حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
السبت ,17 مايو, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 7191

الدكتور سلطان الفالح يكتب: الشرق الأوسط الجديد والسلام الاقتصادي

الدكتور سلطان الفالح يكتب: الشرق الأوسط الجديد والسلام الاقتصادي

الدكتور سلطان الفالح يكتب: الشرق الأوسط الجديد والسلام الاقتصادي

17-05-2025 08:30 AM

تعديل حجم الخط:

بقلم : الدكتور سلطان الفالح
تركز الولايات المتحدة الأمريكية في عقيدتها السياسة في سبيل الحفاظ على أمنها القومي على ثلاثة مراكز استراتيجية، فقد قسمت العالم إلى ثلاثة أقاليم وهي كل من: إقليم أوراسيا من أجل تطويق روسيا، وإقليم آسيا الباسفيك من أجل احتواء الصين وتطويقها جيوسياسيًا وجيواقتصاديًا، وإقليم الشرق الأوسط. إذ تنطلق في سياستها الخارجية تجاه الشرق الأوسط من خلال ثلاثة استراتيجيات رئيسية وهي: أولًا: الوصول إلى منابع الطاقة، ثانيًا: السيطرة على الحواف والمفاتيح البحرية للتحكم بالتجارة الدولية، ثالثًا: الحفاظ على أمن إسرائيل، بما يضمن ذلك الحفاظ على أمنها القومي.

ففي الوقت الذي أعلن فيه "جورج بوش الأب" عن نظام عالمي جديد عام 1991، نجد أن "جورج بوش الابن" قد أعلن عن إقامة مشروع شرق أوسط كبير بعد أحداث 11 سبتمبر عام 2001، وكذلك أكدت وزيرة الخارجية الأمريكية آنذاك "كنداليزا رايس" على إقامة هذا المشروع أيضا. وكان الهدف من إقامة هذا المشروع؛ إيجاد منطقة أمريكية تتنامى فيها مصالحها بالدرجة الأولى من خلال السيطرة على أهم طرق وممرات الملاحة البحرية والبرية، من خلال إضعاف حكومات الدول المركزية وتشجيع النزعات العرقية والطائفية داخلها، وتقسيم المقسم عبر تعزيز الصراع الطائفي وانتشار بؤر التوتر والإرهاب المُصطنع للحفاظ على أمن إسرائيل.

وفي سياق الحديث عن أمن إسرائيل، فطالما سعت الولايات المتحدة الأمريكية إلى زرع كيان لها في المنطقة لتحقيق غايتها المرتبطة بالشرق الأوسط، وهذا ما تحدثت به وزيرة الخارجية الأمريكية "كونداليزارايس" إبّان حرب إسرائيل وحزب الله عام 2006، حيث وصفت العنف الذي مارسته إسرائيل في لبنان، على إنه يشبه الآلام التي ترافق الولادة، فهذه الآلام يجب أن تنبئ عن ولادة شرق أوسط جديد لتكون إسرائيل جزءًا لا يتجز منه، وهذا الهدف يُعد من أهم ركائز استراتيجية الأمن القومي الأمريكي.

فالخسائر المالية التي لحقت بواشنطن نتيجة الإسراف بالقوة في منطقة الشرق الأوسط؛ دفعت الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" 2009-2017 الابتعاد عن الشرق الأوسط والانتقال من البر إلى البحر وتبني استراتيجية "الهند - باسفيك" في نهاية عام 2010، بعد أن حلت أحداث الربيع العربي والنشاط الارهابي "داعش" في المنطقة العربية، وما تلاها من صراع بين فرقاء السُنيّتان السعودية والإمارات ومصر من جانب وقطر وتركيا من جانب آخر إبّان الأزمة الخليجية عام 2017-2021.

فالنزعات العرقية والطائفية التي حصلت بين الشعوب العربية في كثير من الدول التي بعضها ما زال مستمرًا حتى الآن بين السعودية واليمن منذ عام 2015، ناهيك عن الملف النووي الإيراني وتهديدها المستمر في مضيق هرمز، بالإضافة إلى أذرعها في المنطقة في كل من: سوريا، والعراق، ولبنان، وغزة، والحوثيين في اليمن الذين يهددون الملاحة البحرية والتجارة الدولية في مضيق باب المندب، الأمر الذي يشكل تهديدًا للمصالح الأمريكية في المنطقة، وهذا ما وعد به الرئيس "ترامب" بإنهاء معضلة الأمن البحري في محيط البحر الأحمر إبّان انعقاد القمة الخليجية بالرياض 2025.

ويفهم من زيارة الرئيس الأمريكي "ترامب" لمنطقة الخليج العربي 2025 تقديمه للمصلحة الأمريكية العليا على مصلحة شركائها من دول الإتحاد الأوروبي وبريطانيا "وإسرائيل"، وكذلك تنظر دول الخليج العربي وعلى رأسها السعودية والإمارات وقطر، إذ تقدم كل منهما مصالحها الوطنية العليا على حساب القضايا العربية دون الإلتفات إلى القضية الفلسطينية، علمًا بإن الرئيس "ترامب" بزيارته هذه قد تجاوز عرف الرؤساء الأمريكيين الذين اعتادوا أن تكون بريطانيا محطتهم الأولى عند زياراتهم الخارجية الرسمية، فضلا عن تجاهله "لإسرائيل" من جدول زيارته هذه التي تُعد جزء رئيس من منظومة الشرق الأوسط في الحسابات الأمريكية.

ولا خلاف في القول إن رفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا والإشارة إلى لبنان من قبل الرئيس "ترامب" بطلب من ولي عهد المملكة العربية السعودية الأمير محمد بن سلمان، لم يأت إلا من أجل تحقيق مصلحة سعودية الوطنية، وذلك من خلال تفتيت المنظومة السُنية الراديكالية وإخراج سوريا من حضن قطر وتركيا وعدم انجرارها وراء جماعة الإخوان المسلمين، بالإضافة إلى تفتيت ما تبقى من أذرع إيران في لبنان واليمن، وهذا ما تسعى إليه السعودية والإمارات.

فمن كان يعتقد أن زيارة الرئيس "ترامب" لمنطقة الخليج العربي كانت تتضمن حل الدولتين فقد جانب الصواب، إذ جاءت هذه الزيارة بهدف السيطرة على أسعار النفط واستقطاب الاستثمارات الخليجية داخل السوق الأمريكي، وإعادة ملء الفراغ السياسي والاقتصادي في منطقة الشرق الأوسط لفرملة مشروع التوسع الصيني. وتجدر الإشارة إلى أن الاستثمارات التي ستبلغ قيمتها 600 مليار دولار أمريكي، خصص منها 142 مليار دولار لعقد صفقات دفاعية اشتملت على طائرات نقل عسكرية من طراز C-130 وصاوريخ ورادارات وطائرات بدون طيار، حيث سيتم استثمار الباقي داخل الولايات المتحدة الأمريكية في قطاعات مختلفة منها الذكاء الاصطناعي والبنية التحتية الرقمية التي تُعد جزءًا من رؤية السعودية 2030 مقابل المباركة الأمريكية على المشروع النووي السلمي السعودي الذي تأمل في الحصول عليه.

ولا يفوتنا أن نشير أيضًا إلى "القصر الطائر" الذي قدمته قطر للبيت الأبيض كطائرة رئاسية أمريكية من طراز بوينغ 8-747 بقيمة 400 مليون دولار، ناهيك عن الاستثمارات القطرية في قاعدة العديد الأمريكية المتواجدة لديها، كما وحصلت شركة بوينغ وجنرال إلكتريك للطيران على طلب شراء في سبيل تعزيز منظومة الخطوط الجوية القطرية، إذ تقدر قيمة هذه الاتفاقية نحو 96 مليار دولار لشراء ما يصل إلى 210 طائرة أمريكية الصنع دريملاينر من طراز بوينغ 787 و777X بالإضافة إلى استثمارت أخرى، فضلا عن الاستثمارات الإماراتية التي بلغت نحو 1.4 ترليون دولار أمريكي على مدى 10 سنوات داخل الولايات المتحدة الأمريكية.

وبذلك تكون الإدارة الأمريكية قد نجحت في تحقيق أهداف سياستها الخارجية من خلال اللجوء إلى السلام الاقتصادي الذي يقوم على فرضية مفادها؛ أن السلام لا يمكن أن يتحقق دون أن تجني الشعوب منافع ملموسة كالتي تتعلق بالاستقرار والتجارة والاستثمار، الذي يساعد في توطيد العلاقات بين الأفراد أو المجموعات التي تحفز العلاقات السلمية بين الدول من خلال تفعيل دور العلاقات الاقتصادية والتجارة البينية بينهم.

وعليه فمفهوم السلام الاقتصادي هنا يرتبط بفكرة إعادة هيكلة الشرق الأوسط التي قدمها "شمعون بيرس" في كتابه الموسوم "الشرق الأوسط الجديد" من خلال تطوير خطط ترمي إلى توسيع النشاط التجاري في الشرق الأوسط. ولعل اتفاقات أبراهام أو ما أطلق عليها مؤخرًا الاتفاقات الهندو إبراهيمية، التي أبرمت بين كل من: الهند، دولة الإمارات العربية، إسرائيل وبرعاية أمريكية عام 2020، وما تلاها من سيل في تطبيع بعض الدول العربية علاقاتها مع إسرائيل من نفس العام مثل: المغرب، السودان، البحرين، خير دليل على اقتناع الدول بمبدأ السلام الاقتصادي الذي يحقيق الأمن والاستقرار القائم على الاعتماد المتبادل على كافة الصعد السياسية والاقتصادية والأمنية.

ختامًا؛ نجد أن تركيز الدول العربية وعلى رأسها دول الخليج بالإضافة إلى سوريا التي طالبت بمشروع مارشال جديد من أجل إعمار سوريا، متجاوزة بذلك البروبغاندا الناصرية القائمة على فكرة الأمن القومي العربي. ففي ظل إيلاء هذه النظم لمصالحها الوطنية العليا الذاهبة إلى بناء شبكات تعاونية تقوم في جوهرها على الاقتصاد الذي لن يتحقق إلا من خلال إحلال السلام الاقتصادي ودمج "إسرائيل" في المنطقة من خلال التطبيع السعودي القطري مع دولة الكيان التي يعتقد البعض أنها قد سقطت من حسابات الإدارة الأمريكية في القمة الخليجية.

وفي إطار الحديث عن السلام الاقتصادي؛ فانه لن يتحقق دون الأخذ بعين الاعتبار مصالح دول الإقليم الأخرى وعلى رأسها المملكة الأردنية الهاشمية التي قدمت الغالي والنفيس خدمة لقضايا الأمة العربية العادلة وعلى رأسها القضية الفلسطينية، فالسلام الاقتصادي حتى يتحقق لابد له من التكاتف لإزالة كل التهديدات الأمنية الإقليمية، التي تشكلها المماراسات والانتهاكات الإسرائيلية في فلسطين وفي غزة على وجه التحديد، وهذا ما نادت به الدبلوماسية الأردنية من خلال الملك عبدالله الثاني بن الحسين في كل المحافل الدولية والدعوة إلى أن الاستقرار والسلام لن يتحقق إلا بحل الدولتين، وإلا سيصار إلى تنفيذ خريطة الشرق الأوسط الجديد لتصبح "إسرائيل" جزءًا منه دون أن يكون للشعب الفلسطيني الحق بالتمسك في أرضهم.

الدكتور: سلطان الفالح
باحث في العلاقات الدولية











طباعة
  • المشاهدات: 7191
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
17-05-2025 08:30 AM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
ما مدى رضاكم عن أداء وزارة المياه والري بقيادة الوزير المهندس رائد أبو السعود؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم