01-07-2025 02:47 PM
بقلم : الإعلامي الدكتور محمد العشي
مضت أيام، ووجع الغدر لا يزال حاضرًا في تفاصيل الوجوه، وفي أحاديث الناس، وفي ضمير الشارع الأردني. الشاب المغدور عبادة عرابي لم يعد مجرد حالة فردية مرّت وانتهت، بل تحوّل إلى رمز لحكاية أعمق، تعكس ما يمكن أن يحدث حين يُترك العنف يتغلغل بصمت في أزقة الحياة.
في الأيام التي تلت الحادثة، لم تهدأ المشاعر، بل تصاعدت، وبدأ الشارع الأردني يستعيد وعيه الجمعي ليقول: كفى صمتًا. كفى تجاوزًا. كفى غدرًا.
الصدمة لا تزال قائمة ... ولكن الأسئلة بدأت
لم يكن غريبًا أن تتحول قضية عبادة عرابي إلى رأي عام، فكل من سمع بالقصة، وجد نفسه في التفاصيل: شاب في مقتبل العمر، لا ذنب له، لا خلافات مسبقة، وُجهت إليه طعنة الغدر من حيث لا يحتسب. ومع مرور الوقت، بدأت الأسئلة تتكاثر:
لماذا يحدث مثل هذا العنف بهذه السهولة؟
كيف وصلنا إلى مرحلة يقتل فيها شاب بلا مقدمات؟
وهل القانون وحده يكفي، أم أن الخلل أعمق وأخطر مما نتوقع؟
هذه الأسئلة ليست محصورة بأهل عبادة أو أصدقائه، بل أصبحت شأنًا عامًا، يمس الأمن الاجتماعي والسلم الأهلي والقيم التي طالما اعتزّ بها الأردنيون.
تحرك أمني سريع يرسّخ هيبة الدولة
من اللحظة الأولى للحادثة، أثبتت الأجهزة الأمنية الأردنية، بقيادة مديرية الأمن العام، كفاءتها العالية في التعامل مع الجريمة بكل حزم وسرعة. فقد تم تحديد هوية الجناة، وإلقاء القبض عليهم خلال وقت قياسي، في رسالة واضحة أن لا أحد فوق القانون، ولا تسامح مع العابثين بأمن المجتمع.
هذا التحرك الأمني الحاسم أعاد الطمأنينة إلى الناس، وأكد أن الدولة حاضرة بقوة، وأن يد العدالة لا تغفل، وأن رجال الأمن في الأردن يشكّلون صمّام أمان حقيقي في وجه كل من تسوّل له نفسه العبث بأرواح الأبرياء.
من عبادة عرابي ... إلى كل شاب أردني
ما جرى لعبادة عرابي هو جرس إنذار لكل بيت أردني. هو رسالة تقول إننا بحاجة إلى إعادة بناء منظومة القيم، إلى حوارات أعمق داخل البيوت، إلى أدوار أوضح للمؤسسات التربوية والدينية والإعلامية.
عبادة لم يكن خصمًا، بل كان شابًا أردنيًا بسيطًا، يحلم مثل غيره، ويسير نحو مستقبله بثقة، حتى اصطدم بجدار من الظلام.
المخدرات ... السمّ الصامت في قلب العنف
لا يمكن الحديث عن العنف المجتمعي المتصاعد دون التوقف عند واحدة من أخطر آفاته: المخدرات، التي أصبحت سببًا مباشرًا أو غير مباشر في كثير من الجرائم، ومنها جرائم القتل الغادر، كما حدث مع الشاب عبادة عرابي.
لقد تحولت هذه الآفة إلى تهديد حقيقي يُدمّر عقول الشباب ويُشوّه وعيهم، ويُسهم في خلق جيل من المدمنين الذين لا يعرفون حدودًا للقيم أو القانون. والأسوأ من ذلك، أن المخدرات باتت وسيلة تُستخدم في بعض البيئات كأداة للهيمنة أو الاستعراض، مما يُنتج أنماطًا سلوكية خطرة، أقرب إلى الانفجار اللحظي.
ما نحتاجه اليوم ليس فقط ملاحقة المروّجين والمستخدمين، بل خطة وطنية شاملة تشمل:
الرقابة الأمنية الصارمة على بؤر الترويج.
حملات توعية مدرسية وإعلامية مدروسة تُبيّن مخاطر التعاطي.
إعادة تأهيل المدمنين في مراكز متخصصة تحفظ كرامتهم وتعيد دمجهم بالمجتمع.
تمكين الأسر من أدوات الاكتشاف المبكر والتعامل الوقائي.
رحيل عبادة عرابي يجب أن يكون أيضًا تذكيرًا بضرورة تطهير المجتمع من هذا السمّ الصامت، الذي يغتال مستقبل الشباب بهدوء أشد من رصاص الغدر.
التضامن الشعبي ... أقوى من النسيان
لم تخفت أصوات الناس بعد، بل ازدادت حدّة. صفحات التواصل الاجتماعي لا تزال ترفع اسمه، وصورته باتت جزءًا من حملة رمزية ضد ثقافة الاستقواء والعنف. آلاف الرسائل والمواقف والصرخات الإلكترونية عبّرت عن عمق الحزن، لكنها أيضًا طالبت بتغيير حقيقي، لا مجرد محاكمة شكلية.
كلمة وفاء لا تنطفئ
في مثل هذه الحوادث، من السهل أن ننشغل بالحزن، لكن الأصعب أن نحوله إلى مسؤولية. عبادة عرابي، وإن غادرنا، لكنه ترك رسالة: أن الصمت لا يصنع السلام، وأن العدل هو الطريق الوحيد لاستعادة الثقة، وأن حماية الشباب ليست رفاهية، بل ضرورة وطنية.
فلنُكرم ذكراه ليس فقط بالدموع، بل بالفعل؛ ولنُخلّد اسمه بوعيٍ نمنع به تكرار هذه المأساة في بيت آخر.
السلام لروحك يا عبادة...
والعدل لأهلك...
والولاء لأمن هذا الوطن وقيادته.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
01-07-2025 02:47 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |