29-07-2025 03:09 PM
بقلم : محمد بسام القرالة
في الوقت الذي يواصل فيه الأردن أداء دوره الإنساني والأخلاقي تجاه الأشقاء في غزة، يخرج علينا القيادي في حركة حماس خليل الحية بتصريحات لا تخلو من التلميح المسيء، حين يصف عمليات الإنزال الجوي بأنها “مسرحيات هزلية”، وكأن من يبذل جهده لإيصال كسرة خبز تحت النار والدخان، أصبح موضع سخرية أو مزاودة.
من المؤسف أن يُقابل العمل الأردني الميداني بالصمت في لحظات الإنجاز، ثم يُستحضر عند الحاجة للانتقاد، وكأن الأردن كُتب عليه أن يكون دائمًا في مرمى التجريح كلما تعثرت مسارات الآخرين. هذا الوطن، بقيادته وجيشه وشعبه، لم يكن يومًا متفرجًا على مآسي غزة، ولم يركب موجة، ولم يطلب ثمناً، بل كان دائمًا في مقدمة الصفوف، يرسل القوافل، ويفتح المستشفيات، ويُنزل المساعدات حين تُغلق الأبواب في وجه البر والبحر.
الأردن لم يسعَ إلى تسجيل النقاط السياسية على حساب دماء الفلسطينيين، بل التزم بثباته الأخلاقي، دون أن يرفع شعارًا أو يتاجر بموقف. وفي الوقت الذي اكتفى فيه كثيرون بالتصريحات، كان الجنود الأردنيون على الأرض، ينقلون الجرحى، ويحملون الأطفال من تحت الأنقاض، ويتعرضون للخطر في كل طلعة جوية.
الإنزال الجوي الذي يسخر منه البعض لم يكن خيارًا مثاليًا، بل ضرورة فرضها حصار خانق وظروف ميدانية معقدة. ومع ذلك، لم يتردد الأردن، ولم ينتظر الإذن من أحد، بل تحرك بقرار سيادي ومسؤول، دفاعًا عن كرامة الإنسان الفلسطيني وحقه بالحياة. فهل أصبحت هذه المواقف مدعاة للاستهزاء عند البعض ممن لم يُحرك ساكنًا إلا أمام الكاميرات والبيانات؟
وإن كان لدى البعض رغبة بتوجيه النقد، فليوجّهه لمن يغلق المعابر، لا لمن يخترق الحصار من الجو. وليحاسب من يتاجر بمعاناة غزة، لا من يخدمها بصمت. فالمعادلة الأخلاقية واضحة: الأردن لا يملك مصلحة إلا في نجاة الإنسان الفلسطيني، ولا يحمل في جيبه أجندة إلا الوفاء، ولا ينتظر من أحد شكرًا، لكنه لا يقبل التجريح.
من يتحدث عن “المهزلة” عليه أن يراجع تاريخه، ويسأل نفسه: من الذي ثبت عند كل منعطف؟ من الذي لم يغلق بواباته يومًا؟ من الذي لم يتاجر بالدم، ولم يترك غزة وحدها في الميدان؟ الإجابة يعرفها القاصي والداني: إنه الأردن. ولسنا في موقع الدفاع، فنحن لا نُبرر موقفًا، بل نُذكّر من تناسى، أن الأردن إذا قدم، قدم بكرامة، وإذا وقف، وقف بثبات، وإذا غضب، فصمته أبلغ من كل الخطب.
الأردن ليس طرفًا عابرًا في القضية الفلسطينية، بل شريك دم وذاكرة ومصير. ومَن لا يعرف موقع عمّان من معادلة الصراع، عليه أن يقرأ التاريخ جيدًا، ويتذكر أن الأقصى يُرابط فيه جندي أردني، وأن شهداء الجيش العربي لا زالوا يسكنون تراب فلسطين.
لن نسمح بتحويل الأردن إلى مادة للمهاترات، ولا إلى شماعة تعلق عليها النكسات. وإذا كان هناك من يعتقد أن بوصلته لا تستقيم إلا بالتصويب على عمّان، فنقول له: الكرامة الأردنية ليست مجالًا مفتوحًا، والصبر الأردني ليس إذنًا مفتوحًا بالتهجم أو المزاودة.
الأردن أكبر من أن يُهاجم، وأشرف من أن يُنكر، وأصدق من كل الشعارات.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
29-07-2025 03:09 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |