02-12-2025 11:27 AM
بقلم : د. نضال المجالي
في زمن تُعاد فيه كتابة الأحلام أكثر مما تُراجع فيه الخطط، تبدو المقارنة بين رَحْمَة و عمْرَة أشبه بدراسة في علم «التنمية الورقية». رَحْمَة—التي كانت يوما تُسمّى «ضَرْبَة» قبل أن يمنحها الأمير الحسن بن طلال اسما ألطف وأجمل—مثّلت مدخلا لجغرافيا يُفترض أنها تُعدّ امتدادا تنمويا مهما لوادي عربة بكل قراه. سمعنا عن خطط مشاريع لا تُحصى في سنوات حياتنا: ربط البحرين الأحمر والميت، خطط زراعية خارقة، مناطق اقتصادية واعدة، وصندوق أحلام لا قاع له. ثم فجأة… انتهى المشهد بإلغاء شركة تطوير وادي عربة نفسها، وكأن المشكلة كانت في اللوغو وليس في غياب الإرادة التنفيذية.
وها نحن اليوم نرسم على الورق مدينة جديدة: عمْرَة. اسم جميل، يوحي بالعُمران، وكأن التسمية وحدها قادرة على نقل المشروع من خانة «الأمل» إلى خانة «التنفيذ». نقرأ بيانات وتصريحات ومقالات تتغنى بالمدينة الجديدة وكأنها ستُبنى غدا، بينما السؤال البسيط يظل معلّقا: من أين سنموّل هذا الحلم؟ من مخصصات اللامركزية للعام 2026 التي خُفِّضت أصلاً؟ أم من صندوق «تفاؤل وطني» نطبعه عند الحاجة؟
ثم تظهر—وبسرعة مُلفتة تفوق سرعة تجهيز البنية التحتية—إعلانات بيع أراض في محيط "عمرة" ثاني يوم الإعلان عنها، بأسعار «منطقية» كما يقال. منطقية لمن؟ ولأي رؤية؟ هل لمن حجزوا اراضي قبل الاعلان عنها؟ ومن هم؟ وهل المدينة مشروع وطني أم استثمار انتقائي؟ وهل نحن أمام خطط استراتيجية أم أمام سباق لاستباق الخرائط قبل أن تجف؟
شخصيا، أتمنى النجاح وخصوصا أرض المعارض والمدينة الرياضية التي قيل إنهما سيكونان جزءا من عمرة. لكن قبل أن نبدأ في مدينة جديدة، ربما علينا مراجعة ما لدينا. فما زالت اطراف هامة من مناطق عمان العاصمة أصلا كالظهير وشفا بدران لم تربط بخدمة الصرف الصحي! وما زالت مناطق كعين جنا بين عجلون وجرش يتقطع فيها الاتصالات وإنترنت سائح يحاول الوصول لموقع قلعة عجلون على نظام GPS، وبعيدا عن الخدمات لنذهب لمدن اكبر: فالعقبة مثلا بعد ٢٥ سنة —بكل قانونها الخاص وصلاحياتها واستقلاليتها التي انقصوها تدريجيا - لا تزال مثالا على الفارق بين «تصميم مدينة» و«تشغيل مدينة». لا هي أصبحت دبي البحر الأحمر، ولا هي حافظت على تواضعها القديم… بقيت بين بين لولا تطور وثقة مستثمر يعي المستقبل ويثق بالقادم ولم يتأخر كمشروع ايلة ومشروع آخر تنقلت ملكيته مرارا بالرغم من أصالة نموذج انشاءه ومشروع ومشاريع نوعية كمنظومة الموانىء وقليل ضبابي هنا وهناك يصعد عاما ويخفت اعواما.
السؤال الكبير: هل نبني المدن لأن لدينا رؤية… أم لأن لدينا أوراقا فارغة ونكتب فيها أي فكرة جديدة؟
وهل المطلوب فعلا مشروع جديد أم المطلوب إعادة التفكير بمنهجية: لماذا تفشل المشاريع قبل أن تبدأ؟ ولماذا نُصرّ على الحلم بدل الاستثمار الواقعي؟
لستُ متشائما، لكن ما يُقال اليوم عن عمرة يشبه ما قيل بالأمس عن وادي عربة، وما قيل قبلها عن مدن ومناطق ومشاريع انتهت بين النسيان والإلغاء. والفرق بين الحلم وبين الاستثمار بسيط: الأول يُعلن في مؤتمر صحفي… والثاني يُثبت نفسه على الأرض. فهل تسمعني ؟ أحب!.
| 1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
02-12-2025 11:27 AM
سرايا |
| لا يوجد تعليقات | ||