حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الثلاثاء ,23 ديسمبر, 2025 م
  • الصفحة الرئيسية
  • كُتاب سرايا
  • محمود الخالدي يكتب: التحول الرقمي في مهنة الصيدلة .. مقاربة تنظيمية متوازنة بين التطوير التقني والحوكمة المهنية
طباعة
  • المشاهدات: 13392

محمود الخالدي يكتب: التحول الرقمي في مهنة الصيدلة .. مقاربة تنظيمية متوازنة بين التطوير التقني والحوكمة المهنية

محمود الخالدي يكتب: التحول الرقمي في مهنة الصيدلة .. مقاربة تنظيمية متوازنة بين التطوير التقني والحوكمة المهنية

محمود الخالدي يكتب: التحول الرقمي في مهنة الصيدلة ..  مقاربة تنظيمية متوازنة بين التطوير التقني والحوكمة المهنية

22-12-2025 09:58 PM

تعديل حجم الخط:

بقلم :

الدكتور محمود الخالدي

يشكل التحول الرقمي أحد أبرز مسارات التطوير في الأنظمة الصحية الحديثة، لما يوفره من أدوات لتحسين الكفاءة، وتعزيز الرقابة، ودعم اتخاذ القرار. غير أن تطبيق هذا التحول في المهن الصحية المنظمة، وعلى رأسها مهنة الصيدلة، يقتضي مقاربة دقيقة تراعي خصوصية العمل الصحي، وطبيعة القرار المهني، والمسؤولية القانونية والأخلاقية المرتبطة مباشرة بصحة المريض.

وفي هذا السياق، يبرز أحيانًا نقاش عام حول الرقمنة والأتمتة، يختلط فيه المفهومان، الأمر الذي يستدعي توضيحًا علميًا وتنظيميًا هادئًا، لا بهدف الاعتراض على التطوير أو مقاومة الحداثة، بل بهدف ضمان أن يكون التحول الرقمي أداة لتعزيز جودة الرعاية الصحية وحماية المريض، لا مدخلًا لإضعاف الممارسة المهنية أو تشويهها.

إن رقمنة مهنة الصيدلة تعني توظيف التقنيات الرقمية لدعم وتنظيم وتوثيق الممارسة الصيدلانية ضمن إطارها التشريعي القائم، ويشمل ذلك السجلات المهنية الإلكترونية، والخدمات النقابية الرقمية، والوصفات الإلكترونية، والربط الإلكتروني بين الصيدليات والمستودعات، وتطوير جودة الخدمات الصيدلانية، وتتبع الأدوية ومراقبتها، إضافة إلى تسهيل الوصول إلى المعرفة وتحفيز مواكبة المستجدات العلمية عبر منصات التعليم المستمر الإلكترونية. وفي هذا السياق، تبقى الرقمنة أداة مساندة للقرار الصيدلاني، لا بديلاً عنه، ولا تمس جوهر الدور المهني للصيدلي المرخص أو مسؤوليته القانونية.

كما أن الرقمنة، بطبيعتها، منظومة متكاملة غير قابلة للتجزئة، تبنى بصورة متسقة ومنسجمة عبر مختلف مراحل العمل المهني، ويعد هذا التكامل بين المراحل شرطًا أساسيًا لنجاح أي تطبيق رقمي وتحقيق أهدافه الصحية والتنظيمية.

أما الأتمتة، فهي تحويل إجراءات محددة إلى عمليات آلية تقلل التدخل البشري. ورغم ما تحققه من كفاءة في الجوانب الإدارية واللوجستية، إلا أن امتدادها إلى القرارات الصحية المهنية يستدعي أعلى درجات الحذر، نظرًا لما قد يترتب عليه من آثار تتعلق بتحديد المسؤولية والمساءلة القانونية ومأمونية استعمال الدواء. ومن الأمثلة غير الجائزة في أتمتة الممارسات الصيدلانية الاعتماد على برمجيات تتخذ قرار صلاحية الدواء للمريض دون تقييم مهني مباشر، أو تشغيل أنظمة صرف آلية دون إشراف صيدلي مرخص ومسؤول، أو منصات رقمية تعتمد الموافقة على العلاج دون توفير استشارة صيدلانية مؤهلة.

وفي هذا السياق، يبرز موضوع صرف الدواء ونقله عن بعد بوصفه نموذجًا يستوجب قراءة تنظيمية دقيقة وإعادة تقييم مهنية. فصرف الدواء، من الناحية المهنية والقانونية، ليس إجراءً تقنيًا أو لوجستيًا بحتًا، بل فعل مهني منظم يقوم على التقييم والمشورة واتخاذ القرار من قبل صيدلي مرخص، وتترتب عليه مسؤولية قانونية مباشرة. وبناءً عليه، فإن صرف الدواء ونقله عن بعد لا يمكن اعتباره رقمنة لخدمة صيدلانية، بل يعد أتمتة لقرار صيدلاني مهني، وهو ما يجعله غير متوافق مع الأصول التنظيمية للممارسة الصيدلانية السليمة.

ولا يقتصر هذا الخلل على الجانب التقني، بل يتصل بطبيعته التنظيمية، إذ ينقل جوهر القرار الصحي من الممارس المهني إلى منظومة تقنية، مما يثير تساؤلات مشروعة حول مأمونية استعمال الدواء وتحديد المسؤوليات عند وقوع الخطأ.

ومن هنا جاء تأكيد كل التشريعات الصحية على أهمية العامل البشري في ضمان الاستخدام الآمن والرشيد للدواء، حيث يؤدي الصيدلي دورًا محوريًا في التقييم والمشورة والمتابعة، وهو دور يجب أن تعززه الرقمنة لا أن تستبدله.

إن تنظيم تفاصيل وآليات ممارسة مهنة الصيدلة هو شأن تنظيمي مهني تضطلع به نقابة الصيادلة ضمن الإطار التشريعي والرقابي العام، ولا يشكل تشريعًا موازيًا، بل يعزز الرقابة القائمة ويضمن توحيد الممارسة وحماية المريض.

وهنا تجدر الإشادة بالدور الذي تضطلع به وزارة الصحة والمؤسسة العامة للغذاء والدواء في تنظيم القطاع الصحي وضمان مأمونية الدواء وتطوير الأطر التشريعية والرقابية بما يواكب المستجدات العلمية والتقنية. وفي هذا الإطار، فإن أي عملية تحول رقمي يجب أن تنطلق بمبادرة من نقابة الصيادلة وبالشراكة مع الجهات الرسمية، بما يحفظ مصالح منتسبي المهنة، ويضمن استدامة القطاع، ويصون الأمن الدوائي.












طباعة
  • المشاهدات: 13392
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
22-12-2025 09:58 PM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
برأيك، هل تنجح إدارة ترامب وحكومة الشرع في القضاء على "داعش" بسوريا؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم