20-08-2025 08:49 AM
بقلم : زياد فرحان المجالي
في هذه اللحظة، وبينما الشعوب تنشغل بلقمة العيش والخطابات المكررة، هناك خرائط جديدة تُرسم للمنطقة. ليست خرائط سرية، ولا اجتماعات مغلقة في دهاليز المخابرات، بل خرائط تُعرض على الهواء مباشرة، وتُبث في المؤتمرات وشاشات التلفزة.
مشروع التقسيم لم يعد "مؤامرة في الظل"، بل سياسة مُعلنة تُدار أمام العلن، فيما يجلس العرب على كراسٍ وثيرة، يتأملون مصائر أوطانهم كأنها فيلم وثائقي لا يعنيهم.
لكن التاريخ لا يحمي من لا يتحرك، ومن لا يصنع تاريخه… سيُصنع له وعلى حسابه.
نتنياهو… مهمة تاريخية بلا أقنعة
في مقابلة مع قناة i24news بتاريخ 18 كانون الثاني/يناير 2023، أعلن بنيامين نتنياهو بلا مواربة:
> "أنا في مهمة تاريخية، ومقتنع أن على إسرائيل أن تقود تحوّلًا جذريًا في الشرق الأوسط، عبر تحالفات جديدة وخريطة أمنية مختلفة. نحن لا نبني فقط لزمننا، بل نعيد تشكيل الجغرافيا."
لم تكن زلة لسان، بل إعلانًا رسميًا عن رؤية ممتدة منذ عقود، هدفها ليس إنهاء الصراع العربي–الإسرائيلي بانتصار الحق، بل بزوال الجغرافيا ذاتها.
خارطة المقصّ: من سوريا الممزقة إلى لبنان المهدد
الوثائق الإسرائيلية والأميركية، منذ خريطة البنتاغون عام 2006 وحتى خطط برنارد لويس، تتقاطع عند هدف واحد: تفكيك البنى المركزية للدول المحيطة بإسرائيل.
في سوريا: دويلة علوية على الساحل بحماية روسية، كيان كردي في الشمال الشرقي، جيب سني يُعاد هندسته ديموغرافيًا وأمنيًا.
في لبنان: المشهد أخطر. حزب الله لم يعد "مشكلة إسرائيلية"، بل عقدة دولية. الحكومة اللبنانية عاجزة، والاقتصاد المنهار يشكل فرصة ذهبية. في وثيقة إسرائيلية مسرّبة:
> "إما حرب واسعة لتجريد الحزب من سلاحه، أو تسوية دولية تجبره على الدخول في منظومة الدولة كقوة منزوعة القرار."
اليوم في تل أبيب لا يُسأل "هل" تندلع المواجهة، بل "متى".
من "نظرية المؤامرة" إلى مخطط معلن
ما كان يُعتبر قبل عقدين مجرد "وهم"، أصبح الآن خارطة عمل معروضة في مراكز الدراسات الإسرائيلية والأميركية.
تصريحات كوندوليزا رايس عن "الشرق الأوسط الجديد" لم تكن جملة عابرة، بل مقدمة لمشروع يُدار بأدوات متكاملة:
عسكرية: اجتياحات وعمليات قصف محدودة لخلق بيئة أمنية جديدة.
اقتصادية: ربط الغاز والمياه والكهرباء بشبكات تمتد من إسرائيل إلى الأردن ومصر والخليج.
إعلامية: تعويد الرأي العام على فكرة "الكيانات الصغرى".
ديموغرافية: تهجير وتبادل سكان، تحت شعارات "الاستقرار الطائفي".
الصمت العربي… شراكة في التنفيذ
الخطر لم يعد في سرية المشروع، بل في علنية عرضه. أخطر ما في المشهد أن بعض الأنظمة العربية نفسها أصبحت شريكًا بالصمت أو التمويل أو التطبيع.
من اتفاقيات الغاز، إلى مشاريع الربط الكهربائي والمائي، إلى مشاركات في مؤتمرات "السلام الاقتصادي"… كلها خطوات تمهّد لتنفيذ الخريطة الجديدة بأقل تكلفة ممكنة على إسرائيل.
الخاتمة: التاريخ يُكتب الآن
المقصّ لا ينتظر المتفرجين. الخرائط الجديدة لا تُرسم بموافقة الشعوب، بل بسكوت من يُفترض أنهم حماتها.
وحين تختفي الأوطان من الخرائط، لن يكون هناك معنى للاعتذار أو التبرير.
فلا تقولوا لاحقًا "لم نكن نعلم"، بل اسألوا أنفسكم الآن: هل نستحق أن نبقى هنا إذا صار وجودنا على الخريطة مجرد خيار مؤجّل؟
اليوم ليس زمن الردّ، بل زمن الإنقاذ. فإما أن تُقال الكلمة الآن، أو تُقال عنكم لاحقًا:
"كانوا هنا… جلسوا طويلًا… حتى قصّهم التاريخ من خرائطه كما يُقصّ شريط في افتتاح مأتم جديد."
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
20-08-2025 08:49 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |