30-04-2025 09:17 AM
بقلم : فريهان سطعان الحسن
.. عبارة هبطت على مسامعي بوقع ثقيل، بعد إعلان نتائج انتخابات مجلس نقابة الصحفيين الأخيرة، التي أسفرت عن فوز زميلة بعضوية المجلس، كونها الوحيدة أيضا التي ترشحت من بين الزميلات في الهيئة العامة للنقابة.
رغم أنها قيلت في سياق مُزاح عابر، إلا أنها لم تكن مجرد كلمة للتداول العام. بل كانت مرآة تعكس صورة نمطية متجذرة في الوعي الجمعي، تختزل حضور المرأة وتقدمها كمنحة أو "صدقة" أو "كوتا" لها، وليس كحق أصيل تحوزه بكفاءتها وجدارتها.
ندرك جيدا أن الطريق ما يزال طويلا، لكسر هذه الصورة التي تحد من حضور النساء وتختصر إنجازاتهن.. من هنا يأتي السؤال؛ هل غابت المرأة عن مواقع التأثير داخل النقابات المهنية، رغم حضورها الكمي والنوعي اللافت في الهيئات العامة، لماذا لا يترجم ذلك بتسلمها المناصب القيادية بعضوية حقيقية وفاعلة؟. من وحي المتابعة فقد سجلت المرأة النقابية حضورا مؤثرا، لكن قلة فقط الذين أنصفوا تجارب الزميلات في مختلف النقابات.
في انتخابات مجلس نقابة الصحفيين الأخيرة، خاضت الزميلة فلحة بريزات تجربتها بالترشح لمرتين منفصلتين في دورتين متتاليتين، ورغم أن الحظ لم يحالفها، لكنها كانت تجربة تستحق التقدير بسعي طموح لأن تتولى موقع "النقيب" كأمرأة تمثل الصحفيين، تخوض غمار هذه التجربة بكل جرأة وجسارة.
كثيرة هي الأسماء لنساء سجلن حضورا لافتا في عضوية مجالس النقابات، ولم يرضين البقاء في آخر الدور، وبالتجربة أثبتن أنهن أهل للكفاءة بعيدا عن تصنيفات مجتمعية نمطية تفصل بين الذكر الذي يحق له كل شيء والمرأة التي تؤطر حضورها بملحق وليس كفرع أصيل في المجتمعات.
نماذج بارزة ظهرت، منهن، المحامية نور الإمام التي شغلت عضوية مجلس نقابة المحامين ورئاسة لجنة الحريات العامة وحقوق الإنسان، حيث أثبتت حضورا قويا ودورا فاعلا في ملفات لم تكن سهلة. وتأتي الطبيبة آية الأسمر، التي تولت عضوية مجلس نقابة أطباء الأسنان لأربع دورات لتواصل اليوم مشوارها بخطى واثقة بالترشح لمنصب النقيب، وفي حال حالفها الحظ، ستكون أول سيدة عربية تفوز بموقع نقيب نقابة مهنية.
تقودنا تجارب النساء في المجالس النقابية إلى استحضار مشهد آخر من مشاهد المشاركة العامة، حين تصدرت النائب دينا البشير المركز الأول في القائمة الحزبية خلال الانتخابات النيابية، في دلالة واضحة على قدرة المرأة على التصدر والمنافسة بثقة وكفاءة.
هذا الحضور تجسد أيضا في العديد من قصص النجاح الملهمة التي سطرتها نساء خضن معارك انتخابية داخل النقابات المهنية، والوصول إلى مواقع المسؤولية وإحداث الفرق.
ومع ذلك، فإن هذا النجاح لا يخفي حقيقة أخرى، وهي أن كثيرات ممن خضن تجارب نقابية انسحبن لاحقا من المشهد النقابي، إما بالعزوف عن الترشح تارة، أو بعدم إعادة انتخابهن تارة أخرى، مما يفتح باب التساؤلات حول أثر التجربة في هذا المسار.
جزء من هذا التراجع يعود إلى النظرة النمطية السائدة، التي ما تزال ترى في الرجل الخيار الأكفأ والأجدر، وكأن وجود المرأة في مواقع المنافسة يشكل تهديدا وجب محاربته!
ولعل السبيل الحقيقي لتجاوز هذه النظرة القاصرة، يكمن في أن تحجز المرأة مكانها الطبيعي في الصفوف المتقدمة، وأن تتبوأ المراكز القيادية داخل النقابات، وفي مواقع متقدمة في الحياة العامة، لتثبت بكفاءتها وقدرتها أن حضورها ليس استثناء، بل استحقاق طبيعي.
غير أن معركة المرأة لا تقف عند حدود كسر الصور النمطية فحسب، بل تمتد أيضا إلى مواجهة أحكام المجتمع القاسية. ففي جانب آخر لا يمكن تجاهله، ما تزال النظرة للمرأة أسيرة الأحكام القاسية. فكثيرا ما تضخم الأخطاء وتختزل بعض التجارب بنماذج محددة، يتم التركيز عليها بشكل مبالغ فيه، وكأن "غلطة المرأة بعشرة!"، في تجاهل واضح لنماذج مشرفة، كلماتهن ومواقفهن شكلت علامة فارقة بالمجتمع.
في الأعوام الأخيرة، بدا واضحا أن الإرادة السياسية تدعم حضور المرأة بمواقع صنع القرار، ورغم ذلك، ما تزال الإرادة الشعبية دون المستوى المأمول.
مع هذا التفاوت بين الإرادتين السياسية والشعبية، برزت نماذج نسائية أردنية مشرقة، ساهمن في مسيرة البناء والنهضة. لتجسد الملكة رانيا العبدالله نموذجا ملهما للمرأة الأردنية، حيث لا تتوانى جلالتها عن زيارة المحافظات والالتقاء بالنساء في مجتمعاتهن المحلية، مؤمنة بقدرة كل امرأة على صناعة الفرق حيثما كانت.
هذا الإيمان امتد إلى مستوى القرار السياسي، وبدا جليا من خلال حرص الدولة على تمثيل المرأة في مجلس الأعيان، ودعمها لتولي مواقع قيادية مؤثرة.
يبقى الأمل معقودا على أن تمتد دائرة المشاركة النسائية من الحضور الخافت إلى مواقع التأثير الحقيقي والبارز بالمجتمع، وتكرار التجربة. فالمرأة لم تخلق لتبقى على هامش المشهد العام، بل لتتصدره.
لسنا بحاجة حضور رمزي يجمّل المشهد العام، بل لنساء يتقدمن بعزم وقوة نحو مواقع صنع القرار، يحملن قضايا مجتمعهن بسعي صادق لإحداث التغيير.
الغد
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
30-04-2025 09:17 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |