حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الأربعاء ,15 أكتوبر, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 3089

د.م. أمجد عودة الشباطات يكتب: السفلة المصلحون… مفسدو الإصلاح في زمن التواصل الاجتماعي.

د.م. أمجد عودة الشباطات يكتب: السفلة المصلحون… مفسدو الإصلاح في زمن التواصل الاجتماعي.

د.م. أمجد عودة الشباطات يكتب: السفلة المصلحون… مفسدو الإصلاح في زمن التواصل الاجتماعي.

19-08-2025 08:23 AM

تعديل حجم الخط:

بقلم : د.م. أمجد عودة الشباطات
في زمن تتسارع فيه التحولات التقنية والاجتماعية، ظهر إلى السطح وجوه جديدة في المجال العام. لم يأتوا من رحم النخب السياسية أو حتى المعارضة التقليدية، بل تسللوا من الهوامش المعتمة للمجتمع: مدمنون، مبتزون، وجهلة، أصبحوا فجأة يرفعون رايات الإصلاح ويتحدثون عن الفساد والعدالة والمظلومية. ظاهرة تبدو للوهلة الأولى تعبيرًا عن وعي جديد، لكنها في العمق ــ ومن تجربتي في متابعة هذه الساحة ــ ليست سوى شكل من أشكال إفساد الإصلاح ذاته.

أنا أسمي هذه الفئة “السفلة المصلحون”؛ مصطلح يُلخص تناقضًا صارخًا: أشخاص في قاع السلم الاجتماعي والأخلاقي، يقدمون أنفسهم كمنقذين ومصلحين. وجودهم ليس صدفة، بل هو نتاج فراغ سياسي، وتراجع الثقة بالمؤسسات، وغياب أولويات واضحة في إدارة الدولة، مما أفسح المجال لصوت الضجيج كي يعلو على صوت العقل.

خطورة هؤلاء لمستها في أكثر من موقف، وهي تتجلى في مستويات عدة مترابطة. فهم يشوهون الخطاب الإصلاحي ويحرفونه من حوار عقلاني إلى صخب غوغائي ينفّر العقول الواعية، ويعيدون إنتاج الفساد لكن بصيغة جديدة تخدم مصالحهم الضيقة، ويخربون الوعي الجمعي بخلط الحقائق بالشائعات واختزال القضايا المعقدة في شعارات مدمرة، ويعطلون الكفاءات الحقيقية بإشغال الساحة بصراعات شخصية وجدالات فارغة، ويمعنون في إضعاف الثقة بالمؤسسات حتى يترسخ في وجدان الناس أن الإصلاح مجرد خدعة، وأن كل من يتحدث باسمه هو إما جاهل أو فاسد.

أما جمهور “السفلة المصلحين”، فقد لاحظت أنه متنوع جدًا. بعضهم يتابعهم من باب التسلية والضحك، وكأنهم يشاهدون عرضًا ساخرًا. وبعضهم يتلقفهم كمصدر للمعلومة السريعة، حتى لو كانت إشاعة. وهناك من يرى فيهم متنفسًا لغضبه، خاصة حين يجرؤ هؤلاء على قول ما لا يجرؤ غيرهم على قوله، مستغلين تفاهتهم كسلاح، إذ يُترك لهم الحبل على الغارب لأنهم بلا وزن حقيقي في الأصل، فيتمادون أكثر فأكثر. وهناك أيضًا من يستخدمهم كأداة للتوجيه أو التحريض، سواء من أصحاب مصالح أو جهات مستترة، يجدون في هؤلاء واجهة سهلة لإطلاق رسائلهم دون أن يتحملوا الكلفة. وأخيرًا هناك المحبَطون السلبيون، ممن فقدوا الثقة بالمؤسسات، فصاروا يتمسكون بأي صوت صاخب حتى لو كان تافهًا.

من وجهة نظري، إن مواجهة هذه الظاهرة لا تكون بإقصاء الأصوات أو التضييق عليها، بل بإعادة الاعتبار لقيمة الإصلاح الحقيقي: إصلاح يقوم على المعرفة والكفاءة والمسؤولية، ويكشف الفارق بين من يسعى بصدق إلى البناء، ومن يتخفّى وراء الشعارات لتدمير الثقة. وهنا يبرز دور الدولة في تفعيل القانون بحزم وعدالة على الجميع دون استثناء، بما يردع من يحاول العبث بالمجتمع أو استغلال معاناته تحت ستار الإصلاح، لأن الإصلاح الحقيقي لا يمكن أن ينمو في بيئة سائبة يختلط فيها المصلح بالمفسد.

وما يزيد من تفاقم هذه الظاهرة ـ في رأيي ـ هو غياب التمثيل الحقيقي للمجتمع، واستمرار الظلم والفساد، وإغلاق الأبواب أمام الأصوات الوطنية المخلصة وصاحبة المعرفة الحقيقية. حين تُغلق المسارات أمام الكفاءات، لا يبقى في الساحة سوى الضجيج والادعاء.

وبهذا، فإن ما أسميه “السفلة المصلحون” يمكن أن يشكّل ظاهرة جديرة باهتمام علماء الاجتماع السياسي، لدراستها بعمق وفهم جذورها وآثارها على استقرار المجتمع وفرص الإصلاح الحقيقي، في زمن أصبحت فيه وسائل التواصل لاعبًا رئيسيًا في تشكيل الرأي العام وصناعة الوعي الجماعي.











طباعة
  • المشاهدات: 3089
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
19-08-2025 08:23 AM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
برأيك.. هل تنجح "إسرائيل" بنزع سلاح حماس كما توعد نتنياهو رغم اتفاق وقف الحرب بغزة؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم