18-09-2022 08:56 AM
سرايا - لعلَّ ما تتمتع به الرِّواية التاريخية من شعبية وتقدير كبيرين لدى القرَّاء، لا يعود لما تُقدمه لهم من معلومات عن وقائع أو مرحلة تاريخية معينة، فلو كان هذا فقط ما يبتغيه القارئ، لكان من الأسهل عليه أن يجد ضالته في كتب التاريخ، إلَّا أنَّ شعبية الرواية التاريخية تكمنُ في استعراضها للحدث التاريخي الحقيقي، مؤطَّراً بهذا الجنس الأدبي الجذاب والممتع، بحيث يستلهم الروائي التاريخ بأمانة ودون أي تزييف، مبرزاً تلك الوقائع والأحداث الحقيقية، ضمن الحدث الروائي المتخيل.
في موقع تلك الكتب الصيني، ومن خلال ما اصطُلح على تسميته بأدب الإنترنت، والذي لاقى خلال العقود الثلاثة الأخيرة رواجاً كبيراً على المواقع الإلكترونية الصينية، تبرز رواية «حديقة صلصة يوتانغ» والتي تستعرض بنسيج روائي مُحكم ومتفرِّد، وبسرد ليِّن آسر، المرحلة التاريخية التي تَلتْ ثورة شينغهاي عام (1911)، وسقوط سلالة تشينغ، آخر السلالات الإمبراطورية التقليدية التي حكمتْ الصين، وقيام جمهورية الصين الأولى على أنقاض تلك الإمبراطورية المتهالكة، حيث عاش الصينيون في تلك الحقبة وعلى مدار ما يقارب أربعة عقود، سبقت قيام جمهورية الصين الشعبية، حالة من الاضطرابات الشعبية، والتمزق والانقسامات السياسية بتوجهاتها وولاءاتها الفكرية المختلفة، وكانت الصين خلال تلك الفترة عرضة لتدخلات وإملاءات القوى الاستعمارية، والتي كانت تتعامل مع الصين باستخفاف على أنها بلاد مريضة متخلفة عن ركب الحضارة الحديثة، وترى فيها فريسة سهلة، حيث تحاول كلُّ دولة نهب ما استطاعت من مقدَّرات الشعب الصيني.
من خلال أسرة «صون ياوزو» وريث مؤسسة «حديقة صلصة يوتانغ» التي أُسِّسَت في العام (1714)، والذي وصلتْ إليه عبر ستة أجيال من عائلته توارثوا المهنة، وعملوا وأبدعوا في خلق كلِّ ما هو مبتكر ومميز في صناعة وتجارة المواد الغذائية، من مخلالات وصلصات وسواها، هذه العائلة التي حافظت لقرون على هذا الشِّق من التراث الثقافي الصيني، يصور لنا الروائي الصيني «تشانغ قيشين» الذي يَنشر تحت اسم مستعار «عشق في القصور الحمراء» حالة الفساد السياسي والإداري، وانتشار المحسوبيات والرشاوي بين القيادات الحكومية، وإثقال كاهل المواطنين وطبقة البرجوازيين بما لا طاقة لهم به من ضرائب وأتاوات، كذلك من خلال شخصية الابن الشاب «صون جينفينغ» يستعرض الكاتب أحوال الشباب الصيني المُتنوِّر والمثقف والمُشبع بالأفكار الثورية في تلك الفترة، والرافض لممارسات الحكومة الفاسدة، والمنتقد لحالة التشرذم التي تعيشها البلاد، وإذعان الحكومة لإملاءات الدول الاستعمارية الكبرى، حيث سينظم الشباب المتنوِّر عديد المظاهرات الاحتجاجية في الجامعات، والساحات العامة، وسينخرط «صون جينفينغ» في صفوف الثوار، الأمر الذي سيؤدي إلى اعتقاله مع العديد من زملائه، غير إنَّه وبفضل علاقات والده مع المتنفذين في الدولة، سيتمكن الوالد من إخراجه من السجن، وهنا يبيِّن لنا الكاتب، كيف تستثمر القيادات الأمنية الأمر حين يقع بين أيديهم أبناء رؤوس الأموال، فيفرجون عنهم مقابل تقاضيهم لرشاو بأرقام كبيرة، كذلك مخاوف الأب «صون ياوزو» على ابنه، ومما يمكن أن يتسبَّب به انخراطه في صفوف الثوار من أضرار بمصالح أسرته.
لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "فيسبوك" : إضغط هنا
لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "تيك توك" : إضغط هنا
لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "يوتيوب" : إضغط هنا