حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الجمعة ,29 مارس, 2024 م
طباعة
  • المشاهدات: 1753

جدلية علاقة الإنسان بالتاريخ في رواية «حديقة صلصة يوتانغ»

جدلية علاقة الإنسان بالتاريخ في رواية «حديقة صلصة يوتانغ»

جدلية علاقة الإنسان بالتاريخ في رواية «حديقة صلصة يوتانغ»

18-09-2022 08:56 AM

تعديل حجم الخط:

سرايا - لعلَّ ما تتمتع به الرِّواية التاريخية من شعبية وتقدير كبيرين لدى القرَّاء، لا يعود لما تُقدمه لهم من معلومات عن وقائع أو مرحلة تاريخية معينة، فلو كان هذا فقط ما يبتغيه القارئ، لكان من الأسهل عليه أن يجد ضالته في كتب التاريخ، إلَّا أنَّ شعبية الرواية التاريخية تكمنُ في استعراضها للحدث التاريخي الحقيقي، مؤطَّراً بهذا الجنس الأدبي الجذاب والممتع، بحيث يستلهم الروائي التاريخ بأمانة ودون أي تزييف، مبرزاً تلك الوقائع والأحداث الحقيقية، ضمن الحدث الروائي المتخيل.

في موقع تلك الكتب الصيني، ومن خلال ما اصطُلح على تسميته بأدب الإنترنت، والذي لاقى خلال العقود الثلاثة الأخيرة رواجاً كبيراً على المواقع الإلكترونية الصينية، تبرز رواية «حديقة صلصة يوتانغ» والتي تستعرض بنسيج روائي مُحكم ومتفرِّد، وبسرد ليِّن آسر، المرحلة التاريخية التي تَلتْ ثورة شينغهاي عام (1911)، وسقوط سلالة تشينغ، آخر السلالات الإمبراطورية التقليدية التي حكمتْ الصين، وقيام جمهورية الصين الأولى على أنقاض تلك الإمبراطورية المتهالكة، حيث عاش الصينيون في تلك الحقبة وعلى مدار ما يقارب أربعة عقود، سبقت قيام جمهورية الصين الشعبية، حالة من الاضطرابات الشعبية، والتمزق والانقسامات السياسية بتوجهاتها وولاءاتها الفكرية المختلفة، وكانت الصين خلال تلك الفترة عرضة لتدخلات وإملاءات القوى الاستعمارية، والتي كانت تتعامل مع الصين باستخفاف على أنها بلاد مريضة متخلفة عن ركب الحضارة الحديثة، وترى فيها فريسة سهلة، حيث تحاول كلُّ دولة نهب ما استطاعت من مقدَّرات الشعب الصيني.

من خلال أسرة «صون ياوزو» وريث مؤسسة «حديقة صلصة يوتانغ» التي أُسِّسَت في العام (1714)، والذي وصلتْ إليه عبر ستة أجيال من عائلته توارثوا المهنة، وعملوا وأبدعوا في خلق كلِّ ما هو مبتكر ومميز في صناعة وتجارة المواد الغذائية، من مخلالات وصلصات وسواها، هذه العائلة التي حافظت لقرون على هذا الشِّق من التراث الثقافي الصيني، يصور لنا الروائي الصيني «تشانغ قيشين» الذي يَنشر تحت اسم مستعار «عشق في القصور الحمراء» حالة الفساد السياسي والإداري، وانتشار المحسوبيات والرشاوي بين القيادات الحكومية، وإثقال كاهل المواطنين وطبقة البرجوازيين بما لا طاقة لهم به من ضرائب وأتاوات، كذلك من خلال شخصية الابن الشاب «صون جينفينغ» يستعرض الكاتب أحوال الشباب الصيني المُتنوِّر والمثقف والمُشبع بالأفكار الثورية في تلك الفترة، والرافض لممارسات الحكومة الفاسدة، والمنتقد لحالة التشرذم التي تعيشها البلاد، وإذعان الحكومة لإملاءات الدول الاستعمارية الكبرى، حيث سينظم الشباب المتنوِّر عديد المظاهرات الاحتجاجية في الجامعات، والساحات العامة، وسينخرط «صون جينفينغ» في صفوف الثوار، الأمر الذي سيؤدي إلى اعتقاله مع العديد من زملائه، غير إنَّه وبفضل علاقات والده مع المتنفذين في الدولة، سيتمكن الوالد من إخراجه من السجن، وهنا يبيِّن لنا الكاتب، كيف تستثمر القيادات الأمنية الأمر حين يقع بين أيديهم أبناء رؤوس الأموال، فيفرجون عنهم مقابل تقاضيهم لرشاو بأرقام كبيرة، كذلك مخاوف الأب «صون ياوزو» على ابنه، ومما يمكن أن يتسبَّب به انخراطه في صفوف الثوار من أضرار بمصالح أسرته.

سوف تُكلَّف أسرة «صون ياوزو» من قبل الحكومة الصينية، بالمشاركة باسم الصين في معرض إكسبو بنما، الذي أقيم في سان فرانسيسكو بالولايات المتحدة سنة (1915)، ويتم تحميل الأسرة كافة مصاريف الرحلة من قبل المسؤولين الفاسدين، وهنا سيجد الأب صون البرجوازي المتمسك بقيمه الوطنية الصادقة، في ذلك فرصة لإبراز دور الصين الحضاري الأصيل، في هذا المعرض الذي تقدم فيه كبرى الدول في العالم آخر ما توصلت له من ابتكارات علمية، وكله إيمان بأنَّ الثقافة الصينية العريقة الضاربة في عمق التاريخ، والمتجددة بما تقدمه من منتجات، قادرة على المنافسة، حيث سيرسل ابنه على رأس الرحلة، هذا الأخير الذي سيتمكن بفضل روحه الوطنية، وإيمانه بهويته وقدرته على انتزاع احترام الجميع، واقرارهم بقدرته. وكان الروائي أراد أن يقول، لن يؤمن بك أحد إذا لم تكن مؤمنًا بنفسك وبهويتك قبل كل شيء.

لقد استطاع الابن تحقيق النجاح تلو النجاح وربما كان هذا الإصرار هو البذرة التي حملها كل من مشوا في نفس طريقه، إلى أن استطاعوا الفوز بستِّ ميداليات ذهبية في معرض إكسبو بنما.

الرواية غنية بالكثير من الأحداث المثيرة والشائقة، غير إنَّ أكثر ما ميزها، هو براعة الروائي «تشانغ قيشين» بإبراز كل ما هو جوهري في علاقة الإنسان بالتاريخ وبالزمان والمكان.
 


لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "فيسبوك" : إضغط هنا

لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "تيك توك" : إضغط هنا

لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "يوتيوب" : إضغط هنا






طباعة
  • المشاهدات: 1753

إقرأ أيضا

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم