05-08-2025 08:51 AM
بقلم : د. خالد السليمي
العالم على الطاولة... وغزة تحت الأنقاض
في 28 تموز 2025، اجتمع المجتمع الدولي في نيويورك لبحث ما تبقّى من فكرة "حل الدولتين"، بينما لا تزال غزة تَئِنُ تحت ركام أكثر من 668 يوم من العدوان الإسرائيلي، الأرقام تصرخ: أكثر من 60 ألف شهيد، و 50 ألف مُصاب، بحسب وزارة الصحة الفلسطينية، ومع ذلك، لا يزال الخطاب الدبلوماسي يراوح بين "إدانة القصف" و"الدعوة إلى التهدئة"، المؤتمر الذي رُوّج له كخطوة فارقة جاء متأخراً جداً، في وقتٍ بات فيه كثيرون يتساءلون: هل ما زالت هناك أرض تُبنى عليها دولة فلسطينية؟ أم أن غزة والضفة تم تذويبُهما سياسياً وجغرافياً في مشروعٍ إسرائيلي توسّعي جديد؟
من مدريد إلى أوسلو... هل نُعيد إنتاج السراب؟
تاريخياً، وُلد مفهوم "حل الدولتين" في مدريد (1991) وأُعيد تجميله في أوسلو (1993)، لكنّه ظل حبيس التصريحات وموائد التفاوض دون أن يرى النور، أعاد مؤتمر نيويورك 2025 فتح هذا الجرح القديم، ولكن بظروف أكثر سوداوية: تفكك داخلي فلسطيني، انسداد سياسي إسرائيلي، وشعوب عربية يائسة من المسار التفاوضي، كما صرح الدكتور مصطفى البرغوثي، أمين عام المبادرة الوطنية الفلسطينية: "حل الدولتين اليوم أشبه ببيت محترق لم يتبقَّ منه سوى رماد الكلمات"، من هنا، يتصاعد الشك بأن المؤتمر قد لا يكون إلا محاولة لشراء الوقت، لا صناعة المستقبل.
الجغرافيا تغيّرت... فهل يُجدي الخطاب القديم؟
منذ بداية عدوان 2023، اعتمدت إسرائيل سياسة "التهجير الناعم" في غزة، وفقاً لتقرير منظمة العفو الدولية (مارس 2025)، وغيّرت خارطة القطاع ديموغرافياً وجغرافياً، وفي الضفة، زادت وتيرة الاستيطان بنسبة 38% مقارنةً بعام 2022 وفق مركز بتسيلم الإسرائيلي، فهل يُعقل أن نستمر بترديد ذات خطاب الدولة الفلسطينية على حدود 1967، بينما يجري تفكيك هذه الحدود يوماً بعد يوم؟ وهل سيتعامل مؤتمر نيويورك مع الواقع الجديد أم يتجاهله؟ هنا يتطلب الموقف جرأة سياسية، لأن تجاهل الحقائق الميدانية لا يُنتج سوى المزيد من الخرائط الخيالية.
التصريحات الدولية... نوايا حسنة أم ازدواجية؟
خلال المؤتمر، تحدث الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، قائلاً: "لا سلام دون دولة فلسطينية قابلة للحياة"، كما دعت وزيرة الخارجية الفرنسية كاثرين كولونا إلى وقف فوري لإطلاق النار وعودة المفاوضات، ورغم هذه التصريحات، فإن دعم بعض الدول لإسرائيل بالسلاح والاستخبارات يثير تساؤلات أخلاقية كبرى، فكيف يمكن أن تدعو دولة ما لحل الدولتين بينما تموّل طرفاً ينسف كل أسس هذا الحل؟ هذا التناقض يضعف مصداقية المؤتمر، ويؤكد أن القضية الفلسطينية ما زالت ضحية الازدواجية الغربية.
الموقف العربي... بين الرفض الناعم والتطبيع الصامت
أغلب الدول العربية أرسلت وفوداً منخفضة التمثيل إلى نيويورك، ما اعتُبر مؤشراً على فقدان الثقة في المسارات الدولية، التصريحات اتسمت بالحذر، عدا الأردن وقطر والجزائر التي طالبت علناً بإطار زمني ملزم لإقامة الدولة الفلسطينية، في المقابل، اختارت بعض الدول الخليجية التحدث عن "حلول إقليمية" دون تسمية إسرائيل كطرف معتدٍ، يقول المحلل السعودي الدكتور عبد الله الشمري: "البيانات لم تكن بمستوى دماء الأطفال في غزة"، السؤال المطروح: هل سيتحول مؤتمر نيويورك إلى منصة تقاسم المصالح أم لحظة حقيقية لمواجهة الانحراف التاريخي؟
واشنطن... مفارقة الخطاب والسياسة
رغم أن وزير الخارجية الأمريكي الحالي، روبرت ديفيس، ألقى كلمة افتتاحية تحدث فيها عن التزام بلاده بـ "حل الدولتين"، إلا أن دعم واشنطن العسكري لإسرائيل بقي ثابتاً، وخلال المؤتمر، تجاهل ديفيس تماماً ذكر مجازر رفح وخان يونس، ما أثار استياء بعض الوفود الأوروبية، تصريحات روبرت مالي، المبعوث السابق للشرق الأوسط، تلخص المفارقة: "الولايات المتحدة تتحدث عن سلام بينما تبني جسور النار"، فهل واشنطن قادرة على لعب دور الوسيط الحقيقي في ظل انحيازها الهيكلي؟
أوراق المقاومة على الطاولة الغائبة
أحد أبرز الانتقادات لمؤتمر نيويورك 2025 هو تجاهله الكامل لأطراف المقاومة الفلسطينية، رغم أنها كانت اللاعب الرئيسي في المعركة الأخيرة، لم يُوجّه أي تمثيل لحماس أو الجهاد الإسلامي، وهو ما اعتبرته صحيفة الغارديان البريطانية (29 يوليو 2025) "نقصاً فادحاً في الواقعية السياسية"، في المقابل، تستمر المقاومة بتعزيز قدراتها وتفرض وجودها الميداني، تجاهل هذا الفاعل الأساسي يعيد إنتاج الفشل، إذ لا يمكن بناء حلّ واقعي دون إشراك جميع القوى الفاعلة، مهما اختلفت الرؤى.
الدور الأردني... صوت الحكمة في زمن العواصف
برز الأردن، بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني، كقوة توازن سياسية وأخلاقية في مؤتمر نيويورك، جلالة الملك دعا بشكل مباشر في خطابه المُسجّل إلى "إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود 67 وعاصمتها القدس الشرقية"، محذراً من أن تجاهل العدالة الفلسطينية سيشعل المنطقة بأكملها، كما أجرى اتصالات دبلوماسية مكثفة مع الاتحاد الأوروبي والبيت الأبيض لتثبيت مرجعيات السلام، هذا الدور لم يكن فقط موقفاً سياسياً بل ترجمة لعقيدة الدولة الأردنية في حماية القدس ومنع التهجير القسري، ليبقى الأردن صمام الأمان الإقليمي في زمن التغيّرات الكبرى.
هل نكتب نهاية جديدة أم نُعيد كتابة الفشل؟
المؤتمر انتهى دون إعلان خارطة طريق مُلزمة، رغم تبنيه توصيات عامة تتعلق بوقف إطلاق النار وإعادة الإعمار، ما دفع صحيفة "واشنطن بوست" للقول في افتتاحيتها: "النتائج أقل من التوقعات... والآمال أضعف من الواقع"، ما لم يتحول هذا المؤتمر إلى بداية لمسار قانوني وتنفيذي ملزم، فإن حل الدولتين سيبقى كذبة سياسية يتداولها الزعماء لامتصاص الغضب الشعبي، على العالم أن يختار الآن: إما الإقرار بحق الفلسطينيين في دولة مستقلة، أو التواطؤ في دفن هذا الحلم تحت أنقاض غزة.
التوصيات نحو مسار واقعي وعادل
1. تشكيل لجنة دولية ملزمة بجدول زمني لإقامة الدولة الفلسطينية.
2. تجميد عضوية إسرائيل في المحافل الدولية حتى وقف العدوان.
3. وقف فوري لتزويد إسرائيل بالأسلحة الهجومية.
4. تمثيل جميع القوى الفلسطينية في أي مفاوضات مقبلة.
5. حماية دولية عاجلة لسكان غزة والضفة.
6. دعم الموقف الأردني بقيادة الملك عبدالله الثاني في حماية القدس والمقدسات.
7. إعادة إعمار غزة تحت إشراف دولي مستقل.
8. فرض عقوبات على المسؤولين الإسرائيليين المتورطين في جرائم حرب.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
05-08-2025 08:51 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |