09-08-2025 08:14 AM
بقلم : زياد فرحان المجالي
لم تكن زيارة جلالة الملك عبد الله الثاني إلى القاهرة للمشاركة في مؤتمر "القدس… صمود وتنمية" مجرد محطة بروتوكولية في أجندة عربية مزدحمة. بل كانت خطوة محسوبة، أراد من خلالها جلالة الملك أن يضع ثقله في اللحظة المناسبة… وبالملف الذي لم يغادر يوماً طاولة اشتباكه السياسي: القدس.
لم يتغير موقف الأردن. لكن ما تغيّر هو طريقة التعبير عنه.
لأول مرة، يُضاف مصطلح "التنمية" إلى مؤتمر عربي يتحدث عن القدس. خطوة تبدو للوهلة الأولى لفظية، لكنها في جوهرها تحول استراتيجي في مقاربة الصراع حول المدينة. فالقدس لم تعد فقط ميدان صمود، بل حقل استثمار سياسي واقتصادي في آن.
في عمّان، يدرك الديوان أن الصمود وحده، مهما علا شأنه، لا يُبقي الناس في بيوتهم إن لم يجدوا عملًا، ولا يحمي التكايا إن لم تُموّل، ولا يكفي لصيانة العقارات إن لم تُرمّم. وهنا، تأتي الإضافة الأردنية: دعم وقفي، بتوقيع جلالة الملك نفسه، لتعليم أبناء القدس وتحفيظهم القرآن، ضمن وقفية إسلامية تُكرّس الوجود لا بالشعارات… بل بالمؤسسات.
أما في الخلفية، فـالدوحة تهمس، كالعادة، من خارج المشهد. تحرّك الوفود، تموّل الوقفيات، وتدفع باتجاه ربط مفهوم "الصمود" بمنطق السوق، حيث لا بقاء بدون بنية اقتصادية حقيقية.
جلالة الملك لم يأتِ إلى القاهرة ليلقي خطابًا، بل ليقول للعرب:
إذا أردتم الدفاع عن القدس، فلتبقوا فيها… بالأوقاف، بالمشاريع، بالتعليم، وبالوجود اليومي الذي لا يُشترى ولا يُستبدل.
وفي هذا السياق، تتابع وزارة الأوقاف الأردنية ملفات القدس بشكل حثيث، وضمن مسؤولياتها تجاه المقدسات الإسلامية والمسيحية، بإشراف مباشر من معالي وزير الأوقاف الدكتور محمد الخلايلة، في إطار مؤسسي واضح، يعكس التزام الدولة الأردنية، لا بمواقف آنية، بل بسياسة راسخة تحترم الوصاية، وتُفعل أدواتها على الأرض.
وهذا التماسك بين رأس الدولة ومؤسساتها الدينية لا تكتبه أقلام المجاملة، بل يُترجم في السلوك، في المبادرات، وفي الحضور العربي الرسمي. فالأردني الحقيقي لا يحتاج إلى من يعلّمه كيف يكون مخلصًا للقدس… ولا كيف يحمي إرث الوصاية.
ورغم أن الضغوط الإسرائيلية لم تتوقف يومًا عن محاولات كسر الوصاية الهاشمية، إلا أن الأردن حصل على ضمانة صريحة من إدارة الرئيس دونالد ترامب بأن الوضع القائم في المدينة سيُحترم، وأن أي عبث به لن يُمرر.
لقد فهم جلالة الملك مبكرًا أن معركة القدس اليوم لم تعد سياسية فقط، بل اقتصادية أيضًا. وأن من يُمسك بصناديق الوقف، ويقود التنمية، ويؤسّس للوجود القانوني والمؤسسي، هو من سيبقى طرفًا فاعلًا، مهما تبدّلت الخرائط.
وفي زمن تُهمّش فيه الملفات المركزية، وتُستبدل فيه القضايا بالبيانات، تأتي هذه الخطوة الأردنية – الفلسطينية – القطرية كنوع من الهجوم العكسي على مشاريع التهويد، بوسائل ناعمة وذكية، تعتمد على الاستثمار لا المجابهة فقط.
وإذا كان الصمود هو عنوان الكرامة، فإن التنمية باتت اليوم أداته.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
09-08-2025 08:14 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |