05-08-2025 08:30 AM
بقلم : د.عاصم منصور
حادثة غريبة ومُثيرة للقلق وقعت مع "جيف لويس"؛ أحد المُستثمرين في الشركة المالكة لتقنية "ChatGPT"؛ حيث أظهرت التقارير أنّه عانى من حالة نفسية غريبة، إذ بدأ يعتقد أنّ الذّكاء الاصطناعي قد أصبح كائنا واعيا يتواصل معه عبر رُموز غامضة، وأنّ هناك نظاما غير حكومي يستهدفه ويعزله عن العالم.
وهذه الحادثةُ ليست حالة فردية معزولة؛ بلْ تأتي ضمن سلسلة من حالات مشابهة وربما أكثر مأساوية تفتحُ الباب أمام تساؤلات عميقة حول التأثيرات النفسية والذهنية التي قد تنجُمُ عن استخدام الذكاء الاصطناعي.
من بين هذه الحوادث قصةُ الشاب البلجيكي الذي أنهى حياته بعد أسابيع من المحادثات المكثّفة مع روبوت محادثة، أقنعهُ بأنّ التضحية بحياته ستكون وسيلة لحماية كوكب الأرض من التّغيّر المناخي. هذه المآسي تُسلّط الضوء على الجانب المُظلم من ثورة الذكاء الاصطناعي؛ التي لطالما احتفت بها البشرية كإنجاز تقني مُذهل يحملُ وُعودا عظيمة، لكن وكما أن لكلّ سيف حدّين؛ فإنّ الذكاء الاصطناعي يحملُ في طيّاته تهديدات جسيمة لا يُمكن تجاهلها؛ خاصة مع تعاظُم دوره في حياتنا اليومية، وحياة أُسرنا ومجتمعاتنا.
فالذّكاء الاصطناعي، رغم إمكانياته الواعدة في تحسين الصّحة النّفسية وتقديم حُلول مُبتكرة، قد يكون أيضا سببا مُباشرا في تفاقُم مشاكل نفسيّة وعقليّة لدى البعض؛ فالتفاعلُ بين الإنسان وهذه الأنظمة الذّكية قد يدفعُ البعض إلى متاهات عقلية خطيرة، بعضها يمكن رصدُه وبعضها الآخر يظلُّ غامضا وغير متوقّع. فتقنية "المحولات" التي تعتمد عليها أنظمة الذّكاء الاصطناعي الحديثة على سبيل المثال؛ قد تُولّدُ ما يُعرف بـ"الهلوسة الواسعة"، حيث يتم اختلاق روابط غير واقعية بين الأشياء.وتزداد خطورة الأمر عندما يتعامل معها أشخاصٌ يُعانون من أزمات نفسية أو اضطرابات عقلية؛ مما قد يؤدي إلى ما وصفه البعض بـ"ذُهان الذكاء الاصطناعي".
دراساتٌ حديثةٌ أظهرت أنّ الاستخدام المُكثّف للذكاء الاصطناعي يرتبطُ بزيادة مستويات القلق والاكتئاب؛ فبعض المُستخدمين يشعرون بضغط التكنولوجيا عليهم للعمل بشكل أسرع وأقوى، خاصة مع تواجُدها المُستمر في جميع جوانب حياتهم، وهذا الانغماس المستمر يخلقُ حالة من التّوتر المُزمن؛ التي قد تتطوّر إلى اضطرابات نفسية أكثر خطورة.
وفي الوقت الذي تعملُ فيه المؤسّساتُ الطبيةُ وفرقُ البحث على دراسة هذه الظواهر وتشخيصها؛ يستمر الذكاء الاصطناعي في التطور بوتيرة غير مسبوقة، في سباق محموم بين الدول والشركات والأثرياء لدفع عجلة الابتكار إلى الأمام دون قيود أو قوانين كافية لكبح جماح هذا التقدم، ومع كلّ خطوة جديدة؛ تزدادُ المخاوف من أنّ العواقب قد تكونُ أكبر مما نتخيّل، وربما لن نُدركها إلاّ بعد فوات الأوان.
في النهاية، يبقى السؤال: كيف يُمكننا المُوازنة بين الاستفادة من هذه التقنية المُذهلة وحماية أنفُسنا ومجتمعاتنا من آثارها السلبية؟ الإجابةُ ليست سهلة، لكنها تستحقُّ أن تكون محور نقاش عالميّ جادّ.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
05-08-2025 08:30 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |