08-12-2025 06:29 PM
بقلم : د. رأفت غالب البيايضة
في الشرق الأوسط، لا شيء يمرّ مصادفة. وإسرائيل، بخبرتها الطويلة الخبيثه في هندسة الوعي، تدرك أن السيطرة على الرواية ليست عملاً إعلامياً بل جزء من المعركة نفسها. ولهذا يأتي مقتل أبو شباب كحلقة في نمطٍ أوسع لطريقة اشتغال العقل الأمني الإسرائيلي: الحدث يُصنع أولاً في الظل، ثم تُصاغ روايته علناً وفق ما يخدم أهدافاً لاحقة.
فالعديد من العمليات التي جرت داخل العمق الإسرائيلي، سواء كانت حقيقية أو جرى تضخيمها، استخدمت لاحقاً لترتيب البيت الداخلي أو لتبرير خطوات ميدانية خططت لها المؤسسة الأمنية مسبقاً. هذه ليست صدفة، بل جزء من إستراتيجية تقوم على التحكم بالمعلومة وإدارة الانطباع، وعلى ترك الأسئلة مفتوحة لغايات تُكشف في وقتها.
وفي حالة أبو شباب، قد يكون الإعلان وطريقة إخراج الرواية أهم من الحدث ذاته. فالتوقيت، واللغة المستخدمة، وغياب الجهة الحاسمة، كلها مؤشرات على رواية يراد لها أن تسبق الفهم، وأن تهيّئ البيئة لخطوات لم تُعلن بعد.
ولذلك، علينا نحن أيضاً أن نقرأ المشهد بعقل بارد لا بعاطفة؛ لا ننجرف بردود فعل لحظية، بل نستبق الحدث بتحليل هادئ يدرك أن ما يُخفى غالباً أهم مما يُعلن. فالحكمة تقتضي مراقبة الصورة كاملة، وانتظار ما سيُبنى على هذا الاغتيال، لأن الظلال في السياسة — كما في الاستخبارات — كثيراً ما تقول الحقيقة أكثر من الضوء.