حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الأحد ,7 ديسمبر, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 4039

د. هيثم علي حجازي يكتب: التعليم الوجاهي… ضرورة تربوية ومهنية في عصر يتغير بسرعة

د. هيثم علي حجازي يكتب: التعليم الوجاهي… ضرورة تربوية ومهنية في عصر يتغير بسرعة

د. هيثم علي حجازي يكتب: التعليم الوجاهي… ضرورة تربوية ومهنية في عصر يتغير بسرعة

07-12-2025 09:13 AM

تعديل حجم الخط:

بقلم : د. هيثم علي حجازي
في السنوات الأخيرة، شهد العالم توسّعا غير مسبوق في أنماط التعليم عن بُعد والتعليم الإلكتروني، مدفوعا بالتطور التكنولوجي وتغيّر أنماط الحياة، إضافةً إلى الظروف الصحية الطارئة التي فرضت اعتماد هذا النمط لفترات طويلة. ورغم ما يحمله التعليم الرقمي من مزايا تتعلق بالمرونة وإتاحة المحتوى، فإن التعليم الوجاهي يظلّ الركيزة الأساسية التي لا غنى عنها لبناء شخصيات الطلاب، وصقل مهاراتهم، وإعدادهم لسوق العمل، مما يتطلب ممارسات واقعية وتفاعلات مباشرة. فالتعليم الوجاهي يعمل على (1) بناء المهارات الحياتية والاجتماعية لأنه يوفر بيئة تفاعلية حقيقية تُنمّي مهارات التواصل، والعمل الجماعي، والقيادة، وحلّ المشكلات. وهذه المهارات لا يمكن اكتسابها من خلف الشاشات، بل تتطلب وجودا جسديا وتفاعلا إنسانيا مباشرا (2) تعزيز الانضباط والمسؤولية، فوجود الطالب في موقع التدريس يضعه ضمن نظام يومي واضح، ينمّي لديه الانضباط والالتزام واحترام الوقت، وهذه السلوكيات تتراجع غالبا عند الاعتماد الكامل على التعليم عن بُعد (3) التعليم التجريبي والعملي. ففي التعليم المهني والتطبيقي، تُعد المختبرات والورشات والممارسات العملية عنصرا أساسيا في تكوين الطالب. فالتعليم الوجاهي يتيح الاحتكاك المباشر بالأدوات والمعدات والتدريب الواقعي، وهو ما لا يمكن محاكاته بالكامل عبر المنصات الإلكترونية (4) التفاعل الفوري مع المعلّم. فالتعليم الوجاهي يتيح فرصا أكبر لطرح الأسئلة، وتلقي التغذية الراجعة الآنية، وتصحيح الأخطاء بشكل لحظي. وهذا التفاعل المباشر يعد حجر الأساس في تحسين الفهم وتثبيت المعلومات.
في الوقت ذاته، فإن التعليم عن بعد، أو التعليم الالكتروني، يحمل في طياته العديد من السلبيات التي سيكون لها أثر غير محمود على المدى البعيد، منها (1) ضعف اكتساب المهارات العملية. فالتعليم الإلكتروني يعتمد غالبا على المحتوى النظري، مما يجعل الطالب بعيدا عن التطبيق المباشر. وهذا الأمر يشكل فجوة خطيرة خاصة في التخصصات المهنية التي تتطلب تدريبا يدويا مستمرا (2) محدودية التفاعل والتواصل، لأن التعليم عبر الشاشة لا يحقق المستوى ذاته من التفاعل، وغالبا ما يشعر الطالب بالعزلة، مما يؤدي إلى ضعف الدافعية وانخفاض مستوى المشاركة في الأنشطة التعليمية (3) قصور في تقييم الأداء الحقيقي. فالتقييمات الإلكترونية قد لا تعكس المستوى الفعلي للطالب، وقد تفتح مجالا لسلوكيات غير أخلاقية في الامتحانات، مما يفقد العملية التعليمية جزءا كبيرا من مصداقيتها (4) فجوة في المهارات المطلوبة لسوق العمل. فسوق العمل اليوم، وخاصة في القطاعات الصناعية والفنية والخدمية، يتطلب عملا يدويا، واحتكاكا مباشرا، وتجريبا مستمرا. والطلاب الذين يعتمدون بشكل كبير على التعليم عن بُعد غالبا ما يجدون أنفسهم غير مهيئين لتلبية هذه الاحتياجات، الأمر الذي ينعكس سلبا على جاهزيتهم المهنية.
أيضا، يواجه المدرسون تحديات كبيرة في التعامل مع السلوكيات السلبية التي ظهرت لدى عدد من الطلبة نتيجة الاعتماد المفرط على التعليم عن بُعد. فقد ساهمت البيئة غير المنضبطة للتعلّم الإلكتروني في خلق نوع من اللامبالاة لدى بعض الطلاب، حيث يغيب التركيز، وتتكرر حالات عدم الالتزام بالوقت أو الحضور، إضافة إلى الاستهتار بتسليم الواجبات أو المشاركة الفاعلة. وهذا النوع من السلوك يضع المدرس في موقف صعب، حيث يصبح من الصعوبة ضبط إيقاع الحصة الدراسية أو خلق جو تعليمي متماسك، مما يؤثر على العملية التعليمية ككل.
كما يواجه المدرّسون صعوبة في إدارة التفاعل عبر الشاشات، إذ يلجأ بعض الطلبة إلى تشتيت الدرس من خلال استخدام الأجهزة لأغراض غير تعليمية، مما يحدّ من قدرة المدرس على تقييم فهم الطلاب أو متابعة أدائهم الفعلي. وهذا الغياب للتواصل البصري والمباشر يقلل من هيبة المدرس ويضعف سلطته التربوية، ويجعل مهمة متابعة سلوك الطلبة وضبطه أكثر تعقيدا. إن هذه العوامل مجتمعة أدّت إلى تضاعف الضغط النفسي على المدرسين، الذين وجدوا أنفسهم مطالبين بتعويض الفجوات السلوكية والتربوية التي خلّفها التعليم الإلكتروني.
وقد وجد الكثير من المدرسين أنفسهم تحت ضغوط مضاعفة تتعلق بضرورة مواكبة الأدوات التقنية والتعامل مع مشكلات الاتصال والمنصات الرقمية بشكل يومي. يرافق ذلك شعور بالإرهاق الذهني بسبب الحاجة إلى إعادة تصميم الدروس وتكييفها لاستيعاب نمط التعليم عن بُعد، في ظل غياب التفاعل الطبيعي الذي يعتمد عليه المعلم في قياس استيعاب الطلبة وتوجيه الدرس بصورة فاعلة. كما أن محدودية التواصل الإنساني المباشر أفقدت المدرسين جزءا مهما من دورهم التربوي، وأضعفت قدرتهم على بناء العلاقات الإيجابية مع الطلبة، مما أدى إلى ارتفاع مستويات التوتر والضغط النفسي لديهم، وإلى شعور عام بأن دورهم التربوي أصبح أقل تأثيرا ووضوحا في البيئة الرقمية.
وفي الوقت الذي يتسابق فيه العالم نحو تطوير التعليم المهني والتقني كأحد أهم مفاتيح التنمية الاقتصادية، يصبح التعليم الوجاهي ضرورة لا خيارا. فإتقان المهن يحتاج إلى تدريب عملي، وإلى بيئة واقعية تحاكي مواقع العمل الحقيقية. ولا يمكن للطالب أن يصبح فنّيا ماهرا أو تقنيا محترفا عبر محاضرات إلكترونية فقط، بل عبر ممارسات تطبيقية متكررة بإشراف مدرّبين متخصصين.
إن التفاعل المباشر، وتبادل الخبرات، ومواجهة المواقف العملية الحقيقية، كلها مكونات لا يمكن تحقيقها عبر المحتوى الرقمي مهما بلغت جودته.
*رئيس ديوان الخدمة المدنية الأسبق / أمين عام رئاسة الوزراء الأسبق











طباعة
  • المشاهدات: 4039
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
07-12-2025 09:13 AM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
برأيك.. هل تجر فرنسا وبريطانيا وألمانيا أوروبا لحرب مع روسيا رغم خطة ترامب لحل النزاع بأوكرانيا؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم