25-05-2025 09:37 AM
بقلم : د. عُريب هاني المومني
تسعة وسبعون عاماً مرّت على استقلال المملكة الأردنيّة الهاشميّة، وما زال هذا اليوم الوطنيّ يحمل في طيّاته معاني السيادة، والكرامة، والتضحيات التي خطّها الآباء المؤسّسون لبناء دولة القانون والمؤسّسات. وفي الوقت الذي نحتفل فيه بهذه الذكرى الخالدة، نجدُ أنفسنا أمام مرحلةٍ جديدة من الاستقلال، عنوانها الأبرز: التحوّل الرقميّ، والحقوق الرقميّة، والمشاركة المدنيّة في الفضاء الإلكترونيّ. إذ إنّ مفهوم الاستقلال في العصر الحديث لم يعد مُقتصراً على التحرّر من السيطرة الأجنبيّة المباشرة، بل بات يشمل قدرة الدولة على حماية فضائها السياديّ الرقميّ، ومواطنيها في الفضاء الإلكترونيّ، وضمان حريّة الرأي والتعبير في بيئةٍ رقميّةٍ آمنة.
منذ الاستقلال والأردن يسير بخُطى ثابتة نحو بناءِ نظامٍ سياسيّ قائمٍ على الشرعيّة الدستوريّة، ومؤسّسات الدولة، واحترام القانون. وقد تعزّز هذا المسار مع مرور العقود عبر التحديث السياسيّ والتشريعيّ، وتوسيع المشاركة السياسيّة، والانخراط في المنظومة الدوليّة لحقوق الإنسان.
وفي العصر الرقميّ باتت مسألة السيادة لا تقتصر على الأرض والحدود، بل تشملُ أيضاً حماية البيانات الوطنيّة، وضمان الأمن السيبرانيّ، ومكافحة التهديدات الرقميّة التي قد تمسّ بمصالحِ الدولة أو حقوقِ الأفراد. ففي زمن الحروب الإلكترونيّة، والاختراقات السيبرانيّة، والتضليل الرقميّ، أصبحت السيادة الرقميّة امتداداً طبيعيّاً لاستقلال الدولة، لا يقلّ أهميّةً عن السيادة التقليديّة.
ولعلّ أبرز ما يُميّز التجربة الأردنيّة هو إدراك الدولة بقيادتها الهاشميّة لأهميّة التوازن بين الأمن الوطنيّ وحقوق المواطنين الرقميّة. فمشاريع تحديث المنظومة السياسيّة، والإصلاحات التشريعيّة المتتالية، تعكس إيمان القيادة الهاشميّة والدولة بضرورة مواكبة متطلّبات العصر، دون المساسِ بالضمانات الدستوريّة.
وقد خطا الأردن خطوات مهمّة في هذا المجال، إذ قام بإنشاء المركز الوطنيّ للأمن السيبرانيّ، ووحدة الجرائم الإلكترونيّة في مديريّة الأمن العام، والمجلس الوطنيّ لتكنولوجيا المستقبل، إلى جانب تطوير تشريعات تتعلّق بحماية البيانات والجرائم الإلكترونيّة، إلّا أنّ الطريق لا يزال طويلاً لتعزيز الجاهزيّة الرقميّة، ورفع الوعي المجتمعيّ، وضمان توازن حقيقيّ بين متطلّبات الأمن من جهة، وحماية الحقوق والحريّات من جهة أخرى.
وفي كلّ محطّات البناء الوطنيّ، كان الشباب في مقدّمة الصفوف. واليوم، في الذكرى الـ79 للاستقلال، يبرز دورهم بشكلٍ أكبر في ظلّ التحوّل الرقميّ الذي غيّر آليّات المشاركة السياسيّة، وأساليب التعبير عن الرأيّ، وحتى أسواق العمل والاقتصاد.
وقد أكّد جلالة الملك عبد الله الثاني في مناسبات عديدة أنّ الشباب هم طاقة الوطن، ومحرّك تطوّره، وهم الأقدرُ على صناعةِ المستقبل. ولذا، فإنّ استقلال الأردن الرقميّ لا يكتمل إلا بتمكين شبابه، من خلال تطوير المهارات الرقميّة وريادة الأعمال التقنيّة، وتعزيز المشاركة الرقميّة في الشأن العام، وكذلك العمل على ضمان بيئة إلكترونيّة تحترم التنوّع وتحمي الحقوق.
إنّ احتفالنا بعيد الاستقلال ليس مُجرّد ذكرى وطنيّة عابرة، بل محطّة لتجديد العهد مع القيم التي تأسّس عليها الأردن: الحريّة، والعدالة، وكرامة الإنسان. واليوم في ظلّ التحوّلات الرقميّة، تتّسع معاني الاستقلال لتشملَ حماية حقوق المواطنين في الفضاء الرقميّ، وتمكينهم من أدوات المشاركة والتعبير والمعرفة. ومع إصرار الدولة الأردنيّة بقيادة جلالة الملك عبد الله الثاني على تمكين الشباب وتعزيز مكانتهم، نستطيع أن نؤمن بأنّ المستقبلَ سيكون أكثر إشراقاً، وأنّ الأردن سيبقى وطناً حُرّاً عصريّاً، مُتجذّراً في قيمه، ومُنفتحاً على آفاق التقدّم والإنجاز.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
25-05-2025 09:37 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |