بقلم : السفير ابراهيم عبيدات
المؤتمر الدولي المتوقع عقده في نيويورك خلال الفترة من ١٧ - ٢٠ من الشهر القادم برئاسة مشتركة فرنسية - سعودية حول حل الدولتين والاعتراف بالدولة الفلسطينية ، ربما يوفر فرصة حقيقية لبداية ايجابية لوقف المجازر وعمليات التطهير العرقي وجرائم الحرب المستمرة في قطاع غزة والضفة الغربية ويهدد السلام والأمن والاستقرار سواء في منطقة الشرق الاوسط والعالم ، وهذا أقصى ما نتمناه في هذه المرحلة نظرا لتعقيدات الوضع السياسي في المنطقة بداية وعدم توافر الارادة اللازمة على الصعيد الدولي لحسم القضية الفلسطينية وفرض القرارات الدولية الخاصة بها على الارض .
المفارقة العجيبة هي أن اسرائيل أصدرت فيتو حاسم ومبكر على هذا المؤتمر، ونسفت كافة المحاولات لعقد المؤتمر وحتى ان عقد ، وهذا يفسر الصمت الامريكي المريب حيال الاعلان عن المؤتمر ومحاولات عقده وعدم التعليق لا سلبا ولا ايجابا حوله.
يلمس المراقب الفطن بوضوح ان محاولات دول الاتحاد الاوروبي وعلى رأسها فرنسا ، بريطانيا والمانيا لا تتعدى كونها محاولات تسجيل مواقف أمام شعوبها والتبرؤ اخلاقيا جراء سكوتها على ممارسات اسرائيل منذ البداية، ولذر الرماد في العيون . منذ مؤتمر مدريد وحتى الان لم يسجل لدول الاتحاد الاوروبي اي دور فاعل في عملية السلام التي انطلقت من هناك بعد ان منعت اسرائيل وجود اي دور لها في ذلك مقابل دور حصري فقط للولايات المتحدة الأمريكية بحكم الارتباط المصلحي الوثيق بينهما ونظرا للنفوذ الكبير للوبي الصهيوني فيها.
لقد تم دفن خيار حل الدولتين تماما ولم يعد خيارا ممكنا ، فقد حالت اسرائيل يوم أمس دون وصول وفد المجموعة العربية لرام الله مشيرة بكل وضوح أنها لن تسمح بقيام دولة ( ارهابية) في احضانها وهددت بأن المضي قدما في مؤتمر نيويورك والاعتراف بالدولة الفلسطينية سيؤدي الى ضم الضفة الغربية والقدس الموحدة كعاصمة لدولة اسرائيل .
لم نسمع اي تعليق من ادارة ترامب على هذه التطورات ، وهذا ما يعزز الشعور بأن الخطة البديلة هي الخطة الفاعلة وهي خطة السلام الابراهيمي وتنفيذ ما تبقى من صفقة القرن ، وأن على جميع الاطراف في المنطقة التكيف مع هذه الخطة وتنفيذها ، وهذا يفسر ايضا الغطرسة العلنية والعنجهية الفاضحة التي تمارسها اسرائيل سواء عملياتيا على الارض من مذابح وتطهير عرقي وإبادة جماعية وتجويع في قطاع غزة والضفة الغربية ، أو سياسيا حيث لا يتردد الجناح المتطرف ممثلا بسموتريتش وبن غفير بالتصريح علنا الاستمرار في القتال حتى القضاء على حماس واحتلال غزة وتحويلها الى مستوطنات واستحالة السماح باقامة دولة فلسطينية وفوق كل ذلك تبرير القتل والتجويع بحجة الدفاع عن النفس ،ويقابل ذلك صمت امريكي مريب ومواقف اوروبية خجولة لم تخرج عن السياق اللغوي والاعلامي وفي ذات الوقت تقدم كافة اشكال الدعم لاسرائيل عمليا، فعن اي خيار نتحدث هنا ؟ وهل بقي ما يسمى حل الدولتين بعد ان استهلك اعلاميا وأصبح مجرد فقاعة فارغة لا اكثر .
السفير ابراهيم عبيدات