18-08-2025 08:19 AM
بقلم : د. خالد السليمي
التحديات السياسية والإقليمية
يقف الأردن اليوم أمام مرحلة استثنائية، إذ تتزاحم الأزمات من كل اتجاه، إقليمياً، فقد خلّفت حرب غزة منذ أكتوبر 2023 واقعاً سياسياً وإنسانياً مُروعاً، وأعادت القضية الفلسطينية إلى واجهة الأحداث الدولية وسط عجز عالمي واضح عن فرض حل عادل ودائم، داخلياً، يُواجه الأردن ضغطاً متزايداً لتحقيق إصلاحات سياسية شاملة، خصوصاً بعد سلسلة تعديلات دستورية وتشريعية جاءت في إطار عملية التحديث السياسي، وعلى حدود الأردن الشمالية، يستمر القلق من الملف السوري منذ 2011 وما يرتبط به من تهديدات أمنية، إضافة إلى محاولات تهريب المخدرات والسلاح، أما شرقاً، فلا تزال الأوضاع في العراق غير مستقرة رغم محاولات التهدئة، كل هذه التحديات وضعت الأردن أمام واقع صعب يتطلب قيادة تنفيذية تمتلك الحنكة والخبرة، وهو ما يفسّر الثقة الملكية العميقة باختيار دولة جعفر حسان لرئاسة الحكومة، في لحظة مفصلية تُشبه "امتحان البقاء" وسط عاصفة إقليمية متصاعدة.
التحديات الاقتصادية والاجتماعية
يعيش الأردن أزمة اقتصاديةً مُعقّدة تراكمت عبر سنوات، فالدين العام بلغ 114% من الناتج المحلي مع نهاية 2024، وفق وزارة المالية، مما يضع قيوداً كبيرة على السياسات الاقتصادية، أما البطالة فقد سجلت 21%، وهي الأعلى منذ عقدين، في حين يُعاني الشباب الجامعي من نسب بطالة تتجاوز 40%، ورغم تحقيق معدلات نمو متواضعة بحدود 2.2% في 2024، إلا أن هذا النمو لم ينعكس إيجابياً على حياة المواطنين، اجتماعياً، تتسع الفجوة بين الطبقات، إذ تتحمل الفئات الوسطى والفقيرة عبء الغلاء وارتفاع أسعار الغذاء والطاقة، كما يستضيف الأردن منذ 2011 أكثر من 1.3 مليون لاجئ سوري، ما أرهق البنية التحتية، وضاعف الضغوط على الصحة والتعليم والمياه، هذه التحديات تُظهر أن حكومة دولة جعفر حسان مُطالبة بسياسات واقعية وشجاعة، لا مجرد خطط نظرية، كي تُحدث فرقاً ملموساً في حياة الناس، وتُعيد ثقة المواطن بالدولة كمظلة حماية وعدالة.
الرؤية الملكية العميقة
لقد حدّد جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين ومنذ اليوم الأول لتكليف الحكومة الإطار العام للمرحلة المقبلة، قائلاً: "كرامة الأردني فوق كل اعتبار، وواجب الدولة أن تترجم رؤى التحديث إلى إنجازات ملموسة"، خطاب جلالته أمام مجلس الأمة في أكتوبر 2024 كان بمثابة وثيقة سياسية شاملة، حيث شدد على أن الإصلاح ليس شعاراً سياسياً، بل ممارسة يومية تُبنى على الشفافية والمساءلة، الرؤية الملكية تقوم على مبدأ أن الأردن، رغم محدودية إمكاناته، قادر على تحويل التحديات إلى فرص، شرط وجود قيادة تنفيذية كفؤة، وهنا تتجلى أهمية دولة جعفر حسان، الذي يمتلك خبرة واسعة في الملفات الاقتصادية والدبلوماسية، فالتكليف الملكي إذن ليس مجرد اختيار سياسي، بل هو رهان استراتيجي على رجل قادر على مأسسة الرؤية الملكية، وتحويلها إلى سياسات قادرة على استعادة ثقة المواطن وإعادة الأردن إلى مسار الإصلاح العميق والشامل.
الإصلاح السياسي وتعزيز المشاركة الشعبية
يُشكل الإصلاح السياسي حجر الأساس لعبور المرحلة، الأردن قطع خطوات مهمة بإقرار تعديلات دستورية وهيكلة قانوني الأحزاب والانتخاب في 2022 مما أتاح المجال لتوسيع المشاركة الشبابية والنسائية، لكن المطلوب اليوم هو تفعيل هذه القوانين عملياً، عبر تمكين البرلمان من ممارسة دوره الرقابي، وإيجاد بيئة حزبية ناضجة تُفرز حكومات برلمانية مستقبلية، فحكومة جعفر حسان مُطالبة بإشراك القوى الوطنية والمجتمع المدني في صناعة القرار، لتوسيع قاعدة الشرعية السياسية وتعزيز الثقة بين المواطن والدولة، إن المشاركة الشعبية ليست خياراً بل شرطاً لاستقرار النظام السياسي واستدامته، فالتجربة التاريخية الأردنية تُثبت أن الشعب عندما يُشرك في القرار يُصبح أكثر استعداداً لتحمل التضحيات والصعاب، من هنا، فإن تفعيل الحوار الوطني، وإزالة الحواجز بين الحكومة والمجتمع، يُمثلان الخطوة الأولى في بناء مرحلة سياسية أكثر نضجاً وصلابة.
تمكين الاقتصاد الوطني وجذب الاستثمارات
يحتاج اقتصاد الأردن إلى إعادة هيكلة شاملة تركز على القطاعات الإنتاجية، لا الاكتفاء بالخدمات، فالسياحة، رغم أنها ساهمت بأكثر من 3.5 مليار دولار عام 2023 إلا أنها لا تزال رهينة للتقلبات الإقليمية، فالحل يكمن في تمكين القطاعات الصناعية والزراعية والتكنولوجية بما يخلق فرص عمل دائمة ويعزز الاكتفاء الذاتي، حكومة دولة جعفر حسان تمتلك فرصة لإطلاق شراكات استراتيجية مع القطاع الخاص، وتشجيع الاستثمار الأجنبي المباشر عبر إصلاح بيئة الأعمال وتبسيط الإجراءات البيروقراطية، كذلك، فإن تعزيز العلاقات الاقتصادية مع دول الخليج والاتحاد الأوروبي يمكن أن يفتح أسواقاً جديدة للصادرات الأردنية، فالتحدي الأكبر هنا يكمُن في تحقيق التوازن بين السياسات التقشفية المفروضة بفعل الديون، وبين حاجات المواطن الأساسية، وهو ما يتطلب إدارة ذكية للمصادر المالية المتاحة، بعيداً عن الهدر والفساد.
معالجة البطالة وخلق فرص للشباب
البطالة هي "الجرح المفتوح" في الجسد الأردني، تشير أرقام دائرة الإحصاءات العامة إلى أن نسبة البطالة بين الشباب بلغت 42% في 2024، وهي نسبة تُهدد الاستقرار الاجتماعي، والحل لا يكمُن هنا في التوظيف الحكومي الذي لم يعُد قادراً على استيعاب مزيد من الموظفين، بل في تحفيز القطاع الخاص وريادة الأعمال، فالمطلوب برنامج وطني للتشغيل يستهدف الخريجين الجامعيين عبر التدريب العملي في الشركات والمصانع، وتقديم حوافز ضريبية للمؤسسات التي تستوعب الشباب، كذلك، فإن الاستثمار في الاقتصاد الرقمي والتحول التكنولوجي يمكن أن يفتح آلاف الوظائف الجديدة، وإذا نجحت الحكومة في تحويل الشباب من عبء اقتصادي إلى طاقة إنتاجية، فإنها بذلك تضع حجر الأساس لمستقبل مُستدام وقوي، يُخفف من الاحتقان الاجتماعي ويعزز ثقة الجيل الجديد بالدولة.
العدالة الاجتماعية وتقليص فجوة الدخل
إن التحدي الاجتماعي لا يقل خطورة عن التحدي الاقتصادي، فارتفاع الأسعار وزيادة الضرائب المباشرة وغير المباشرة خلقت فجوة متسعة بين الطبقات، وأضعفت من صمود الطبقة الوسطى، التي تُعدّ "الدرع الواقي" لأي دولة، المطلوب هو إعادة النظر في سياسات الدعم، بحيث تصل مباشرة إلى الفئات الأكثر حاجة، بدلاً من أن تُهدر على حساب المقتدرين، كما أن تحسين الخدمات الصحية والتعليمية يُشكلان شرطاً أساسياً لتحقيق العدالة الاجتماعية، إن دولة جعفر حسان أمام مهمة صعبة لكنها ممكنة: بناء شبكة حماية اجتماعية شاملة، تستند إلى الشفافية وتضمن وصول الموارد إلى مستحقيها، التجارب السابقة تُظهر أن الأردني يقبل بشد الحزام إذا شعر بعدالة السياسات وشفافيتها، لكن أي سياسات غير متوازنة ستؤدي إلى فقدان الثقة، وهو ما لا يحتمله الأردن في هذه المرحلة.
التنمية المستدامة وحماية البيئة
الأردن من أكثر دول العالم فقراً بالمياه، إذ لا يتجاوز نصيب الفرد السنوي 90 متراً مكعباً، وهو أقل بكثير من خط الفقر المائي العالمي، هذه الحقيقة تجعل التنمية المستدامة ضرورة وجودية، على الحكومة أن تضع استراتيجيات شاملة لإدارة المياه، وتطوير الطاقة المتجددة، التي أصبحت تشكل أكثر من 20% من مزيج الطاقة في 2024، كذلك، فإن التوسع في المشاريع الخضراء سيخلق فرص عمل جديدة ويحافظ على البيئة، التنمية المستدامة ليست شعاراً بيئياً، بل هي خيار استراتيجي يضمن استقرار الأجيال القادمة، إن حكومة دولة جعفر حسان تستطيع إذا ما تبنت هذه الرؤية أن تجعل الأردن نموذجاً إقليمياً في مواجهة تحديات المناخ والموارد الطبيعية، وهذا بدوره سيُعزز مكانة الأردن الدولية، ويمنحه فرصاً أكبر في الحصول على الدعم والتمويل من المؤسسات العالمية.
الدبلوماسية الأردنية ودور الأردن الإقليمي
يمتلك الأردن تاريخاً طويلاً من الدبلوماسية النشطة، جعلته "صوت العقل" في منطقة تعصف بها الصراعات، فدور جلالة الملك عبدالله الثاني في الدفاع عن القدس والقضية الفلسطينية خلال العقود الماضية وضع الأردن في قلب أي حل عادل وشامل، واليوم ومع تصاعد التهديدات الإسرائيلية وتداعيات حرب غزة، فإن الدبلوماسية الأردنية مُطالبة بمضاعفة الجهود لحماية الأمن الوطني الأردني ومصالحه العليا، كذلك، فإن الانفتاح على العراق والخليج، وتعزيز العلاقات مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، يُشكل ركيزة أساسية لتقوية الموقف الأردني إقليمياً ودولياً، إن نجاح دولة جعفر حسان يعتمد بدرجة كبيرة على قدرة حكومته على التنسيق مع القصر الملكي ووزارة الخارجية، لضمان بقاء الأردن لاعباً محورياً، لا مجرد متأثر بالأحداث.
الخاتمة: الثقة الملكية والرهان الشعبي
يقف الأردن على أعتاب مرحلة تُشبه "معركة الصمود الوطني" في وجه رياح إقليمية عاتية وضغوط داخلية خانقة، غير أن ما يميز الأردن عبر تاريخه هو قيادته الهاشمية الحكيمة التي لطالما كانت صمام الأمان، وشعبه الذي اعتاد الوقوف في الصفوف الأمامية عند الشدائد، إن ثقة جلالة الملك عبدالله الثاني بدولة جعفر حسان ليست مجرد تفويض سياسي، بل هي رسالة واضحة بأن الدولة الأردنية قادرة على العبور مهما اشتدت العواصف، وعلى الشعب الأردني الأبي أن يكون سنداً للحكومة، كما كان دوماً سنداً للعرش، من معركة الكرامة عام 1968 وحتى صمود غزة اليوم، المطلوب من دولة جعفر حسان أن يترجم هذه الثقة إلى خطوات جريئة وملموسة، تُعيد الأمل للمواطن، وتُثبت للعالم أن الأردن وبرغم كل القيود، قادر على تحويل المحن إلى فرص، فالمستقبل لا يُبنى بالتمني، بل بالعزم والعمل والتكاتف بين القيادة والشعب والحكومة، عندها فقط سيكتب التاريخ أن الأردن مرّ من "قلب العاصفة" أشد قوة وأصلب عوداً.
التوصيات الاستراتيجية لمواجهة المرحلة القادمة:
1. تعزيز الشفافية والمساءلة عبر آليات رقابة مستقلة على الأداء الحكومي.
2. إطلاق برنامج وطني للتشغيل يستهدف الشباب والنساء في القطاعات المنتجة.
3. توسيع قاعدة الاستثمار من خلال حوافز ضريبية وتشجيع الشراكات مع القطاع الخاص.
4. دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة وتخفيف الأعباء الضريبية عليها لأنها عصب الشعب الأردني وقوت يومه.
5. إعادة هيكلة الدعم لتوجيهه للفئات الأكثر حاجة.
6. تعزيز الحماية الاجتماعية عبر تطوير التعليم والصحة وضمان وصولهما للجميع.
7. مُكافحة الفساد الإداري والمالي بصرامة ودون استثناءات.
8. تمكين الإعلام الوطني ليكون شريكاً في الإصلاح.
9. تطوير ودعم سياسات الطاقة المتجددة لتقليل فاتورة الطاقة الوطنية.
10. ترسيخ ثقة المواطن بالدولة عبر إشراكه في القرارات الكبرى.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
18-08-2025 08:19 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |