى واقع على الأرض. لكن خلف خطاب القوة، كانت علامات القلق بادية: إسرائيل تخشى أن تكون هذه مجرد بداية لسلسلة اعترافات أوروبية ودولية، خصوصًا مع تصاعد الأصوات داخل الاتحاد الأوروبي التي تدعو إلى موقف موحد.
الذعر الإسرائيلي لا يرتبط فقط بالرمزية، بل بالآثار العملية:
القانون الدولي: الاعترافات تعزز مكانة فلسطين في المحاكم والهيئات الدولية.
المقاطعة: فتح الباب أمام ضغوط اقتصادية وأكاديمية قد تتوسع.
الشرعية الداخلية: إضعاف سردية "العالم معنا" التي شكّلت إحدى ركائز الهوية السياسية الإسرائيلية منذ 1948.
ترامب وخطته "البديلة"
لم يكن غريبًا أن يتحرك ترامب بسرعة. الرجل يدرك أن انزلاق إسرائيل نحو عزلة دولية قد يضعف تحالفه الشخصي معها ويُربك حساباته الانتخابية. لذلك، دفع عبر مبعوثيه، وبالتنسيق مع شخصيات مثل توني بلير وجاريد كوشنر، بخطة "سلام" جديدة:
1. تجاهل غزة: اعتبار أن أي دولة فلسطينية ستنشأ أولاً في الضفة الغربية فقط.
2. شروط أمنية مشددة: سلاح واحد تحت رقابة دولية، مع ضمانات أمنية لإسرائيل.
3. إدارة مشتركة: إشراك السلطة الفلسطينية مع أطراف عربية (مصر والأردن) وأوروبية في حكومة انتقالية.
4. إعمار مشروط: ربط إعادة إعمار غزة والضفة بالمساعدات العربية والغربية.
هذه الخطة ليست أكثر من محاولة لإعادة إنتاج "أوسلو" بصياغة جديدة، لكنها تكشف عن المأزق الأمريكي: حماية إسرائيل من العزلة دون مواجهة الحقيقة الميدانية المتمثلة في غزة التي استعصت على كل محاولات الكسر.
المأزق المزدوج لإسرائيل
إسرائيل اليوم تقف بين مسارين متوازيين:
المسار الأول: الاستمرار في الحرب على غزة، محاولة فرض "الحسم" عبر القوة العسكرية، رغم فشلها المتكرر منذ عامين تقريبًا.
المسار الثاني: مواجهة الضغوط الدولية المتصاعدة، التي قد تتحول إلى موجة اعترافات أوروبية وأممية لا يمكن إيقافها.
المفارقة أن إسرائيل، وهي قوة عسكرية متفوقة، تجد نفسها عاجزة أمام واقع سياسي يتشكل خارج إرادتها. المقاومة صامدة في الميدان، والعالم يغيّر مواقفه تدريجيًا، والولايات المتحدة تحاول هندسة "حلول بديلة" لحماية حليفتها من الانهيار الاستراتيجي.
قراءة في الموقف العربي
الأنظمة العربية، كالعادة، تباينت ردودها:
دول الخليج التزمت الحذر، خشية إغضاب واشنطن.
مصر والأردن وجدتا نفسيهما معنيتين مباشرة، لأن أي خطة أمريكية ستدخلهما طرفًا في إدارة الضفة أو غزة.
الشارع العربي عبّر بوضوح عن دعم الاعترافات، واعتبرها خطوة تأخرت كثيرًا.
لكن السؤال الأهم: هل تستطيع الأنظمة العربية ترجمة هذا الزخم الشعبي والدولي إلى موقف سياسي متماسك، أم ستكتفي بدور "المتفرج" الذي يبارك ولا يشارك؟
أوروبا بين الضمير والمصالح
التحرك الأوروبي الجديد لم يأتِ من فراغ. الضغوط الشعبية، صور الأطفال تحت الأنقاض في غزة، والتحقيقات الصحفية حول جرائم الحرب، دفعت كثيرًا من الحكومات إلى إعادة النظر في حساباتها. لكن أوروبا، رغم اعترافها، ما زالت منقسمة: فرنسا وألمانيا تتريثان، إيطاليا تميل إلى واشنطن، بينما دول الشمال أكثر جرأة.
هذا الانقسام قد يبطئ الموجة، لكنه لا يوقفها. وإذا اجتمع الضمير الشعبي مع الحسابات السياسية، فإن إسرائيل ستجد نفسها عاجزة عن مواجهة المدّ الجديد.
مفترق المسارات
إسرائيل اليوم عند مفترق طرق تاريخي:
إما أن تواصل الحرب في غزة وتغرق أكثر في المستنقع.
أو أن تواجه موجة اعترافات دولية تضعها في عزلة سياسية وقانونية غير مسبوقة.
أما ترامب، فيحاول لعب دور "المُنقذ" عبر خطة بديلة، لكنها خطة تُبنى على إنكار الحقائق: إنكار غزة، إنكار المقاومة، وإنكار أن القضية الفلسطينية لم تعد ملفًا قابلًا للتأجيل.
المفارقة أن الاعترافات الثلاثية لم تكن نهاية الطريق، بل بدايته. بداية مسار قد يفتح الباب أمام تحول جذري في مكانة فلسطين دوليًا، ويدفع إسرائيل لمراجعة خياراتها، مهما حاولت التمسك بشعار "لا دولة فلسطينية غرب الأردن".
إنها لحظة فاصلة: لحظة تختبر فيها الشعوب العربية قدرتها على تحويل الاعتراف الدولي إلى قوة سياسية، وتختبر فيها إسرائيل قدرتها على مواجهة عالم لم يعد يقبل أن تبقى فلسطين خارج خريطة الدول.
ملحق بحثي – مصادر داعمة
1. لوتان السويسرية – تقرير حول تصريحات نتنياهو بالعبرية ورفضه القاطع قيام دولة فلسطينية غرب نهر الأردن.
2. لوموند الفرنسية – مقالات عن دور توني بلير وعودته بوساطة تحمل بصمة جاريد كوشنر.
3. رويترز (Reuters) – تقارير موسعة حول الاعترافات بفلسطين وانعكاساتها على الموقف الدولي.
4. BBC – تغطيات لاجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة وردود الفعل العالمية.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
25-09-2025 03:50 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |