حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الإثنين ,7 يوليو, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 3498

الهجرة إلى الطابق الخامس ..

الهجرة إلى الطابق الخامس ..

الهجرة إلى الطابق الخامس  ..

17-12-2022 10:13 AM

تعديل حجم الخط:

بقلم : المهندس عادل بصبوص
دخلت مكتبي على عجل تناولت ورقة بيضاء كتبت استقالتي بخط اليد لم أطبعها على الكمبيوتر ولم أُكلف السكرتيرة بذلك ثنيتها بعناية ووضعتها في جيبي ... سحبت الكرسي باتجاه النافذة ... جلست أرقب الداخلين إلى المبنى ... طلبت فنجان القهوة الوسط الذي اعتدت تناوله كل صباح ... عادة اكتسبتها منذ دخولي الوزارة قبل ثلاثة عشر عاماً ... لم أكن أشرب القهوة قبلها ... جاءت القهوة شربتها على مهل ... تصفحت جريدة الرأي بعد ذلك .... دخلت السكرتيرة حاملة ملف البريد ... تناولته منها ووضعته جانباً ...

أخرجت كتاب الاستقالة من جيبي ... فتحته أعدت قراءته مجدداً ... كان مباشراً مقتضباً يتكون من بضع عشرة كلمة مذيلاً بالتحية الختامية ثم اسمي الثلاثي وتوقيعي ثم تاريخ ذلك اليوم الذي كان يصادف السابع عشر من تموز عام 2011.

ثنيت الكتاب وضعته في جيبي غادرت المكتب وتوجهت للطابق الخامس ... قصدت مكتب سحر الخليلي المسؤولة عن بريد الوزير والأمين العام ... ناولتها الورقة قَرَأَتْها رفعت حاجبيها باستغراب .... أَسْرِعْتُ بالمغادرة قبل أن تبادر بالسؤال ...
عدت أدراجي إلى المكتب .... حاولت تجنب الحديث إلى أي من الموظفين ... قابلتني السكرتيرة على الباب ... سألتني مالك أبو نزار في إشي ... يبدو أن ملامح وجهي كانت تشي بالكثير ... لا لا ما في شي ... أجبت باقتضاب ...

لم أجلس على مكتبي سوى دقائق قليلة حتى رنَّ جرس التلفون المباشر لتبلغني سكرتيرة الأمين العام بأن عطوفته يطلبني للمحادثة ....
استقبلني الأمين العام باسماً وقال مازحاً وأخيراً بدك تستقيل هذا اللي بدنا اياه من زمان .... خلص موافقين ...
كان الحوار قصيراً أبلغته أن الموضوع ليس مجرد تكتيك أو مناورة هو قرار نهائي فلا يمكنني أن أنفذ برنامجاً رئيسياً بهذا الحجم مع عدم قناعتي بجدوى تنفيذه ... زي ما بدك رد الأمين ثم أضاف سأرفع الموضوع لمعالي الوزير ....

جلست في مكتبي ساهماً فلا بد أن الوزير سيطلبني بعد قليل ... كنت أخشى مواجهة الوزير في هذا الأمر ... فقد كنت أحب الرجل وأحترمه لتعامله الراقي ومهنيته العالية وللمعاملة الحسنة والتقدير الذي كنت ألقاه منه ... ولمعروفٍ شخصي طوق به عنقي قبل أشهر قليلة فقط .... كان دمثاً هادئاً بشوشاً دائم الابتسام ولكنه كان حازماً صارماً شديداً أيضاً عندما يتطلب الأمر ذلك ...

سرحت بذهني قليلاً ولا أدري لماذا خَطرت على بالي بعض من تفاصيل رحلتي الأخيرة قبل أسابيع مع معالي أبو جاد وهذه كنيته .... يومها توجهنا إلى محافظة الطفيلة ... كانت الرحلة تشمل زيارة جمعية خيرية تَرْأَسُها النائب د. أمل الرفوع يتم خلالها توقيع اتفاقية لتمويل مشروع للجمعية ... لم يبقى على وصولنا إلى الطفيلة سوى القليل من الوقت عندما اكتشفت أنني قد نسيت نُسَخ الاتفاقية في عمان .... أية غلطة غبية هذه ... ماذا سأقول للوزير عندما نصل ويطلبها للتوقيع ... كيف سيكون موقفي أمامه كيف سأستوعب غضبه وردة فعله أمام الآخرين ... كان الوقت يمر بسرعة ... لم تكن تقنيات الاتصال وتبادل المعلومات والبيانات متطورة جداً كما هي اليوم ... اتصلت بمكتبي فوراً ... تباً السكرتيرة لا ترد على الهاتف ... هاتفت إحدى الموظفات وطلبت منها إن تفتح جهاز الكمبيوتر الخاص بي ... وتستخرج منه ملف الاتفاقية وتقوم بإرسالها بالبريد الالكتروني إلى مكتب مراكز "إرادة" التابع لنا في مدينة الطفيلة وتطلب منهم أن يطبعوا نسختين اثنتين منها وأن يتأكدوا من طباعتها بالشكل الملائم ...

وصلنا الطفيلة توجهنا إلى مكان الاجتماع وتوقيع الاتفاقية ... رافقتُ الوزير إلى الداخل فيما توجه زميلي المرحوم محمد العضايلة مسرعاً إلى موقع آخر في المدينة حيث مكتب "إرادة" لإحضار الاتفاقية .... أخذنا أماكننا في القاعة الفسيحة تبادل الوزير والنائب خطابات الترحيب والمجاملة ثم بدأت النائب بالحديث عن الجمعية ونشاطاتها ... الوقت يمضي بسرعة ودقات قلبي تتسارع ... ما العمل ... ليس لي من خيار إلا مشاغلة الحضور بطرح أسئلة واستفسارات لاستهلاك وهدر المزيد من الوقت ... كنت محظوظاً ساعتها فقد وُفِقتُ في ذلك ... فما أن ختمت النائب كلامها وانتهى النقاش حتى كان طيب الذكر المرحوم أبو حمزه يدخل القاعة حاملاً نُسْخَتَيِّ الاتفاقية بيديه ....

قطع حبل أفكاري هاتف مكتب الوزير يطلبني في الحال ... دخلتُ مكتبه الواسع ليستقبلني بانفعال وغضب ... حاولت قدر الإمكان أن أشرح أو أبرر سبب الاستقالة ... إلا أنه صرخ في وجهي قائلا هذه منتهى السلبية انت ما بدك تشتغل ... لُذْتُ عندها بالصمت ... سألني بعدها وقد بدأ يستعيد شيئاً من الهدوء ... من كل عقلك بدك تستقيل ... أومأت برأسي بالموافقة ...

كان واقفاً أمامي في وسط الغرفة ... عاد وجلس على مكتبه وقال ماشي ... ما بدك تظل مدير للبرنامج ... بحترم قرارك ... بس ما في استقالة ... بنحطك مستشار ... بس مستشار يشتغل ... ذهلت من الطرح ومن المفاجأة ... وبادرت للسؤال شو يشتغل ... أجاب مفتش ومقيم لمشاريع وأنشطة البرنامج ...ثم أضاف بدنا تشوف وين أخطأنا وين نجحنا هذا بفيدنا في إعادة توجيه البرنامج ... بدا لي الطرح معقولاً ومقنعاً ... لم لا قلت في نفسي ... ثم أجبت الوزير على الفور حاضر تؤمر معاليك ....

كان بإمكان الوزير أن ينهي القضية فوراً بقبول الاستقالة ... ولكنه اختار غير ذلك ... هل أَشْفَقَ عَلَيَّ من تبعات قرار رآه متسرعاً وغير مدروس ... أم رَغِبَ في عدم التفريط بموظف وجد فيه الكفاءة والإخلاص في العمل ... أم كلاهما ... أم غير ذلك ... لست أدري ... ما أذكره على وجه اليقين وقد مر على الحادثة أكثر من أحد عشر عاماً ... أن الوزير بخطوته تلك قد ترك في نفسي وقتها الكثير من مشاعر الامتنان والتقدير ....

خرجت من مكتب الوزير وقد زال عني القلق والتوتر ... نزلت سريعاً إلى الوحدة طلبت من السكرتيرة أن تطلب الموظفين إلى غرفة الاجتماعات ...
بدأت بمقدمة عاطفية أَشدتُ من خلالها بتعاون الزملاء والزميلات طيلة فترة السنوات الأربع التي قضيتها مديراً للبرنامج ... وقلت لهم لا شيء ثابت في هذه الدنيا ... لا بل الثابت الوحيد هو التغيير ... واخبرتهم بأنني سأترك إدارة البرنامج لزميل سوف يتم تعيينه لاحقاً ... وسوف أتفرغ لمهمة تقييم مشاريع وأنشطة البرنامج السابقة ... كانت الخبر مفاجأة كبيرة للجميع ... سارة جداً لبعضهم ... فيما كانت غير ذلك للبعض الآخر .. صدر بعد يومين تعميم إداري تم بموجبه تعييني مستشاراً للعمل كمفتش ومقيم لمشاريع برنامج تعزيز الانتاجية الاقتصادية فيما تم تعيين المرحوم المهندس محمد العضايله مديراً للبرنامج بالوكالة ... على أن يبدأ تنفيذ القرار بعد عشرة أيام ...

ما أن دخل القرار حيز التنفيذ حتى بدأت مفاعيله بالظهور شيئاً فشيئاً ... لم أعد ذلك الشخص الذي كان محل اهتمام الجميع في الوحدة ... لا بل إن بعض الموظفين الذين سرهم القرار قد بدأوا بالتجاهل المتعمد لوجودي بينهم في الطابق الثالث ... بقيت في المكتب الواسع لمدير البرنامج والملحقة به غرفة السكرتيرة ... كان علي أن أترك المكتب للمدير الجديد ... تلكأت في ذلك بضعة أيام ... إلى أن طلب مني الأمين العام أن نتبادل المكاتب أنا والمدير الجديد ... يا الله سأترك مكتبي الواسع وانتقل إلى غرفة صغيرة نسبياً ... آلمني ذلك بعض الشيء لأنه سَيُشًمِتُ بي خصوماً وكارهين من داخل الوحدة ومن خارجها ... ولكنه جزء من الثمن الذي كان علي أن أدفعه نظير قرار أخذته بكامل وعيي ولست بنادم عليه ... والأمر لن يتوقف على ترك المكتب فقط فهناك امتيازات كثيرة مادية ومعنوية سوف تتوقف ...

أَرَّقني كثيراً موضوع الانتقال إلى مكتب صغير ضمن نفس الوحدة ... قبل أن تخطر على بالي فكرة رأيتها رائعة إن تحققت ... كان الطابق الخامس مقتصراً على الوزير والأمين العام وسكرتيرة كل منهما فيما كانت هناك غرفة فارغة فيها خزانة ملفات ... ماذا لو طلبت الانتقال اليها ... لن يوافق الأمين العام قطعاً .... سوف يتذرع لي بالعديد من الأسباب والذرائع .... ليس لي إلا معالي الوزير ...
انتظرت حتى صباح اليوم التالي .... وما أن علمتُ بوصول الوزير حتى صعدت إلى مكتبه وطلبت الإذن بالدخول عليه .... وعندما طرحت الفكرة عليه وافق على الفور ... لأخرج من مكتبه فأدخل مكتب الأمين العام قائلاً ... لقد استأذنت معالي الوزير بالانتقال إلى المكتب الشاغر مقابل غرفة الاجتماعات فأَذِنَ لي ....
أهلا وسهلاً جار ... قالها الأمين العام بامتعاض ....








طباعة
  • المشاهدات: 3498
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
17-12-2022 10:13 AM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
ما رأيك بأداء وزارة الاستثمار برئاسة مثنى الغرايبة؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم