حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الإثنين ,7 يوليو, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 6949

تدريس الفلسفة والشخصيّات الفلسفيّة الواهِمة – بوذا أنموذجًا

تدريس الفلسفة والشخصيّات الفلسفيّة الواهِمة – بوذا أنموذجًا

تدريس الفلسفة والشخصيّات الفلسفيّة الواهِمة – بوذا أنموذجًا

12-12-2022 01:36 PM

تعديل حجم الخط:

بقلم :
هذا مقالي الثالثُ في هذا الشأن، وبداءةَ ذي بدء أؤكِّد أنّي لستُ ابنَ خلدون مُناوِئًا الفلسفة، ولا الغزاليَّ مناهضًا عنها في تهافُت الفلاسفة، ولا حتّى ابن رشد مُجادلًا لها في تهافُت تهافُت الفلاسفة؛ ذلك لاعتقاديّ أنّ المشتغِلين في مجال الفلسفة قد اشتطّوا في شأنها شأوًا بعيدًا؛ فراحوا ينظرون إليها بمُقلة غطىى عليها من الوهْم الضّليل حِجاب، فُخُيِّلَ إليهم أنّها قطب الرحى في بناء عقول الأجيال، وبؤرة المنتهى في رسْم شخصيّة التلامِذةِ المتعلّمين، وأنّها رِكاز النهضة وعَصَب التقدُّم، ومحرّك عجلة الرقيّ والتّحضُّر، ونافذة الانفتاح العالميّ وبوّابة الفضاء الكونيّ، ومقدح الفِكر والتمدُّن، وزناد التَّعَقُّل والمَنْطَقَة، وحلّالة العُقَد والمشكلات، ومُحقّقة الرُّؤى والطّموحات، بل هي عندهم قنديل علاء الدين لتحقيق الآمال والأمنِيّات، ومَنْ تمسّك بعُراها أمِن وسلم، ومَن اعتلى ركِابها بطر وغنم.


ولستُ أدري حين أقرّ مجلس التربية والتعليم الموقّر الإطار العامّ لمبحث الدراسات الاجتماعيّة ومعاييرها ونتاجات تعلُّمها ومؤشّرات أدائها، بناءً على تنسيب المجلس الأعلى للمركز الوطنيّ لتطوير المناهج المبجّل - لستُ أدري درايةَ العارفين أنْ كيف أقرَّها هذان المجلسانِ ومن قبلهما المجلس التنفيذيّ للمركز الوطنيّ لتطوير المناهج جزءًا من هذا الإطار مُذيَّلًا به، مع أنّني تساءلتُ في مقال سابق: أيّ صلة تلك التي تجعل الفلسفة جزءًا لا يتجزّأ من الدراسات الاجتماعيّة حتّى يحتضنها جميعها إطار واحد تحت مسمّى مبحث الدراسات الاجتماعيّة: تاريخًا وجغرافيا وتربية وطنيّة؟!


دعْ عنك ذا، يا صاحِ، وأبْحِر معي إبْحار الماهرين إلى أسبار ما هو أمرّ وأدهى، إلى حيث شخصيّة من عدّة شخصيّات تسعى الفلسفة جاهدةً إلى تعريف طلبتنا بها، إنّها شخصيّة (بوذا) يا صاحِ، وفقَ ما جاء في إطار مبحث الدراسات الاجتماعية السّالف ذكرُه، فتساءَلْ معي ههُنا ولا عجبَ: أيّة شخصيّة تلك التي سيكتسبُ غورَها طلبتُنا مِن تَعرُّف شخصية تُدعى (بوذا)؟ هذه الشخصيّة التي جعلها الإطار العامّ لمبحث الدراسات الاجتماعيّة من الشخصيّات الفلسفيّة التي سيدرسها الطلبة في محور شخصيّات فلسفيّة بارزة، ونحسب جلَّها بائسة( انظر ما جاء في الصفحة الرابعة والثمانين (84) والصفحة الثانية عشرة بعد المئة (112)) إلى جوار متفلسفين آخرين، و متفلسِفات أخريات، أمثال: هيباتا وأخوات فيثاغورس ومَنْ لفّ لفَّهنّ. فهل سيتخذ طلبتنا هذه الشخصيّة – مثلًا – "سِدهارتا غوتاما بوذا" مثلَهم الأعلى ومُقتداهم الأسمى في سيرتهم وسيرورتهم؟

وما الفكر التنويريّ الذي سيستنير به الطلبة من هذه الشخصيّة ذات التأمُّليّة المزعومة والمحفوفة بالأساطير، تلك الشخصيّة التي لا تؤمن بأنّ للكون خالقًا وتؤمن بتعدّد الآلهة؟! وما الفكر الفلسفيّ الذي سيعود بالنَّفْع الوفير على طلبتنا من دراسة مثل هذه الشخصيّة؟ ومن العجيب أنّ الوثيقة المرجعيّة للإطار العامّ للمبحث الدراسات الاجتماعيّة تبدو مسكونةً مهووسةً بهذه الشخصيّة لدرجة أنّها وصفتْ (بوذا) بأنّها شخصيّة بارزة (انظر ص 48). وقد تمثّل النتاج التعليميّ بحسب ما ورد في الإطار العامّ من وراء دراسة تلك الشخصيّة في أنْ يتعرّف تلك الشخصيّة – مع شخصيّات عربيّة أمثال ابن رشد، فعَلامَ سيتعرّف طلبتنا أيهُّذا الإطار النّبيل في هذا الصّدد؟ أيتعرّف إلى أنّ (بوذا) كان نبيًّا يتلقّى الوحي من السّماء، أمّ أنّه صاحب رسالة وديانة سماويّة سمحة؟


هل سيحقّق الإطار العامّ لمبحث الدّراسات الاجتماعيّة نتاجه في حثِّ طلبتنا على قيادة حركات تمرّد تأثُّرًا بالشخصيّة المطروحة (بوذا) فتشجّعهم على السّعي نحو تناسُخ الأرواح وتشكُّلها، والانعزال بعيدًا بحثًا عن الخلاص الفرديّ كما يزعم البوذيّون ذلك في فلسفتهم العلمانيّة؟! أمْ أنّه – أي الإطار العامّ – يرنو إلى تخريج جيل من الشباب خَنوعٍ رَكوعٍ مُسالِمٍ متشرِّبًا تعاليمَ بوذا وأتباعه؛ أولئك الذين يروْن الجنود حين يُقْتَلون في المعارك والحروب يذهبون إلى الجحيم وبئس المصير، بل يرى البوذيّون أنّه حتّى الدّفاع عن النّفس يُعَدّ خطأ أو خطيئة... .


إذنْ إذا سُلِبْتَ، يا صاحِ ،ولو بالقوّةِ حقًّا لك مشروعًا فتنازلْ عنه وزدْ عليه آخرَ وآخرَ، وحذارِ، حذارِ، أنْ تُطالِب ولو بصوت خافت، لا تدافِع لا تنافِحْ... واعجبي! وإنّه ليذكّرني بقائمة منشورات وزارة الثقافة الأردنيّة ذات عام، تلك القائمة التي حَوَت في ما حَوَتْه "إصدارات مكتبة الأسرة" من كتب لا تقلّ عن وحْل بوذا وأوهامه، إنّه (زرادشت) المغرَم به حتّى الثّمالة (نيتشه) في كتابه " هكذا تكلّم زرادشت"، وهو في عُرْف وزارة الثقافة فِكْرٌ وحضارة... فإنْ نجوْتَ يا صاحِ من زفير بوذا في ميادين وزارة التربية والتعليم أصابك شهيق زرادشت في باحات وزارة الثقافة.... فلا تبتئس يا صاحِ؛ لعلّه أدبٌ لُباب، يكون به لنا ولكم في مستقبل جذلٍ نصابٌ، وفي ذا لا تعاتب وما نحيرُ سوى عتاب ولكنْ لا ندري لمن العتاب.


أكتفي بهذا القدْر وفيه كفاية، ولو أردت لزدت. وفي مقالي الرّابع القادم سأتناول - بمشيئة الله تعالى – المنطلقات الفكريّة لبعض الفِرَق الكلاميّة (المرجئة، والمعتزلة، والأشعريّة، والجبريّة) الّتي وردت في الإطار العامّ لمبحث الدراسات الاجتماعيّة ومعاييرها ونتاجات تعلُّمها ومؤشّرات أدائها على أنّها محورٌ للفلسفة العربيّة الإسلاميّة.








طباعة
  • المشاهدات: 6949
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
12-12-2022 01:36 PM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
ما رأيك بأداء وزارة الاستثمار برئاسة مثنى الغرايبة؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم