حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الإثنين ,8 ديسمبر, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 5290

القديمات يكتب: عندما تفقد المرأة عذوبتها في السوشيال ميديا

القديمات يكتب: عندما تفقد المرأة عذوبتها في السوشيال ميديا

 القديمات يكتب: عندما تفقد المرأة عذوبتها في السوشيال ميديا

08-12-2025 08:14 AM

تعديل حجم الخط:

بقلم : د. جهاد يونس القديمات
عندما تفقد المرأة عذوبتها في السوشيال ميديا يتحول ظهورها من قيمة اجتماعية مرموقة إلى أداة استهلاكية تركز على الشهرة والمكاسب المالية على حساب المبادئ والقيم التي ترسخت في مجتمعاتنا عبر قرون طويلة، هذا التغيير ليس مسألة شخصية فقط بل ظاهرة لها انعكاسات خطيرة على الأسرة والمجتمع والدولة، لذلك أصبح من الضروري تحليل هذه السلوكيات وفهم تأثيرها قبل أن تتحول إلى مشكلة غير قابلة للسيطرة.
كانت المرأة في تراثنا العربي والأردني تحديدا قيمة عليا ومصدر قوة في المجتمع، هذه المكانة لم تكن مجرد واجب اجتماعي بل نتيجة تقدير واع للمرأة ودورها في تماسك المجتمع واستمراره، المرأة في تراثنا لم تكن ضعيفة ولا خاضعة بل كانت قوية ومحترمة وذات تأثير، و كانت العذوبة والرزانة والهيبة أسس مكانتها وقدرتها على فرض احترامها في كل تعاملاتها.
حين سئل الرسول صلى الله عليه وسلم: من أحق الناس بحسن صحابتي؟، قال: أمك، ثم أمك، ثم أمك، ثم أبوك، هذا التكرار يختصر فلسفة المجتمع المسلم التي تؤكد أن المرأة مدرسة قيم وبانية جيل، الأخت كانت سندا للبيت وذخرا للعائلة، الزوجة كانت شريكا حكيما في الاستقرار النفسي والاجتماعي، الابنة كانت رمز الاحترام والفخر، ، ومكانتها لم تكن مجرد كلمات بل ممارسة يومية، ولا يأتي هذا المقال لخوض معركة ضد المرأة، بل لحمايتها من نفسها ومن أدوات رقمية يمكن أن ترفعها سريعا ثم تسقطها بقسوة، هو دعوة للتفكير في ثمن الشهرة.
مع انتشار منصات وتطبيقات السوشيال ميديا تغيرت المعايير التقليدية بشكل سريع، فالقوة الرقمية تعتمد اليوم على نسب المشاهدة وعدد المتابعين والتفاعل اللحظي، وليس على الرزانة أو الاحترام، فبعض النساء وجدن في هذا الواقع طريقا للمال والشهرة السريعة فأصبحت حساباتهن الرقمية قائمة على الاستعراض والمبالغة وكشف تفاصيل كانت تحميها قيم المجتمع التقليدية، هذا ما يمكن تسميته فقدان العذوبة الرقمية، العذوبة ليست خجلا أو ضعفا بل هي احترام الذات والقدرة على الظهور بما يعكس القيمة الحقيقية للمرأة.
ظهور المرأة بهذه الطريقة له انعكاسات مباشرة على المجتمع، فالشابات والفتيات الصغيرات يتأثرن بالنماذج الرقمية ويبدأن بمقارنة حياتهن بما يقدمه الآخرون من محتوى استعراضي، ما قد يؤدي إلى سلوكيات سطحية ورغبة في لفت الانظار بأي ثمن، وهذه المقارنة تعيد تشكيل صورة المرأة في وعي المجتمع وتضع المرأة الجادة التي تحافظ على قيمها في موقف صعب، كما تؤثر هذه الظاهرة على العلاقات بين الجنسين حيث يصبح للظهور الرقمي تأثير يفوق الواقع، ويخلق تصورات خاطئة عن الحرية والاستقلالية والمسؤولية.
الشهرة الرقمية تمنح بعض النساء شعورا بالقوة المؤقتة، فمع ارتفاع عدد المتابعين والمشاهدات والاعجابات يظهر شعور بأنهن فوق النقد والمسؤولية، فيبدأ تأثير هذا الشعور على حياتهن العملية والشخصية، فمثلا في العمل قد تظهر تصرفات غير مسؤولة، وفي الزواج والطلاق قد تتخذ قرارات متهورة، وتبني سلوكيات تتجاوز الأعراف الاجتماعية، فالقوة الرقمية الزائفة إذا لم تتوازن بالوعي والمسؤولية تتحول إلى تهديد للمرأة نفسها وللأسرة والمجتمع.
لم يعد ظهور المرأة العربية في السوشيال ميديا ظاهرة عادية، بل تحول إلى مشهد يصنع رأيا عاما ويغير شكل العلاقات ويعيد تشكيل صورة الأنثى في الوعي الجمعي، وما نشهده اليوم يشبه انزلاقا خطيرا لبعض النساء نحو أنماط من الظهور تفقد المرأة أحد أثمن عناصر قوتها، ألا وهي العذوبة، والرزانة، والاحترام الذي يبني صورتها أمام نفسها قبل الآخرين.
فقدان العذوبة الرقمية ليس مسألة شكلية أو جمالية بل مؤشر على أزمة قيمية أوسع قد تهدد استقرار الأسرة والمجتمع إذا لم تتخذ خطوات حقيقية، فالمرأة التي تحافظ على وعيها ومسؤوليتها واحترامها لنفسها تشكل نموذج يحتذى به وتعيد التوازن للمجتمع بينما المرأة التي تقدم نفسها عبر الاستعراض والابتذال تفقد جزءا كبيرا من قيمتها الحقيقية ويضع المجتمع أمام تحد كبير.
تأثير فقدان العذوبة الرقمية يتجاوز الأسرة ليصل المجتمع بأسره، فالمحتوى الاستعراضي يقلل من قيمة المرأة في وعي الناس ويضعها في موقع سطحية، بينما المجتمع بحاجة إلى نموذج المرأة الواعية المتوازنة، هذا الانحراف يؤثر أيضا على مكانة المرأة العاملة التي تحافظ على القيم والاحترام في حياتها اليومية، سوء الفهم الناتج عن المقارنة بين المرأة الجادة والمؤثرات الاستعراضيات قد يؤدي إلى تراجع احترام المرأة الجادة ويضعها في موقف ضعيف.
المرأة ليست مجرد جسم أو صورة على شاشة الهاتف بل هي كيان مسؤول له تأثيره المباشر على تماسك المجتمع وقيمه، العذوبة والرزانة والاحترام الداخلي هي ما يمنح المرأة القوة الحقيقية، وليس عدد المتابعين أو المشاهدات، وفقدان هذا التوازن لا يضر بالمرأة فقط بل يهز الأسرة والمجتمع والدولة معا.
تظهر الدراسات الحديثة أن ظهور المرأة بأساليب استعراضية على منصات التواصل يؤدي إلى تشويه الصورة العامة للمرأة في وعي المجتمع، فالجيل الشاب من الفتيات الصغيرات يتأثرن بالنماذج الرقمية، ويبدأن بمقارنة حياتهن بحياة من يعتبرنهن قدوة، الأمر الذي قد يؤدي إلى تبني سلوكيات سطحية أو مفرطة في البحث عن الإعجاب والمشاهدة، بدلا من التركيز على التعليم والعمل والقيم الجوهرية،كما أن هذه الظاهرة تؤثر في العلاقة بين الرجل والمرأة، فتصبح الصورة الرقمية معيارا يوازي أو يتجاوز الواقع، ويخلق تصورات مغلوطة عن الحرية والاستقلالية.
السوشيال ميديا أداة قوية يمكن أن تكون جسرا للنهضة أو طريقا للسقوط، والفارق الحقيقي هو وعي المرأة بمكانتها وحفاظها على قيمها وحرصها على عدم التفريط بعذوبتها مهما كانت المغريات الرقمية، وعندما تعيد المرأة حضورها المتوازن تستعيد عذوبتها التي عرفها المجتمع وحافظ عليها، وتعيد الصورة التي تليق بها وبمكانتها في مجتمع يحتاج إلى رؤيتها بصورتها الاصيلة لا بصورتها المصطنعة على الشاشة.
إن تصوير المرأة لذاتها على أنها مادة للمتابعة السريعة، أو تقديم حياتها الخاصة باعتبارها مسرحا مفتوحا، أو اللجوء إلى الإيحاءات أو السلوك الاستعراضي، كل ذلك ينعكس على صورتها العامة، ويؤدي في كثير من الأحيان إلى تشويه الفكرة التي يحملها المجتمع عن المرأة ودورها الحقيقي، ويقود هذا الواقع إلى نتائج غير محمودة، من بينها بروز سلوكيات داخل المجتمع تحاكي تلك النماذج، وظهور تصورات خاطئة لدى الفتيات الصغيرات حول معنى النجاح، وتراجع في مكانة المرأة الجادة التي تعمل بصمت وتحافظ على قيمها.
لكن حين يتحول المحتوى إلى ما يشبه المزاد العلني، يختفي الخط الفاصل بين الحرية والاستغلال، بين التعبير عن الذات وبين بيع الذات، بين استخدام المنصات وبين أن تستخدم المرأة نفسها كأداة لجذب الإعلانات والمشاهدات، ومن جانب آخر؛ نقول أن المرأة التي تقدم محتوى محترما وواعيا ورصينا تبقى عنوانا للقيمة، لكن حين تنتشر أنماط أخرى، يصبح التعميم سهلا، ويبدأ المجتمع (خاصة فئات الشباب) برؤية المرأة عبر عدسة مشوهة صنعتها خوارزميات لا تهتم بقيم المجتمع بل بنسبة التفاعل.
إن الدول بمؤسساتها تتحمل المسؤولية في هذا المجال، فلم تعد القضية فردية بل مسألة مجتمعية تمس الهوية والقيم والاستقرار الاجتماعي، والمطلوب تشريعات واضحة لحماية الفتيات من الاستغلال الرقمي، برامج توعية في المدارس والجامعات توضح مخاطر الانجراف وراء الشهرة السريعة، دعم المحتوى الهادف والراقي الذي يعكس قيم المجتمع ويحمي مكانة المرأة، هذه الاجراءات لا تعني قمع الحرية بل توجيهها نحو الاستخدام المسؤول الذي يحمي المجتمع ويحافظ على مكانة المرأة.
الوعي والرقابة الذاتية هي الأساس في مواجهة الانزلاق الرقمي، لذلك على المرأة أن تدرك أن قيمتها الحقيقية لا يمكن قياسها بالمال أو الشهرة أو المتابعة، وعلى المجتمع أن يعيد ترتيب أولوياته في دعم المرأة الجادة الواعية التي تحفظ قيمها وتؤدي دورها في الأسرة والمجتمع، وعلى الدولة أن تتحرك لتقديم برامج توعية وتشريعات تحمي الهوية والأمن الاجتماعي وتحافظ على مكانة المرأة، كما أن رفع وعي الفتاة بقيمتها، وفهم حدود الحرية، تقدير المكانة التي منحتها إياها الدين والثقافة، ومعرفة أن العذوبة ليست ضعفا بل قوة خفية، تحول دون أن تكون ضحية السوشيال ميديا.
المرأة كما كانت دوما محور الأسرة والبيت والمجتمع يجب أن تعود إلى قيمتها الحقيقية والوعي الكامل بدورها، وهذا المقال هو دعوة لكل الأسر والمجتمع والحكومة للانتباه لما يحدث قبل أن يتحول الفقد إلى ظاهرة لا يمكن التراجع عنها، فالمحافظة على عذوبة المرأة ليست مجرد مسألة أخلاقية بل هي جسر للحفاظ على استقرار الأسرة والمجتمع والقيم التي تحفظ الانسانية داخل مجتمعاتنا.
في النهاية العذوبة ليست خجلا ولا قيودا بل هي احترام للذات والقدرة على فرض قيمها، فالمرأة التي تفقد عذوبتها تفقد جزءا كبيرا من صورتها وقوتها الاجتماعية، والمجتمع الذي يسمح بذلك يفقد توازنه أيضا، والسوشيال ميديا وسيلة لكنها ليست بديلة عن التربية والوعي والمسؤولية، لذلك أتوقع أن يكون هذا المقال جرس انذار لكل أفراد المجتمع، والأسرة مطالبة باليقظة والانتباه لتوجيه بناتها نحو الاستخدام المسؤول للسوشيال ميديا، والمجتمع مطالب بدعم القيم الأصيلة وحماية المرأة من الانزلاق نحو السلوكيات الاستعراضية، والحكومة ملزمة باتخاذ الاجراءات الضرورية لضمان بيئة رقمية تحمي الهوية والقيم، فكل ما سبق يجعل من الحفاظ على عذوبة المرأة قضية مجتمعية قبل أن تكون قضية شخصية.









طباعة
  • المشاهدات: 5290
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
08-12-2025 08:14 AM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
برأيك.. هل تجر فرنسا وبريطانيا وألمانيا أوروبا لحرب مع روسيا رغم خطة ترامب لحل النزاع بأوكرانيا؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم