31-07-2025 03:38 PM
بقلم : د. خالد السليمي
صوت العقل والضمير العربي
في خضمّ عواصف الرأي العام وغليان الشارع العربي والدولي حيال المجازر والانتهاكات التي تتعرض لها غزة، يرتفع صوت جلالة الملك عبدالله الثاني، لا كصوت سياسي تقليدي، بل كنبض عربي نقيّ يحمل وجع الأمة وأملها في آن، يقول جلالته: "يجب احترام جميع وجهات النظر واختلاف أساليب التعبير عن الحزن لما يجري في غزة دون اتهامات أو تهجم أو تشهير بالآخر"، في دعوة استثنائية تتجاوز التوتر، لتُرسّخ أن وحدة الصف لا تُبنى بالهجوم، بل بالاستماع والتفهّم، ليس هذا الموقف وليد اللحظة، بل هو امتداد لسنوات من المواقف المبدئية التي جعلت من الأردن بقيادة الهاشميين حائط صدّ ضد الظلم، ومنبر حق في وجه الباطل، إنها لحظة فاصلة تذكّرنا بأن الرأي المتزن، لا المتسرع، هو من يصنع التاريخ ويصونه.
غزة في قلب الهاشميين... لا مزايدة في الألم
منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة 2023 للآن، كان الملك عبدالله الثاني الصوت العربي الأعلى والأكثر توازناً في المحافل الدولية، رافعاً قضية فلسطين بلا تلعثم أو مواربة، ومذكراً بأن "الدم الفلسطيني ليس مجالاً للمساومة السياسية"، مقولة جلالته في الصورة المرفقة تأتي كامتدادٍ لموقفه الثابت الذي عبّر عنه أمام البرلمان الأوروبي في 17 حزيران 2025 حين قال: "السكوت عن المأساة في غزة يُشكّل وصمة في جبين الإنسانية، وعلينا ألا نختار متى نغضب ومتى نصمت"، إنها كلمات تُشعل الوجدان، وتمنح الناس مساراً أخلاقياً في لحظة اضطراب عالمي، حيث تلتبس المفاهيم وتتقاطع المشاعر بين الغضب والخذلان، إن الحزن على غزة ليس ملكاً لفئة دون أخرى، وليس وسيلة للخصام، بل رابط إنساني وأخلاقي يستحق أن يُعبّر عنه بحرية ومسؤولية.
الوحدة لا تعني التطابق بل احترام الاختلاف
في زمنٍ باتت فيه وسائل التواصل منصات للإدانة والتخوين أكثر من كونها مساحات للحوار والتضامن، يُقدّم الملك عبدالله الثاني رؤية عميقة تُعيد تعريف الوطنية والمقاومة، فالتعبير عن الألم لا يتخذ شكلاً واحداً، ولا يُفرض بطريقة واحدة، حين يدعو جلالته إلى احترام "اختلاف أساليب التعبير عن الحزن"، فإنه يؤكد على أن الاختلاف في الوسائل لا يُلغي وحدة الهدف، وهي دعوة للعودة إلى القيم الأصيلة في النقاش: الاحترام، التقدير، والنية الصافية، كم نحن بحاجة اليوم في الأردن والعالم إلى خطاب جامع لا يقسم، إلى قائد يُذكّرنا بأن قوتنا في تنوعنا، وأن "الحفاظ على جبهتنا الداخلية، هو أول أسلحتنا في وجه الاحتلال"، كما قال جلالته في أكثر من خطاب موجه للشعب والقادة في المحيط العربي.
القيادة بالقدوة لا بالشعارات
ما يميز مواقف جلالة الملك عبدالله الثاني أنها لا تكتفي بإصدار التصريحات، بل تنبثق من عمق قيمي وتجربة عملية راسخة في الدبلوماسية والسياسة والإنسانية، لقد سعى الأردن، بتوجيه من جلالته، إلى إيصال المساعدات إلى غزة، واحتضان الجرحى، وإيصال الصوت الفلسطيني للعالم، حين يتحدث الملك عن احترام وجهات النظر، فإنه يُمارس ذلك في خطاباته، وفي اختياره للكلمات، وفي استيعابه للمختلفين، وهو ما عبّر عنه في أكثر من موقف بقوله: "ليست القيادة أن تتحدث فقط، بل أن تصغي وتحتوي وتبني الجسور"، في عالم يتنازع فيه القادة على الظهور، يعلّمنا الملك أن الحكمة والاتزان يمكن أن يكونا أكثر تأثيراً من الضجيج، وهذا هو جوهر القوة الأخلاقية التي يتمتع بها الأردن، ويقود بها معاركه الكبرى في المحافل العالمية: معركة الوعي، ومعركة الإنصاف، ومعركة الإنسان.
الخاتمة
في عالمٍ تتنازع فيه الألسن على الصواب، وتضيع فيه القيم في زحام الانفعالات، يخرج صوت جلالة الملك عبدالله الثاني كصوت ضميرٍ نادر لا يُجامل، ولا يخذل، ولا يصرخ… بل يُعلّم، فالكلمة عنده ليست أداةً للاستعراض، بل مسؤولية وطنية وأخلاقية تُلزم قائلها قبل سامعها، دعوته لاحترام الرأي، لا تنطلق من موقع القوة فحسب، بل من موقع العارف بعمق ما يمرّ به الناس، وما تحمله قلوبهم من جراح، إنها دعوة لثورة من نوع آخر، ثورة على الانقسام، على التخوين، على قسوة الألفاظ التي تقتل المعنى، فحين يكون الملك هو من يُعلّم الناس كيف يختلفون دون أن يتنازعوا، وكيف يحزنون دون أن يجرحوا، ندرك أن الحكمة لا تحتاج إلى منصة، بل إلى نُبل، وأن القيادة الحقة لا تُقاس بعدد الحشود، بل بقدرتها على إنقاذ الإنسان من الانهيار الداخلي، وهنا، فقط، يصبح الأردن كبيراً… لأن قائده يحمل قلباً أكبر من الكلمات.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
31-07-2025 03:38 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |