25-12-2025 09:22 AM
بقلم : ضيف الله الجهالين
ليس كل فقيرٍ من يمدّ يده، ولا كل محتاجٍ من يُظهر حاجته. فبين الناس فئةٌ عظيمة عند الله، خفيّة عن العيون، لا تسأل الناس إلحافًا، ولا تشكو ضيقها إلا لربّها. أولئك هم أهل الفقر الصامت.
قال الله تعالى:
﴿يَحْسَبُهُمُ الجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ﴾
آيةٌ تختصر حال عائلاتٍ تعيش بالكفاف، تتعفف عن السؤال، وتصون كرامتها بالصبر، وتستر فقرها بالرضا.
في بيوتٍ كثيرة، يُقاس الرزق بالبركة لا بالكثرة، وتُؤجَّل الحاجات حتى إشعارٍ آخر، ويُربَّى الأبناء على القناعة قبل الرفاه. آباءٌ يعملون بما تيسّر، وأمهاتٌ يدبّرن القليل بحمدٍ لا ينقطع، وأطفالٌ يتعلّمون مبكرًا معنى الصبر.
هؤلاء لا تلتقطهم عدسات الحملات، ولا تصل إليهم أوراق المساعدات، لأنهم ببساطة لا يطلبون. ليس تكبّرًا، بل امتثالًا لخلقٍ نبيل، وخوفًا من أن تُمسّ كرامتهم أو يُكسر خاطرهم.
قال النبي ﷺ:
"لَيْسَ الْمِسْكِينُ الَّذِي يَطُوفُ عَلَى النَّاسِ فَتَرُدُّهُ اللُّقْمَةُ وَاللُّقْمَتَانِ، وَالتَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَانِ، وَلَكِنَّ الْمِسْكِينَ الَّذِي لاَ يَجِدُ غِنًى يُغْنِيهِ، وَلاَ يُفْطَنُ لَهُ فَيُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ، وَلاَ يَقُومُ فَيَسْأَلُ النَّاسَ".
حديثٌ يوقظ الضمائر، ويحمّل المجتمع مسؤولية البحث عمّن لا يسأل، لا تجاهلهم.
الفقر الصامت ابتلاء، لكنه ليس دليل خذلان. فكثيرًا ما يكون أقرب الناس إلى الله هم أكثرهم سترًا وصبرًا. غير أن الصبر لا يعفي المجتمع من واجبه، ولا يبرّر الغفلة عن المحتاج المتعفف.
إن الزكاة، والصدقة، والتكافل، لم تُشرع فقط لمن يطلب، بل لمن يحتاج. واليد التي تمتد خفيةً لتتفقد أحوال الناس، هي أصدق عند الله من ضجيج العطاء العلني.
في زمنٍ كثرت فيه الشكاوى، يبقى الفقر الصامت نداءً إيمانيًا خالصًا:
أن نبحث عن المحتاج قبل أن يسأل،
وأن نعطي دون أن نُحرج،
وأن نوقن أن تفريج كربة أخٍ متعفف، قد يكون سببًا في تفريج كربةٍ لنا يوم لا ينفع مال ولا بنون.
| 1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
25-12-2025 09:22 AM
سرايا |
| لا يوجد تعليقات | ||