23-06-2025 12:33 PM
بقلم : محمد علي الزعبي
تشهد المنطقة اليوم حالة من الغليان تتجاوز لغة التهديد والردع إلى مشهد يقترب من الهذيان العسكري، حيث لم تعد الحسابات مبنية على التوازن أو الردع المتبادل، بل على شهوة الصدام، وحمى الاستعراض، وغياب العقل الاستراتيجي لصالح التهور والارتجال.
الولايات المتحدة تتأرجح بين استعراض الهيبة وكبح الانفجار، إسرائيل تتخبط داخليًا لكنها تنفلت خارجيًا بسلوك عدواني هستيري، وإيران تلوّح بنار المقاومة والانتقام وتتمدد بخطى محسوبة لكنها محفوفة بالمخاطر. أما بقية الأطراف، فإما تنتظر على صفيح الاشتباك أو تُدفع نحوه دون إرادة.
المنطقة ليست على حافة الحرب فحسب، بل على شفا انهيار في قواعد الاشتباك ذاتها. فالمناورات العسكرية أصبحت رسائل ميدانية، والتحشيدات تحوّلت إلى وقائع يومية، والتهديدات لم تعد حربًا نفسية بل مقدمات لمعركة قد تندلع فجأة، بلا تخطيط ولا نهاية واضحة.
في غزة، النار لا تنطفئ، والاحتلال يعيش ارتباكًا استراتيجيًا عميقًا، ولبنان يترنح بين الهدوء الحذر والانفجار المحتوم، بينما البحر الأحمر والخليج يتأرجحان بين الأمن المؤقت والانفجار المؤجّل، والعراق وسوريا لا يزالان ملعبين مكشوفين لأذرع النفوذ والصواريخ.
إننا أمام لحظة فقدان اتزان إقليمي، حيث يبدو أن "العقلاء" تراجعوا للصفوف الخلفية، وتركوا المشهد لمقامرين سياسيين وعسكريين يجرّون الإقليم إلى حافة هاوية. والمنطقة اليوم ليست في حالة حرب بالمعنى التقليدي، لكنها أيضًا ليست في حالة سلم. إنها ببساطة، تغرق في حالة "هذيان عسكري"، تزداد فيها الضوضاء وتضيع فيها البوصلة.
وسط هذا الجنون، يبرز الصوت الأردني كرمانة ميزان في إقليم مضطرب. خطابٌ متّزن، وتحركات دبلوماسية حثيثة، ورفض صريح للانجرار خلف مغامرات عسكرية عبثية. غير أن صوت الحكمة وحده لا يكفي حين يُراد للمنطقة أن تُختطف تحت جنون السلاح.
الهذيان ليس وصفًا لغويًا بل توصيف دقيق لواقع تنفلت فيه الأعصاب قبل البنادق، ويُقرّر فيه البعض خوض اشتباك شامل لا لغاية واضحة، بل لمجرد كسر الجمود أو استعراض الهيبة. الأخطر أن هذا الجنون قد يتحول إلى واقع دموي لا يُبقي ولا يذر.
فالسؤال لم يعد: من يُطلق الشرارة؟ بل من يستطيع أن يُوقف النيران حين تندلع، ومن يملك الجرأة على كبح الهذيان قبل أن يُغرق الإقليم بأسره؟
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
23-06-2025 12:33 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |