17-12-2025 10:29 AM
بقلم : د. جهاد يونس القديمات
تأتي هذه المقالة لتسليط الضوء على ما يواجهه مدير إدارة الموارد البشرية في منظماتنا من صعوبات يومية في بيئة العمل، حيث يتعامل مع قرارات حساسة وحاسمة تؤثر بشكل مباشر على الموظفين، مثل التوظيف والتقييم والانضباط والترقيات وحل الخلافات، وغالبا ما يجد نفسه مطالبا بتطبيق الأنظمة والتعليمات بدقة، وفي الوقت نفسه الحفاظ على علاقات جيدة مع الموظفين واستقرار بيئة العمل، وتزداد هذه التحديات مع اختلاف أنماط وسلوكيات الموظفين وتنوع بيئات العمل، إضافة إلى ضغوط الإدارة العليا وتوقعات الموظفين بالعدالة والشفافية، ومن هنا وجدنا حاجة ماسة للتطرق لأهمية الجمع بين السياسة والدبلوماسية في إدارة الموارد البشرية، كوسيلة تساعد المديرين على اتخاذ قرارات متوازنة تحقق أهداف المنظمة دون الإضرار بالجانب الإنساني أو الروح المنظمية.
تعد إدارة الموارد البشرية الركيزة الأساسية لنجاح أي منظمة، فهي تجمع بين الحزم في اتخاذ القرار والبعد الإنساني في التعامل مع الموظفين، بما يضمن استمرارية العمل بكفاءة واستقرار، ويعتمد نجاح هذه الإدارة على الدمج المتوازن بين السياسة والدبلوماسية في القرارات اليومية، حيث تحدد السياسة القواعد والإجراءات، بينما توضح الدبلوماسية أسلوب تنفيذ هذه القرارات بطريقة تحافظ على العلاقات المهنية وتعزز روح الفريق، وتشعر الموظفين بالعدالة والانتماء، مما يرفع مستوى الالتزام ويقوي الولاء المنظمي.
يمثل مفهوم السياسة الإطار التنظيمي للإدارة، هي مجموعة من القواعد واللوائح التي تنظم التوظيف والتقييم والترقيات والمكافآت والعقوبات وإنهاء الخدمة، وتوفر السياسة وضوحا للموظفين وتضمن العدالة في القرارات من خلال تحديد الحقوق والواجبات لكل طرف، أما غياب سياسة واضحة فيؤدي إلى قرارات عشوائية، ويزيد من النزاعات وسوء الفهم، ويوجد شعورا بعدم الأمان وعدم المساواة داخل المنظمة، وبذلك تعمل السياسة كحاجز يمنع الانحياز الشخصي، وتضمن أن تكون القرارات مبنية على أسس ثابتة ومعلنة، مما يعزز الثقة والاستقرار على المدى الطويل.
أما الدبلوماسية فتمثل الجانب الإنساني في تطبيق السياسة، وهي القدرة على إيصال القرارات وتنفيذها بأسلوب مرن ومحترم يحافظ على التوازن في العلاقة بين الإدارة والموظفين، ومن دون الدبلوماسية تصبح السياسة جامدة وقاسية، وقد تؤدي إلى ضعف الروح المعنوية وقلة الالتزام، لذلك تشكل الدبلوماسية حلقة وصل بين القواعد المنظمية وواقع التعامل مع الأفراد، فتجعل القرارات أكثر قبولا وأقل مقاومة، وتحقق توازنا بين النظام والمرونة.
بشكل عام، تأتي السياسة أولا لتضع الإطار والضوابط، ثم الدبلوماسية بعدها؛ لتطبيق هذا الإطار بطريقة سلسة، فسياسة بلا دبلوماسية قد تنتج موظفين منضبطين شكليا دون قناعة، بينما دبلوماسية بلا سياسة تؤدي إلى رضا ظاهري دون توجيه واضح أو أداء فعال، لذلك فإن الإدارة الناجحة هي التي تجمع بين الاثنين لضمان العدالة والانضباط واستمرارية العمل، والتوازن بين الحزم والمرونة من أهم صفات القيادة الإدارية الناجحة.
إن أي إدارة فعالة للموارد البشرية تقوم على القدرة على الجمع بين السياسة والدبلوماسية بما يضمن العدالة والانضباط واستقرار العمل، ويسهم هذا التوافق في تحقيق الأهداف الاستراتيجية للمنظمة ورفع كفاءة إدارة الموارد البشرية.
ففي مجال التوظيف تحدد السياسة المؤهلات والخبرات المطلوبة ومعايير الاختيار بما يضمن العدالة والمساواة بين المتقدمين، بينما تظهر الدبلوماسية في أسلوب التعامل مع المرشحين والحفاظ على صورة المنظمة، وتنفيذ القرارات النهائية دون الإخلال بالانسجام المنظمي، ويساعد هذا التوازن على تعزيز مصداقية الإدارة واتخاذ قرارات موضوعية تحقق التوازن بين أهداف المنظمة واحتياجات الموظفين.
في التقييم والترقية يظهر دور الجمع بين السياسة والدبلوماسية بشكل واضح، حيث تحدد السياسة معايير الأداء ومتطلبات الترقية والمكافآت، بينما تتحكم الدبلوماسية في طريقة عرض النتائج وتنفيذها بأسلوب يحافظ على التحفيز والانضباط، ويساعد ذلك الموظفين على فهم التوقعات الوظيفية وتقبل النتائج والسعي إلى تحسين أدائهم.
كما يعتمد الانضباط الوظيفي على الانسجام بين السياسة والدبلوماسية، فبينما تحدد السياسة القواعد والعقوبات، تحدد الدبلوماسية أسلوب التطبيق بما يحفظ كرامة الموظف واحترامه، والانضباط ليس هدفه العقاب بقدر ما هو وسيلة لضمان الالتزام والاستقرار، وتطبيقه بطريقة متوازنة يعزز الثقة في الإدارة ويقوي الشعور بالعدل، ففي بيئات العمل الصعبة أو المعقدة تضع السياسة القوانين والخطوط الحمراء، بينما تساعد الدبلوماسية على تهدئة التوترات وتوجيهها بشكل إيجابي، مما يحافظ على استقرار المنظمة ويقلل من التسرب الوظيفي، ويعد هذا التوازن دليلا على القيادة الواعية القادرة على تطبيق النظام مع مراعاة الجانب الإنساني.
يعد حل الخلافات المنظمية من أهم مجالات التكامل بين السياسة والدبلوماسية، حيث تحدد السياسة ما هو صحيح وما هو خطأ، بينما تركز الدبلوماسية على الحوار والاستماع والتفاوض للوصول إلى حلول تحافظ على العلاقات وتماسك الفريق، ويضمن هذا الأسلوب أن تكون القرارات أداة للتفاهم والتعاون وليس مجرد فرض للقوانين.
في مجال التدريب والتطوير تحدد السياسة البرامج والمعايير وطرق التقييم، بينما تجعل الدبلوماسية التدريب أكثر تحفيزا وفاعلية، وتشجع الموظفين على المشاركة والاستفادة، ويسهم ذلك في تحسين الأداء الفردي والجماعي وتعزيز الثقافة المنظمية الإيجابية، وفي جانب الترقيات والمكافآت فيتطلب الأمر الجمع بين العدالة والتحفيز، حيث تحدد السياسة من يستحق الترقية أو المكافأة، بينما تحدد الدبلوماسية أسلوب الإعلان والتنفيذ بطريقة تحافظ على الروح المعنوية وتقلل من الشعور بالظلم، ويساعد هذا التوازن على خلق بيئة عمل محفزة ومستقرة.
إن السياسة والدبلوماسية عنصران متكاملان لا يمكن فصل أحدهما عن الآخر، فالسياسة توفر الهيكل والعدالة، والدبلوماسية توفر المرونة والاحتواء، وأي إدارة تهمل أحدهما تواجه صعوبات في تحفيز الموظفين والحفاظ عليهم وتحقيق أهداف المنظمة، وفي إدارة الموارد البشرية لا تعد السياسة مجرد قواعد جامدة، بل أداة لضبط الأداء وضمان العدالة، بينما تمثل الدبلوماسية الأسلوب الإنساني الذي يوازن بين العدالة والمرونة، ويسهم هذا التوازن في زيادة الإنتاجية وتقليل النزاعات وتحقيق بيئة عمل مستقرة.
إن التطبيق المتكامل للسياسة والدبلوماسية يضمن اتزان جميع وظائف إدارة الموارد البشرية، من التوظيف والتقييم إلى التدريب والانضباط وحل النزاعات، وصولا إلى الترقيات والمكافآت، مما يساعد المنظمة على مواجهة التحديات وتحقيق أهدافها بكفاءة عالية.
في النهاية، تعتمد الإدارة الفعالة للموارد البشرية على فهم عميق للعلاقة بين السياسة والدبلوماسية، وكيفية الموازنة بينهما في اتخاذ القرار، فالجمع بين العدالة والمرونة يضمن قرارات فعالة، وبيئة عمل إيجابية، واستقرارا منظميا طويل الأمد، ويجعل المنظمة أكثر قدرة على النجاح والاستدامة، وغير ذلك سيبقى مدير الموارد البشرية في ساحة صدامية بين ضغوطات الإدارة العليا من جهة، وبين تطلعات الموظفين من جهة أخرى.
| 1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
17-12-2025 10:29 AM
سرايا |
| لا يوجد تعليقات | ||