حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الثلاثاء ,12 أغسطس, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 4955

د.منذر الحوارات يكتب: تعديل حكومي في سياق عملية تكيف معقدة

د.منذر الحوارات يكتب: تعديل حكومي في سياق عملية تكيف معقدة

د.منذر الحوارات يكتب: تعديل حكومي في سياق عملية تكيف معقدة

12-08-2025 08:57 AM

تعديل حجم الخط:

بقلم : د. منذر الحوارات
في بيئة إقليمية لا تساعد على الاستقرار، وتغذي القلق الأردني الداخلي وتحفز الدفاع عن النفس، في إقليم اصبح فيه بقاء الدول واستمرارها هدفاً استراتيجياً، هذا الواقع يمنح القرارات مهما كانت صغيرة بعداً مصيرياً، وفي الحالة الأردنية لا تبدو اللحظة الإقليمية مواتية، وتحمل في طياتها مخاطر متزايدة، إذ ما تزال الحرائق في المنطقة مشتعلة، تتسع أو تنحسر تبعاً للمزاج والمصالح الإقليمية والدولية، وبسبب القرب الجغرافي والتداخل الجيوسياسي، يظل الأردن عرضة لموجات متلاحقة من التحديات، إن لم نقل المخاطر.


في أغلب الأحيان واجه الأردن التهديدات الوجودية، بعملية تكيف إستراتيجية معقدة، تعمل كإسفنجة أو كعازل يمنع امتداد الحرائق الخارجية إلى الداخل الأردني، وهذه العملية تحتاج إلى برغماتية وديناميكية سياسية، تستثمر حتى أصغر الأوراق وأقلها قيمة، وتضعها على طاولة التفاوض، مع ضرورة توفير استقرار داخلي وشعور عام بالرضا، واستناداً إلى ذلك تراوحت إدارة الداخل، بين خيارين، الأول، الانفتاح على المكونات المجتمعية المختلفة ودمجها ضمن السياق السياسي العام كشريك مضبوط في صناعة القرار، والثاني، تقليص هذا الانفتاح وتأجيله لصالح مقاربة ترى أن الأمن هو المحرك الأساسي للاستقرار.

من الواضح أن التعديل الأخير على حكومة الدكتور جعفر حسان أخذ بهذه المحددات بعمق، إذ قام بعملية تكيف داخلية أبقت على المكونين الرئيسيين، الأمن والسياسة الخارجية دون أي تعديل، فالسياسة الخارجية وفق الرؤية الرسمية، تنجح في إدارة التفاعلات الإقليمية بما يقلل من انعكاساتها السلبية على الداخل الأردني، لذا يُراد الاحتفاظ بإدارة هذه الملف ضمن دائرة ضيقة من المحترفين، وينطبق الأمر ذاته على الملف الأمني، باعتباره امتداداً طبيعياً للأمن الإقليمي، يُدار ضمن مؤسسات محترفة ذات تحالفات دولية وإقليمية راسخة، مكنتها دوما من التنبؤ بالخطر والتعامل معه استباقياً، واستمرار وزير الداخلية مؤشر على الرضى عن هذا الأداء.
هذا الثبات في الملفات الأمنية والخارجية يشير إلى أن القناعة تكونت لدى رئيس الوزراء بأن ضمان الاستقرار يمر عبر تحسين المؤشرات الاقتصادية وخلق شعور عام بالتحسن، وهذا يعكس إدراكاً ببطء تنفيذ برامج التحديث الاقتصادي، وأن الحاجة مُلحة لتحريك الملفات المتعثرة بالذات الاستثمار والخدمات، ما يؤكد القلق من وطأة ارتفاع الدين العام، وتراجع مستويات الدخل وارتفاع نسب البطالة، لذلك وجدنا الرئيس تجاوز في تعديله العرف غير الملزم بمشاورة مجلس النواب برئيسه وأعضائه، وكذلك المجتمع المدني بكل شخصياته السياسية والتاريخية الوازنة، وذلك على اعتبار أن هذا التعديل جزء من «عملية شدشدة» لبراغي الحكومة، لضمان معالجة ضعف التنسيق الداخلي، وتجاوز الجمود الذي أصاب بعض الملفات، وهذا السلوك ينسجم في سياقه العام مع النمط الأردني التقليدي ولكن في جانبه المتعلق بمركزة القرار لضبط الاستقرار.
لكن الرهان على أن الاستقرار الكلي سيتحقق بمجرد تحسن المؤشرات الاقتصادية، يصطدم بمعطيات التاريخ التي تؤكد أن الاقتصاد لا يزدهر في بيئة سياسية وإدارية راكدة، فجهاز الدولة البيروقراطي الضخم وغير الفعال قد يتحول إلى عائق أمام أي إصلاح اقتصادي معزول، لذلك فإن نجاح الحلول الاقتصادية مرهون بتجاوب وفعالية إيجابية من هذا الجهاز الكبير، بالتالي فإن أي حكومة مهما كانت كفؤة لا تستطيع التصدي لهذا الواقع، بدون تسلحها بأثقال سياسية واجتماعية وازنة تستطيع مواجهة تلك الحالة بجسارة، تكتسبها من ثقلها السياسي وشرعيتها الاجتماعية، من هنا فإن تجاوز البعد السياسي أو تأجيله، أو الاكتفاء بما تم تنفيذه، قد يضعف فرص الإصلاح، لأن الاقتصاد دون إصلاح سياسي وإداري سيصطدم بسد منيع من المصالح المترسخة.
بالتالي فإن التعديل الوزاري في حكومة الدكتور جعفر حسان، يأتي في سياق عملية تكيف أردنية معقدة، تمزج بين إدارة المخاطر الإقليمية والدولية، وضبط الداخل وهذه المرة عبر مقاربة ذات طابع اقتصادي، مع الاحتفاظ بملفات السياسة الخارجية والأمن في دائرة ضيقة ومحترفة، لكن التجارب تثبت أن الإصلاح الاقتصادي لن يحقق النجاح وحده دون ترافقه بالإصلاح السياسي والإداري، بالتالي وفي ظل المعطيات الراهنة، فإن نجاح هذا التعديل يتوقف على قدرة الحكومة على العمل بمنظور شامل، يدمج كل عناصر الإصلاح في مسار واحد، دون القفز فوق أي منها.
فالتكيف والتأقلم مع الأخطار الإقليمية والدولية، لا يجب أن يتحول إلى أداة للجمود، وهو وحده لا يكفي أن يكون سبباً للبقاء والاستقرار فقط، بل يجب أن يتحول إلى قوة دافعة لتعزيز الإصلاحات











طباعة
  • المشاهدات: 4955
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
12-08-2025 08:57 AM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
ما مدى رضاكم عن أداء وزارة الأشغال العامة والإسكان بقيادة ماهر أبو السمن؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم