10-12-2025 08:45 AM
بقلم : لانا أبو سنينة
يحل العاشر من كانون الأول/ديسمبر، اليوم العالمي لحقوق الإنسان، هذا العام، ليس كذكرى للاحتفال بالإنجازات القانونية والأخلاقية، بل كلحظة تاريخية للوقوف أمام مرآة الواقع الدولي التي تعكس فشلاً ذريعاً في تطبيق المبادئ التي تأسست عليها الأمم المتحدة. إن الفجوة الهائلة بين النصوص القانونية والواقع الميداني، خاصة في مناطق النزاع الساخنة كغزة والسودان، تضع المجتمع الدولي أمام امتحان حقيقي لمصداقيته ونزاهته.إن الحديث عن الكرامة الإنسانية وحقوق الإنسان لم يعد ترفاً فكرياً، بل هو صرخة استغاثة تخرج من تحت الركام، وتساؤل وجودي حول قيمة الإنسان في عالم تحكمه المصالح والقوة. إن المبادئ الأساسية، كالحق في الحياة والأمن والعدالة، تتعرض لانتهاكات ممنهجة وموثقة، مما يطرح علامات استفهام كبرى حول آليات المساءلة الدولية وغياب الإرادة السياسية لإنهاء الإفلات من العقاب.غزة: انهيار القانون الدولي الإنسانيتتصدر قطاع غزة المشهد كأكثر الأمثلة دموية على انهيار منظومة القانون الدولي الإنساني. ففي ظل حصار مطبق وعمليات عسكرية واسعة النطاق، تتوالى التقارير الحقوقية التي تشير إلى انتهاكات جسيمة قد ترقى إلى مستوى جرائم الحرب. إن استهداف المدنيين والبنى التحتية الحيوية، بما في ذلك المستشفيات والمدارس ومراكز الإيواء، يمثل خرقاً واضحاً لمبدأ التمييز والحماية المكفولة للمدنيين بموجب اتفاقيات جنيف.إن سياسة العقاب الجماعي المفروضة على أكثر من مليوني فلسطيني، عبر قطع الإمدادات الأساسية من ماء وغذاء ووقود ودواء، لا تمثل فقط انتهاكاً لحقوق الإنسان الأساسية، بل تشكل أداة حرب تهدف إلى تدمير مقومات الحياة. إن الصمت الدولي المطبق، أو الاكتفاء ببيانات الإدانة الخجولة، يمنح ضوءاً أخضر لاستمرار هذه الانتهاكات، ويؤكد على ازدواجية المعايير التي تضرب بعرض الحائط مبدأ عالمية حقوق الإنسان.السودان: الكارثة المنسية وغياب الحمايةفي موازاة الكارثة في غزة، تتكشف في السودان فصول مأساة إنسانية وحقوقية لا تقل فداحة، لكنها غالباً ما تقع في دائرة النسيان الإعلامي. فمنذ اندلاع الصراع، تحولت مناطق واسعة إلى مسرح لانتهاكات مروعة، بما في ذلك القتل خارج نطاق القانون، والعنف الجنسي الممنهج، والتهجير القسري الذي أدى إلى واحدة من أكبر أزمات النزوح الداخلي في العالم.إن الصراع في السودان كشف عن فشل الدولة في حماية مواطنيها، وعن عجز المجتمع الدولي عن التدخل بفاعلية لوقف دائرة العنف. لقد أدت الاشتباكات إلى تفاقم أزمة الجوع، حيث يُستخدم التجويع كأداة حرب، مما يعرض حياة الملايين لخطر الموت. إن غياب المساءلة عن الفظائع المرتكبة يرسخ ثقافة الإفلات من العقاب، ويشجع على استمرار الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والقانون الإنساني.الحاجة إلى المساءلة والعدالةإن اليوم العالمي لحقوق الإنسان يجب أن يكون نقطة تحول نحو تفعيل آليات المساءلة الدولية. لا يمكن أن تستمر العدالة كقيمة نسبية تُطبق على البعض وتُغض الطرف عنها في حالات أخرى. إن حماية حقوق الإنسان ليست مسألة تفاوض أو مصالح، بل هي التزام قانوني وأخلاقي غير قابل للتجزئة.إن إنهاء هذه الأزمات يتطلب ضغطاً دولياً حقيقياً لوقف إطلاق النار، وتأمين وصول المساعدات الإنسانية دون قيود، والأهم من ذلك، إنشاء آليات تحقيق مستقلة ومحايدة لتوثيق الانتهاكات وتحديد المسؤولين عنها، تمهيداً لمحاكمتهم. إن حقوق الإنسان هي الضامن الأخير لإنسانيتنا المشتركة، وحين يُكسر هذا الضمان، تسقط معه كل القيم التي تدعي الحضارة أنها تتمسك بها. يجب أن يبقى الضمير العالمي يقظاً، فإنسانية الإنسان هي المعيار، وإذا سقط المعيار، سقط كل شيء بعده.
| 1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
10-12-2025 08:45 AM
سرايا |
| لا يوجد تعليقات | ||