حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
السبت ,13 سبتمبر, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 6842

د.عبدالله سرور الزعبي يكتب: قلب الغاز في مرمى النار .. زلزال قد يغير وجه التاريخ

د.عبدالله سرور الزعبي يكتب: قلب الغاز في مرمى النار .. زلزال قد يغير وجه التاريخ

د.عبدالله سرور الزعبي يكتب: قلب الغاز في مرمى النار ..  زلزال قد يغير وجه التاريخ

13-09-2025 08:29 AM

تعديل حجم الخط:

بقلم : د.عبدالله سرور الزعبي
حين يصبح قلب الغاز العالمي (دولة قطر الشقيقة)، في مرمى النار، فإن الشرارة لن تبقى محصورة في الخليج (شرارة صغيرة تكفي لإشعال حريق يغيّر وجه المنطقة لعقود). الهجوم الإسرائيلي على الدوحة لا يُنظر إليه كعملية عسكرية عابرة، بل كزلزال خارج كل الحسابات الاستراتيجية، قد يعيد تشكيل الخليج العربي، ويؤثر في أسواق الطاقة العالمية، ويضع الشرق الأوسط أمام لحظة فارقة في تاريخه الحديث.



دولة قطر ليست دولة عادية، او هامشية حتى تُستهدف بسهولة. فهي عقدة عصبية في الاستراتيجيات العالمية، تجمع بين ثروت الغاز، الذي يغذي أوروبا وآسيا، وبين حضورها الدبلوماسي الذي منحها دورًا يتجاوز حجمها الجغرافي. ان وجود قاعدة العديد الأمريكية على أراضيها جعلها حليفًا لا يمكن تجاوزه في الحسابات الغربية، فيما مكّنها الإعلام عبر شبكة الجزيرة من التأثير في الرأي العام الإقليمي والدولي. فهي داعم سياسي ومالي للفصائل الفلسطينية، ووسيط فعّال في ملفات إيران (ما يحد من قدرات إسرائيل على عزل طهران) وطالبان، وقدرتها الإعلامية، جعلها قادرة على تقويض السرديات الإسرائيلية في الخارج. هذه المعطيات تجعل الدوحة، في نظر إسرائيل، مصدر إزعاج مزدوج.


هذا الانزعاج عبر عنه إفرايم إنبار، من معهد القدس للأمن والاستراتيجيات، وهو يؤكد أن قطر تعتبر تحدٍ لإسرائيل أكثر من بعض القوى الإقليمية الكبرى لأنها تستخدم أدوات ناعمة يصعب الرد عليها بالقوة التقليدية. وبالتالي فان استهداف الدوحة، يعتبر رسالة ردع مزدوجة لإيران والدول العربية التي تحاول كسر معادلة القوة الإسرائيلية.


لكن قراءة أعمق للمشهد تكشف أن الهجوم الإسرائيلي، لا ينفصل عن تاريخ التوترات السابقة في الخليج. فقد سبق لإيران أن مارست ضغوطًا مباشرة وغير مباشرة على قطر، سواء عبر تهديدات أمنية أو عبر محاولات لتوسيع نفوذها الإقليمي. ومن هنا، فإن استهداف إسرائيل للدوحة لم يأتِ من فراغ، ولن يكون حدثًا منفصلًا، بل جزءًا من لعبة دول إقليمية، وقوى كبرى، حيث تتقاطع مصالح طهران وتل أبيب في استنزاف النفوذ العربي وتحريك موازين القوة لصالحهما. وبذلك تصبح قطر محورًا مزدوج الضغط، بين التهديد الإسرائيلي المباشر من جهة، والتمدد الإيراني غير المباشر من جهة أخرى، وهو ما يزيد من أهمية الموقف العربي الموحد لمواجهة أي محاولة لتفكيك التوازن الاستراتيجي في الخليج.


الهجوم على قطر، ينقل المنطقة من البحث عن السلام الابراهيمي، الى فرض السلام بالقوة، ويعتبر اختبارًا وجوديًا لدول مجلس التعاون الخليجي. المملكة العربية السعودية ستجد نفسها أمام معادلة معقدة، الدفاع عن دولة قطر كحليف عربي وتجنب الصدام مع إسرائيل حفاظًا على مصالحها الاستراتيجية الكبرى مع الولايات المتحدة الامريكية. الإمارات العربية ومملكة البحرين، اللتان تربطهما علاقات مع إسرائيل، ستكونان في موقف أصعب بين مقتضيات التضامن الخليجي وضغوط علاقاتهما الجديدة وداعميها. أما دولة الكويت وسلطنة عُمان، فحيادهما التقليدي قد يُنظر إليه في هذه اللحظة كعجز عن تحمل مسؤولية جماعية. لذلك، قد يتحول الهجوم الإسرائيلي إلى لحظة فارقة إما تُثبت قوة المجلس أو تكشف هشاشته. وارجو ان لا يتحقق وصف معهد كارنيغي لمجلس التعاون بأنه "بنية أمنية هشة تنهار عند أول صدمة كبرى". هجوم قطر سيكون أكبر اختبار لهذه البنية منذ تأسيسها، وقد يكشف إن كان الخليج قادرًا على حماية نفسه أم سيبقى ساحة لتصفية الحسابات.


في خضم هذه التحديات، يبرز الأردن كفاعل عربي محوري، بحكم موقعه الجغرافي والتاريخي، ولطالما تبنّى سياسة تقوم على دعم القضايا القومية مع الحفاظ على شبكة علاقات دولية متينة. الأردن، موقفه ثابت، حيث يؤمن بإن استقرار الخليج يعني استقرار الداخل، وأي خلل في توازن المنطقة سينعكس مباشرة على أمنه الوطني واقتصاده. لذا، يُتوقع أن يلعب الأردن دور الوسيط الفاعل بين الأطراف الخليجية والدول الكبرى، مستفيدًا من خبرته الطويلة في إدارة الأزمات دون الانجرار إلى المواجهات العسكرية.


هذا الدور الأردني لا يقوم فقط على الخبرة الدبلوماسية، بل على قناعة استراتيجية بأن أي تهديد لدولة قطر هو تهديداً مباشراً لأمنه الوطني، وللمنظومة العربية بأكملها. الأردن يؤمن بان الاستثمار في التضامن العربي يعزز الدور العربي على الساحة الدولية. هذه الرؤية تجعل من الأردن ركيزة للتوازن الإقليمي، وقادرًا على تحويل الأزمة إلى فرصة لتعزيز التضامن العربي وإعادة بناء منظومة أمنية مستقلة.


أما على الصعيد الدولي، فإن التداعيات ستكون بعيدة المدى. الولايات المتحدة ستجد نفسها في موقف حرج بين التزاماتها الأمنية تجاه قطر، حيث تتمركز أهم قواعدها العسكرية في المنطقة، وبين ضغوط إسرائيل التي تسعى لفرض معادلة جديدة بالقوة. أوروبا، من جهتها، ستنظر إلى الهجوم كتهديد مباشر لأمن الطاقة لها. أما إيران، فستستغل هذا الحدث، لتعزيز حضورها في الخليج، مقدمة نفسها كحامٍ للمنطقة في مواجهة إسرائيل. وهنا، يصبح الخليج ساحة صراع مفتوحة لتوازنات القوى الكبرى والقوى الاقليمية، من واشنطن إلى بكين وموسكو.


وفي السياق ذاته، يذكّرنا هنري كيسنجر بأن "الأزمة ليست فيما يفعله الآخرون بك، بل في رد فعلك على ما يفعلونه". هذه المقولة تبدو ملائمة لوصف الموقف العربي المرتقب. فإذا كان الخليج اليوم يقف على مفترق طرق، فإن القرار العربي سيكون حاسمًا في تحديد ما إذا كانت المنطقة ستنزلق إلى مزيد من النزاعات أو ستنجح في بناء مسار جديد من الأمن والاستقرار.


النظام العربي اليوم امام ثلاث سيناريوهات، الأول، أن تتجاوز الدول العربية خلافاتها وتشكل محورًا تضامنيًا يضم دول الخليج والأردن ومصر، وهو ما قد يفضي إلى ولادة نظام أمني جديد قادر على مواجهة التحديات الإسرائيلية والإيرانية معًا.

هذا السيناريو سيمنح العرب فرصة نادرة لإعادة بناء منظومة أمنية واقتصادية مستقلة. الثاني، أن تفشل هذه الدول في بناء موقف موحد، ما يفتح الباب أمام تفكك مجلس التعاون وتوسع نفوذ إيران وتركيا واسرائيل على حساب العرب. أما الثالث، فهو إعادة التموضع الدولي، حيث تعزز واشنطن وجودها العسكري، وتستغل الصين الفرصة لتوسيع نفوذها من خلال مزيداُ من عقود الغاز مع الدوحة، وتعزيز مشروعها الحزام والطريق، فيما تعمّق روسيا من تحالفاتها لتصبح لاعبًا أوثق في الخليج.


إلى جانب ذلك، يجب ألا نغفل البعد الاقتصادي. فالهجوم على قطر ان تكرر، سيخلق صدمة جديدة في الاقتصاد الدولي، وقد يرفع التضخم إلى مستويات غير مسبوقة. وبحسب تقارير "مركز الطاقة الدولي" في واشنطن، فإن أي تعطيل لصادرات الغاز القطري بنسبة 20% قد يؤدي إلى ارتفاع الأسعار في أوروبا بنسبة تفوق 60% خلال أشهر قليلة. وهذا سيحوّل الخليج من مجرد مسرح إقليمي إلى عقدة أساسية في مستقبل النظام الاقتصادي العالمي.


غير أن الأزمة ليست في التهديدات وحدها، بل في كيفية استثمارها. وكما يقول ميكافيلي "القوة وحدها لا تكفي، المهم كيف تُدار". فالهجوم على قطر، رغم خطورته، قد يفتح نافذة للعرب لإعادة بناء نظام أمني واقتصادي جديد، شرط أن يتجاوزوا خلافاتهم الداخلية ويتعاملوا مع الخليج باعتباره شريانًا استراتيجيًا لا يحتمل المغامرات ولا الانقسامات.


دولة قطر اليوم، في مرمى النار، وهذا ليس مجرد عنوان لأزمة عابرة، بل تحذير مبكر من أن الخليج على مفترق مصيري. الأردن، بمواقفه العروبية (قيادة وشعباً وجيشاً) وتوازنه السياسي، قادر على أن يكون ضابط إيقاع لهذه اللحظة، وإذا ما تحرك العرب بشكل جماعي واستثمروا الأزمة لصياغة مشروعهم الاستراتيجي.



أما إذا استسلمت العواصم العربية للتباينات والمصالح الضيقة، فإن الخليج سيبقى مجرد ساحة مفتوحة لصراعات الآخرين، فيما يتحول الغاز، وثروته الكبرى، إلى لعنة استراتيجية تهدد بقاءه واستقراره.


الدوحة ليست مجرد عاصمة خليجية، إنها عقدة استراتيجية في معادلة الشرق الأوسط. وأي مواجهة عسكرية ضدها ستشعل المنطقة بتداعيات تتجاوز حدود الخليج، لتطال خرائط النفوذ والتحالفات الدولية. فالشقيقة قطر اليوم ليست مجرد دولة، بل رمز لصراع الإرادات في الشرق الأوسط، وإذا استهدفت مرة اخرى، فقد يهتزّ الخليج كله، ومعه الأردن والعالم العربي، وكما قال بريجنسكي "الأمم الصغيرة تصبح خطيرة حين تتحول إلى رموز، وحين تهاجمها القوى الكبرى فإنها تهدد بخلخلة النظام العالمي بأكمله"


والسؤال اليوم، إذا تحولت قطر إلى ساحة للمواجهة، فهل سيكون رد العرب صناعة قوة جديدة، أم مجرد بيانات استنكار في زمن فائض القوة؟ وهل الباب فتح لإعادة تعريف الهوية العربية والخليجية؟ ويضع الجميع أمام سؤال الوجود، وهل نحن أمة قادرة على حماية نفسها، أم مجرد فسيفساء تتنازعها القوى الكبرى؟
القرار العربي اليوم، وهي المرحلة التي يعاد تشكيل العالم فيها، هو من سيحدد ما إذا كانت المنطقة ستتحول إلى ساحة نزاعات متصاعدة أو إلى مسار جديد من الأمن والتوازن الاستراتيجي. السعودية والامارات العربية مع الأردن في قلب المبادرة، وهم قادرين على حماية دولة قطر وتعزيز الأمن القومي العربي الشامل.


الخليج العربي اليوم على مفترق طرق. التحرك العربي الموحد يمكن أن يحول التهديد إلى فرصة لبناء منظومة عربية مستقلة، ولاستثمار القوة السياسية والدبلوماسية العربية لتوجيه مسار الأحداث قبل أن يُفرض من الخارج، وتأكيد وحدة الموقف العربي، لإضعاف أي نفوذ خارجي قد يستغل الانقسامات، ولمواجهة أي تهديد خارجي، ولإظهار القوة العربية الجامعة أمام القوى الكبرى.











طباعة
  • المشاهدات: 6842
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
13-09-2025 08:29 AM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
ما مدى رضاكم عن أداء وزارة الاتصال الحكومي بقيادة الوزير محمد المومني؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم