27-05-2025 02:25 PM
بقلم : دانا خليل الشلول
خلف أبواب المحاكم وأروقة الأُسر، تتجسد مأساة صامتة بطلها طفل بريء يدفع ثمن تعنت الحاضن في تطبيق حكم الرؤية، فبينما يكفل القانون حق الأبوين في رؤية أبنائهم، يظل هذا الحق حبرًا على ورق في كثير من الحالات، ليصبح الطفل المحروم من أحد والديه ضحية صراع لا ذنب له فيه، فبات هذا المشهد المؤلم يتكرر يوميّاً داخل أروقة المحاكم، فيواجه أحد الأبوين حائطًا مسدوداً من التعنت والمماطلة من قبل الطرف الحاضن والذي غالباً ما يكون الأم، ليُحرم الطرف الآخر من أبسط حقوقه الإنسانية: رؤية طفله، وهذه ليست هذه مجرد قضايا شخصية، بل هي انتهاك صارخ لحقوق الطفل في أن ينشأ في بيئة متوازنة، ولحق الوالد الآخر في ممارسة أبوته، فما أسباب هذا التعنّت؟ وما الآليات القانونية المتاحة لمواجهته؟ وهل توفر هذه الآليات حلولًا ناجحة أم أنَّ فيها بعض الثغرات التي تُتيح لضعاف النفوس التعسّف باستخدام حق الحضانة ومواصلة تعنّته؟ ليصعّدوا تداعيات حرمان الأبناء من آبائهم، ويزيدوا معاناتهم، خالقين لهم آثاراً نفسيّة مدمرة قد لا يمحيها الزمن، خاصةً وأنَّ مثل هذا النوع من القضايا والمشاحنات لم يبقَ حبيساً لأسوار وجدران المنازل، بل بات حديثاً عاماً حتى بين علاقات المشاهير والشخصيات العامة ليكون الأطفال هنا ضحيّة آراء العامة ومستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، مشتتين بين ما يرونه ويسمعونه بحق أبويهم، ليظل هذا المحتوى بحق أبويهم قرينة لا تُمحى مع الأيام تحفظها مواقع التواصل الاجتماعي، وقد تُشكّل لهم وصمة عار لا تزول ولا تنتهي، هنا ولا بد أن نُشير أنَّ عدد حالات الطلاق في الأردن بدأ بالاستقرار ليُسجّل سنويّاً ما بين 25-27 ألف حالة طلاق، وهي نسبة كبيرة ولا يُستهان بها.
وفي ذلك، بدأ أبو هيثم بسرد معناته في هذا الأمر "اتفقت مع والد طليقتي خلال جلسة رجال كبيرة من عائلتي وعائلتها على أن نحفظ الود بيننا خصوصا مع وجود طفل لا ذنب له بالخلاف المؤدي إلى الطلاق، وقال والد طليقتي إنَّ الطفل لوالده عاجلاً أم آجلاً، ما جعلني أطمئن قليلاً، وفي أول موعد مشاهدة وكان يصادف عيد ميلاد طفلي ليكون قد أكمل عامه الأول، وضمن تحضيرات واسعة للاحتفال به، تفاجأت بأنَّ والد طليقتي قد أغلق هاتفه، ولم أستطع التواصل معهم، ليظهر بعد عدة أيام ليقول بأنَّ الطفل كان مريضاً، وأخبرنا بأننا لن نستطيع رؤية الطفل متذرّعاً بأنَّ الطفل صغير ولا يستطيع أن يبتعد عن والدته، وباءت كل محاولات التفاوض معهم بالفشل، وبعد محاولات دامت لشهور، أرسلت خلالها الجاهات للتحدث مع والدها، إلا أنَّ العناد كان أكبر من أن يُكبح، ليحدث خلاف أدى للجوئي للقضاء؛ لأتمكن من رؤية طفلي الوحيد، ليزداد العناد لمنعي من رؤيته ضمن إصرارهم على إسقاطي للقضية وتوسيط أشخاص لإخباري بهذا، واشترطت أن تكون الحضانة مشتركة بيننا لتسقط القضيّة، ولكن لاقى اقتراحي الرفض."
وتابع أبو هيثم كلامه قائلاً " أُرسل الكثير من الملابس والألعاب والهدايا لطفلي عن طريق شقيقي الأكبر لكنَّ والد طليقتي يرفض السماح لأخي بفتح كاميرا المسنجر لأرى طفلي، مُرسلاً لي معه تهديداً بالقتل لو فكرت دخول منطقتهم، وأنه لن يسمح لي برؤية طفلي، وأنني مجبر فقط على الإنفاق عليه، متناسياً حقه وواجبي في المشاركة بتربيته، مستخدماً هذا الطفل البريء كورقة ضغط علي، مستغلاً ظروف عملي في منطقة بعيدة، وبأوقات مختلفة ومتأخرة تمنعني من رفع قضيّة مشاهدة منتظمة لطفلي، وبعد انتهاء أوقات عمل دور الرعاية، وأنا أخشى من التمسك بحق مشاهدة طفلي داخل دور الرعاية خوفاً على صحته النفسيّة، وأن يبقى هذا المشهد محفوراً في ذاكرته، وأكثر ما يؤلمني أنَّ ابني سيكمل عامه الثاني بعد أيام وأنا لا أعرف شكله ولا ملامحه، فلم أره منذ أكثر من سنة وشهرين، إلا من خلال صورة خاطفة التقطها أخي سريعاً دون انتباه والد طليقتي."
وهنا تحدث الأخصائي لنفسي الدكتور علاء الفروخ عن أثر هذا الأمر على الأطفال " أقول دائماً كأخصائي في هذا المجال: وجود خلافات كبيرة بين الأبوين، خاصة لو كانت هذه الخلافات جليّة وظاهرة أمام الأطفال، سيكون لها آثار نفسية سلبيّة جداً على الأطفال وصحتهم النفسيّة، وسيكونوا أكثر عرضة من غيرهم للإصابة باضطرابات القلق، والتوتر، ونوبات الهلع والكآبة، وسيكون تأثير هذه الخلافات أكبر إذا كانت موثقة أمامهم وأمام محيطهم، وظاهرة على مواقع التواصل الاجتماعي بشكلٍ أو بآخر ويمكن الرجوع إليها؛ كالملاسنة بين الطرفين، أو تشهير أحدهما أو كلاهما بالآخر عبر هذه المنصات، أو بين الأقارب والمعارف، لتكون أداة لوضعهم في الحرج الاجتماعي، فينبغي تجنيب الأطفال حضور المشاكل والخلافات بين الأبوين حتى في حالات الطلاق وتأزم الأمر، وأن يكون هناك اتفاق على وضع الأطفال ومصلحتهم أولويّة فضلى."
من جهته أوضح الأخصائي النفسي فؤاد رضوان أنَّ مجرد الانفصال بحد ذاته هو خبرة سيئة جداً للطفل، تجعله مشتتاً بين بيت الأب أو الأم، أو البيتين معاً، ليتابع كلامه بسؤال استنكاري: فما الحال الذي سيؤول إليه الطفل بوجوده في بيئة صراعات ومشاكلٍ ومناكفاتٍ دائمة؟ فعندما تمنع الحاضنة ولي الأمر من رؤية الطفل بشكلٍ كلي، أو تفرضها ضمن شروطٍ محددة؛ كاشتراط المشاهدة في مركزٍ أمني، هذه التجربة والخبرة أيضاً سيئة جداً للطفل، وفي حال المنع الكلي من المشاهدة؛ تثبت الأم بأنّها كانت سيئة وضد الأب منذ البداية، رغم أننا للأسف في مجتمعنا يكون التعاطف غالباً من الأم، وتُمنح حق الحضانة، ولكن هناك الكثير من الحالات التي أشهدها بحكم عملي واطلاعي الدائم على هذا النوع من المشاكل، التي تأخذ فيها الأم حقها في الحضانة وتتمسك به، ليس خوفاً على الطفل، أو حباً به، إنما فقط لتكون وسيلة ضغط على الأب للانتقام منه والاستمرار في المشاكل معه، ليكون الطفل هنا ضحيّة للنزاع بين الطرفين، ففي كثير من هذه الحالات تربي الطفل الجدة، أو الخالة، وتتجه هي للمضي في حياتها، مع منع والد الطفل من رؤيته، متذرعةً بخوفها عليه ظاهراً، لكنها تُبطن نوايا الانتقام والتشفي من طليقها، لتُنشئ خبرة سيئة جديدة للطفل، من خلال حرمانه من رؤية والده الذي يشعر برغبة والده في رؤية طفله ورعايته، وهنا تبث السم في أفكار طفلها بأنَّ والده غير متمسك به، ولا يريد رؤيته ولا حتى التحدث معه، ليكبر الطفل على كره والده، ويكتشف حقيقة ما فعلته الأم عندما يكبر، وهنا يقع الطفل في مأزق كرهه للأم، وكرهه لنموذج الأب، وقد يكره نفسه والتعامل مع المجتمع، لأنه فقد نموذج الأب، وفقد الحب والحنان، والأمان، والثقة، نتيجة عيشة في هذه البيئة المفككة، نتيجة عدم اتفاق والديه على تربيته في بيئة سليمة لا تؤذيه نفسيّاً، وقد يكرر الطفل في المستقبل هذا النموذج مع زوجته في أسرته، أو قد يكون متمسك ودائم الخوف على أسرته، وبكلا الحالتين فإنَّ هذا نموذج أسري غير سوي.
من جهة أخرى يُبيّن المستشار والخبير القانوني والخبير في حقوق الإنسان الدكتور أيسر القيسي أنَّ التعسف في استعمال حق الحضانة: هو استخدام هذا الحق بطريقة غير مشروعة أو تضر بمصلحة المحضون أي؛ الطفل الذي هو تحت الحضانة، مؤكّداً أنَّ هذا التعسف يأخذ عدة صور وأشكال منها وعلى سبيل المثال لا الحصر: الأم الحاضنة التي تمنع الأب من زيارة ابنه المحضون، أو عدم السماح له بمشاهدته، أو الحاضنة التي تسافر بالأطفال دون موافقة الأب، أو التي لا تهتم بالأطفال وتتركهم بدون رعاية.
وتابع القيسي "لا شك أن التعسف في استخدام الحق أمر غير جائز في الشرع والقانون على حد سواء، وقد يتعسف الحاضن فيُحرم المحضون من مشاهدة أبيه أو جده وجدته ويحمله على قطيعة رحمه، وهو أمر محرم شرعاً لأنه يضر بالمحضون نفسياً وكل ذلك يخالف الغاية العظمى من الحضانة، والهدف السامي لها وهو حفظ المحضون ورعايته ومراعاة مصالحه، فحق الرؤية والزيارة هو حق يشترك فيه المحضون وغير الحاضن من الأبوين لانَّ رؤية المحضون لأبويه ورؤيتهما له وزيارتهما له لهما أبلغ الأثر في توطيد أواصل الرحم والقرب والمحبة والمودة بين المحضون وأبويه، ومنع الأب غير الحاضن من رؤية المحضون ذنب عظيم وإثم كبير شرعاً، ينافي المقصد الأسمى منُ الحضانة وهو مراعاة مصلحة المحضون، وذلك لقوله تعالى: "لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده"، حيث تدل هذه الآية على أن االله نهى كل واحد من الأبوين عن الإضرار بالآخر باستغلال الطفل .ولعل منع أحد الأبوين من رؤية المحضون مِن أعظم الضرر الذي يدخل في هذا النهي."
وأشار القيسي إلى أنَّ قانون الأحوال الشخصية الأردني رقم (١٥ ) لسنة (٢٠١٩ ) وتعديلاته قد نظّم رؤية المحضون في المادة (١٨١ ) منه، وبموجب هذه المادة : يملك كل من الأب والأم الحق في مبيت المحضون بعد بلوغه السابعة من عمره لمدة( 5) ليالي متصلة أو متفرقة في الشهر الواحد، وفي حال لم يبلغ المحضون سن السابعة من عمره، يحق لكل من الأب أو الجد للأب في حال عدم وجود الأب رؤية المحضون واصطحابه مرة في الأسبوع، وكذلك التواصل معه عبر وسائل الاتصال المتوفرة، وللجدات والأجداد الحق في رؤية المحضون مرة في الشهر، وفي حال كان مكان إقامة الحاضن خارج الأردن، تحدد المحكمة المكان والزمان وكيفية مبيت المحضون ورؤيته، وذلك لمرة في السنة على الأقل، كما تُراعى مصلحة المحضون وسنه وكذلك مصلحة طرفي الدعوى، على ألا يمنع ذلك صاحب الحق في رؤيته واصطحابه من مكان إقامته، وفي حال كان الحاضن مقيمًا داخل الأردن، وصاحب حق الرؤية والمبيت خارجها، كما تحدد المحكمة عند حضوره للأردن مكان وزمان رؤية المحضون واصطحابه للمدة التي تقررها وتراها مناسبة، مع مراعاة سنه وظروفه، منوّهاً أنَّه في حالة منع الحاضن للأب أو القريب على النحو المبين في المادة (١٨١ ) من مشاهدة المحضون او اصطحابه، فقد عالجت هذه المسألة المادة (١٨٣) من قانون الأحوال الشخصية الأردني وعلى النحو التالي:
أ. إذا امتنع الحاضن عن تمكين المحكوم له من المبيت أو الرؤية أو الاستزارة أو الاصطحاب أو الاتصال بالمحضون دون عذر وتكرر تخلفه أو امتناعه بعد إنذار رئيس التنفيذ له جاز لقاضي الموضوع بناءً على الطلب إسقاط الحضانة مؤقتاً ونقلها إلى من يليه من أصحاب حق الحضانة ولمدة محدودة لا تزيد على سنة وبما يراعي مصلحة المحضون.
ب. على من انتقل إليه حق الحضانة مؤقتاً تنفيذ حكم المبيت أو الرؤية أو الاستزارة أو الاصطحاب أو الاتصال كأنه صادر بحقه.
وأكّد القيسي أنَّه في حالة عدم الاستجابة لقرارات المحكمة بمشاهدة الطرف غير الحاضن للمحضون فإنَّ قانون التنفيذ الشرعي لعام (٢٠١٣) وتعديلاته عالج هذه المسألة؛ وذلك في المادة (١٥) منه في فقرتها الأولى والتي نصت على أنه: على الرغم مما ورد في المادتين (13) و(14) من هذا القانون، يجوز حبس المحكوم عليه، إلى حين إذعانه، عند الامتناع عن تسليم الصغير أو عدم الالتزام بتنفيذ حكم الرؤية أو الاستزارة أو الاصطحاب وذلك بناء على طلب المحكوم له.
وختم القيسي حديثه قائلاً "تعكس قضية المشاهدة في قانون الأحوال الشخصية الأردني التزام المشرّع بحماية حقوق الأطفال وضمان علاقة صحيّة بين المحضون ووالديه أو أقاربه، من خلال إجراءات واضحة وعقوبات رادعة عند الإخلال بتنفيذ الأحكام، يسعى القانون إلى تقليل النزاعات العائلية وحماية مصلحة الطفل الفضلى."
وهنا يقف الكثير من المحكوم لصالحهم بقراراتٍ قانونيّة تفيد بحقهم القطعي في المشاهدة لأطفالهم، بالتأكيد، فبينما تُشكل هذه القوانين بصيص أمل للطرف غير الحاضن، إلا أنَّ تجارب الكثيرين تكشف بوضوح عن فجوة كبيرة بين نص القانون وواقع التطبيق عندما يتعلق الأمر بحقوق رؤية الطرف غير الحاضن لأطفاله، فهذه الفجوة ليست مجرد قصور إداري، بل هي انعكاس لتحديات أعمق تتطلب تضافر الجهود من جميع الأطراف المعنية؛ من القضاء إلى الأجهزة التنفيذية والمؤسسات الاجتماعية، فيجب أن يكون الهدف الأسمى هو ضمان تنفيذ هذه القوانين بفعالية، لتعزيز الروابط الأسريّة والحفاظ على النسيج الاجتماعي، فالمسؤولية تقع على عاتق الجميع لضمان أن لا تبقى العدالة حبرًا على ورق، بل واقعًا ملموسًا يُفيد الطفل والمجتمع بأسره، فأي خلل في هذه المنظومة لا يضر فقط بالطرف غير الحاضن، بل يترك آثارًا نفسية عميقة على الأبناء، الذين يجدون أنفسهم ضحايا لتجاهل قانوني وأسري واجتماعي، فمع وجود تشريعات تهدف إلى حماية حق الطرف غير الحاضن في رؤية أطفاله، فإن التحدي الحقيقي يكمن في إيجاد آليات فعالة تضمن تطبيق هذه القوانين دون معوقات، دون وجود أي ثغرات، فهناك الكثير من المؤشرات في هذا التقرير تدق ناقوس الخطر، وتدعو إلى مراجعة شاملة للإجراءات المتبعة.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
27-05-2025 02:25 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |