حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الأحد ,28 أبريل, 2024 م
طباعة
  • المشاهدات: 3564

الكرامة .. التي استعادت الكرامة*

الكرامة .. التي استعادت الكرامة*

الكرامة  ..  التي استعادت الكرامة*

28-03-2024 10:43 AM

تعديل حجم الخط:

بقلم : المهندس عادل بصبوص
كان يوم الحادي والعشرين من شهر آذار لعام 1968 يوماً عصيباً شديد الوطأةِ عَلَيَّ ثقيلاً ملأني خوفاً ورعباً ... ذات المشاعر التي عشتها قبل تسعة شهور يوم اندلعت حرب الخامس من حزيران ... أصوات المدافع والإنفجارات ما زالت تتردد في مسمعي منذ ذلك الحين ... وها هي تداهمني من جديد ... ما الذي جرى ... أهم اليهود مرة أخرى ... أي سوء طالع هذا الذي يلاحقنا .... ما الذي يريدونه منا هذه المرة ...
نعم هم اليهود هذه المرة وربما مرات أخرى قادمة .... قواتهم المدرعة ودباباتهم تعبر الجسور إلى الضفة الأخرى من النهر مستهدفة قواعد للفدائيين هناك ... مهمة سريعة سهلة الإنجاز .... هكذا ظن أصحاب القرار لديهم ... ولا بأس بعد انجاز المهمة من التوجه إلى مرتفعات السلط واحتلالها وفرض شروط استسلام تام ومهين على القيادة الاردنية ....
لم أكن أدرك وقتها أهداف الحرب الخاطفة التي حاول المعتدون شنها على الأردن ولا تفاصيل المواجهات التي دارت في ذلك اليوم ... فقط هي مشاعر الخوف والرعب التي كانت تسيطر علي والتي سبق أن عايشتها وعرفتها جيداً .... كانت تصل إلى أسماعي بوضوح أصوات الإنفجارات التي لم تتوقف طوال اليوم ... وكان يزداد خوفي وفزعي من أزيز الطائرات التي كنت أشاهدها تحوم فوق الجبال الغربية المواجهة للمنطقة حيث كنا نقيم ..... حتى جهاز الراديو الذي كنت لا أفارقه معظم الوقت ... لم أفكر من فرط خوفي واضطرابي من الإستعانة به لمعرفة ما الذي كان يدور خلف تلك الجبال ....... عاشت البلاد برمتها في ذلك اليوم أجواء حرب حقيقية لم تنتهي إلا مع حلول الظلام ....
تَنَفَسْتُ الصعداءَ وعادت الطمأنينة والسكينة إلى نفسي عندما طلع النهار وانجلى غبار المعركة وانسحب الغزاة بذلة وانكسار هاربين بأرواحهم تاركين ورائهم معدات ودبابات لم يتمكنوا من سحبها .... نصر مؤزر توقف عنده التاريخ ملياً تحقق على أيدي الأبطال المدافعين ... فما الذي جرى في ذلك اليوم يا ترى ....
ملحمة بطولية خاضتها القوات المسلحة الأردنية التي كانت متواجدة في المنطقة والمرتفعات المحيطة بها ... كانت المعركة معركة جيوش نظامية ومدرعات ودبابات تمكن من خلالها الجيش العربي بشجاعة وبسالة نادرة من دحر الغزاة المعتدين وردهم على اعقابهم خاسرين .... وقد ساهم في تحقيق ذلك المقاتلون الفلسطينيون الذين كان معظمهم يتوق للثأر ممن تسبب بنكبتهم وشردهم واغتصب ديارهم ....... شهادة أكدها لاحقاً بطل معركة الكرامة وقائدها مشهور حديثة الجازي ... الذي خلده التاريخ بطلاً مقداماً وقائداً شجاعاً لتلك الملحمة البطولية الرائعة وكرمته جماهير الشعب الفلسطيني بإطلاق اسمه على مدرسة رئيسية في مدينة رام الله كبرى مدن الضفة الغربية ....
اعادت معركة الكرامة كرامة الامة التي هُدِرَتْ وضاعت في حرب حزيران قبل تسعة أشهر ... وأعادت الروح ليس للجيش والشعب في الأردن فقط بل للأمة العربية بأكملها .... كانت موقعة تاريخية امتزج فيها الدم الأردني بالدم الفلسطيني ... فقد قارب عدد الشهداء الذين سقطوا في المعركة من أفراد الجيش العربي حوالي (90) شهيداً توزعت أصولهم ومنابتهم ما بين مدن وقرى الأردن بضفتيه الشرقية والغربية .... إضافة إلى العشرات من الشهداء الآخرين الذين سقطوا من منظمات الفدائيين المختلفة ....
عاشت البلاد أجواء الإنتصار ونشوته .... فقد استطاع الجيش العربي بإمكانياته المحدودة تحطيم اسطورة الجيش الذي لا يقهر .... وسَطَّرَ ملاحم بطولة وفداء ما زال التاريخ يذكرها بكل عز وفخار .... سيبقى صوت ابن معان الشهيد الملازم أول خضر شكري يعقوب يتردد في الأسماع والأذهان وهو يأمر جنوده من خلال جهاز اللاسلكي بقصف الموقع الذي كان يتواجد فيه لإيقاع أكبر الخسائر بالقوات المعادية التي اقتحمت ذلك الموقع .... ( إلى واحد واحد .... الهدف موقعي ..... اشهد ان لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله .... إرمي ... إرمي ) .....
قام الجيش العربي لاحقاً بعرض الدبابات والمعدات التي غَنِمَها في الساحة المجاورة لمبنى أمانة العاصمة قرب المدرج الروماني في وسط العاصمة عمان .... وبالتزامن مع ذلك قامت المنظمات الفدائية بتنظيم مسيرات ومهرجانات احتفالاً بالنصر .... تمكنت خلالها حركة فتح كبرى المنظمات الفلسطينية من الإستحواذ على معظم المشهد وأن تُشيعَ في مختلف الأوساط وخاصة لدى اللاجئين والنازحين ... انها كانت سبباً رئيسياً من أسباب تحقيق النصر ودحر المعتدي .... وأن التحرير لن يتحقق إلا بإتباع أسلوب حرب العصابات الذي كان ينتهجه في ذلك الوقت بنجاح كبير المقاتلون الفيتناميون في مواجهة القوات الامريكية الغازية .... طَرْحٌ لَقِيَّ ترحيباً وقبولاً من مئاتٍ بل ألوفٍ من الشباب الذين اندفعوا إثرَ ذلك للإلتحاق بصفوف هذه الحركة ومنظمات فلسطينية أخرى .... حتى غدت المقاومة الفلسطينية في نظر الكثيرين في ذلك الوقت الأمل المرتجى لإستعادة الأرض وهزيمة الأعداء ... حماسٌ وتفاؤلٌ وأملٌ ساد الشارع العربي عبر عنه الشعراء والفنانون بقصائد وأغانٍ لاقت انتشاراً وشعبية لافتة ... فغنت أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب من شعر نزار قباني ثنائية "أصبح عندي الآن بندقية .... إلى فلسطين خذوني معكم ... إلى ربى حزينة كوجه المجدلية ..." وغنى عبد الحليم حافظ أغنية "فدائي فدائي فدائي ... اهدي العروبة دمائي .... واموت أعيش ما يهمنيش ...." كما غنت فيروز رائعة الأخوين رحباني "جسر العودة" ....

*: من كتاب "دورا سلوان وادي السير وبالعكس"


لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "فيسبوك" : إضغط هنا

لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "تيك توك" : إضغط هنا

لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "يوتيوب" : إضغط هنا






طباعة
  • المشاهدات: 3564
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
28-03-2024 10:43 AM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
برأيك.. هل تكشف استقالة رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية وصول الردع الإسرائيلي لحافة الانهيار ؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم