حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الثلاثاء ,25 نوفمبر, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 3495

د.عاصم منصور يكتب: لماذا نموت؟

د.عاصم منصور يكتب: لماذا نموت؟

د.عاصم منصور يكتب: لماذا نموت؟

25-11-2025 09:15 AM

تعديل حجم الخط:

بقلم : د.عاصم منصور
يقدّمُ فينكي راماكريشنان في كِتابه Why we die رؤيةً متكاملةً للشيخوخةِ والموتِ بوصفِهما نتيجةَ مسارٍ طويلٍ منَ التّطور البيولوجي، لا مجرّدَ خطأٍ أو لعنةٍ تُلاحقُ الإنسان، وينطلقُ المؤلّفُ من سؤالٍ يبدو بسيطًا في ظاهرهِ: لماذا نَشيخُ ونموتُ؟ فالإجابة عن هذا السُّؤال تقودُنا إلى قلبِ علاقتِنا بأجسادِنا وبالعلمِ وبالمعنى الذي نمنحَه للحياةِ ذاتها.


يرى المؤلّف أنّه في مراحل عمر الإنسان الأولى يكون في قمّة عطائِه الجسدي وقدرته على التّكاثُر، لكن هذا الجسد يبدأ بفقدانِ قدرتِه مع التقدّم في العمر، فتُترك الطّفراتُ الضّارة والاختلالاتُ الصّغيرةُ لتتراكم في الخلايا والأنسجةِ من دُونِ إِصلاحٍ كامل.
ومع مُرورِ السّنوات، تتضرّرُ المادةُ الوِراثية، وتفقدُ البروتيناتُ استقرارَها، وتضعفُ الأجسام المسؤولةُ عن إنتاجِ الطّاقة، وتتراجعُ كفاءةُ أنظمةِ الإصلاحِ الخلويّة، فتظهرُ أمراضُ الشيخوخةِ التي نعرِفُها مثل السرطان، وأمراضُ القلب، والزّهايمر، وغيرها.
هكذا تصبحُ الشيخوخة، في منظورِ الكِتاب، عمليةٌ بيولوجيةٌ يمكنُ فهمُها وقياسُها وتتبُّع مساراتها، لا لُغزًا غامضًا خارجَ نطاقِ المعرفة.
لكنّ الكتابَ لا يتوقّفُ عندَ وصفِ ما يَحدُثُ داخِل الخلايا، بلْ يعرجُ على ما يفعَلُهُ العُلماءُ بهذهِ المَعرفة. فمعَ فهمٍ أعمقَ لمساراتِ الأَيضِ وللجُزيئاتِ المُنظّمةِ لعمرِ الخليّةِ بدأَ الباحثونَ ينجحونَ في إطالةِ عُمرِ بعض الكائناتِ البسيطةِ كالدُّودِ والذّبابِ والفئران عبرَ التَّلاعُب بجيناتِها أوْ أنظمتِها الغِذائيَّة.
كما ظهرتْ أدويةٌ ومركّباتٌ تعبّرُ عن طُموح الإنسانِ في «تبطيء الساعةِ البيولوجيةِ»، وهذه تهدفُ ليسَ فقط إلى زيادةِ عددِ السّنوات، بل إلى إطالةِ مرحلةِ الصِّحة والعافية، بحيثُ لا يتمُّ إضافةُ سنواتٍ من الوهن والمرض.
منْ هذا المنظورِ العلمي الطّمُوح، ينتقلُ المؤلف إلى مساحةٍ أكثرَ تعقيدًا، هيَ مساحةُ الأخلاقِ والمجتمعِ والمعْنى. فلو افترضْنا أنَّ العلمَ استطاعَ فعلًا أن يُمدَّ في أعمارِنا عُقودًا إضافية، فمنْ الذي سيستفيدُ من هذه الإضافة؟ وهل ستكونُ تقنياتُ إطالةِ العُمرِ حِكرًا على الأغنِياءِ وسكّانِ الدّولِ المتقدّمة، فيتّسعُ بذلكَ الفارِقُ بينَ طبقاتِ البشرِ؟ وماذا عن أثرِ ذلك على الكثافةِ السّكانيةِ والمواردِ والبيئة، في عالمٍ يُعاني أصلًا من ضُغوطٍ هائلةٍ على الغذاءِ والماءِ والطاقة؟ ثمّ كيفَ سيُعادُ تشكيلُ سُوقِ العملِ وأنظمةِ التَّقاعدِ والعلاقاتِ بين الأجيال؟
لا يكتفي المؤلِّف بهذه الأسئلة الواقعيَّة، بل يتوغَّل في البُعد الفلسفيّ والوجوديّ للمسألة، فالموتُ، رغم ما فيه من مأساةٍ وألم، هو الحدُّ الذي يُعطِي لحياتِنا شكلًا ومعنىً. فإدراكُنا أنَّ الزمنَ محدودٌ هو ما يَدفعُنا إلى الإنجازِ وتحقيق الذّات.
إن سعي العلمِ إلى تحسينِ نوعيَّةِ حياةِ الإنسانِ في شيخوخَتِه طموحٌ مشروعٌ بشرطِ ألّا يتحوَّلَ هذا المسعى إلى هوسٍ بالخلودِ أو تجاهلٍ للأسئلة الأعمقِ حول نوع الحياة.
فيجب أنْ ترافقَ أبحاثُ إطالةِ العُمرِ مناقشاتٌ واسعةٌ حول العدالةِ الاجتماعيةِ وتوزيعِ الموارد، وحول مسؤوليتِنا تجاه الأجيالِ القادمة، وحول الصّورةِ التي نرغبُ أنْ يكونَ عليها الإنسانُ التي توازنُ بين طولِ الحياةِ وعُمقِها وجودتِها ومعناها.
الشيخوخةُ والموتُ هُما ثمرةٌ من ثمارِ شجرةِ الحياةِ ذاتِها، وأنَّ محاولةَ فهمِهما أو حتى تأجيلِهما لا بدَّ أنْ تكونَ مُرتبطةً دائمًا بفهمِنا لمنْ نكون، ولماذا نحيا أصلًا.
فقد حدَّدَ دينُنَا الحنيفُ بوضوحٍ الغايةَ من وجودِنَا، وهي عبادةُ الله وعمارةُ الكون، لذلك لا ينبغي أنْ ننظرَ إلى الشيخوخةِ والموت بوصفهِما نهايةً حتميَّةً لحياةٍ عابِرة، بل مرحلتينِ في طريقٍ أَطولَ يمتدُّ إلى الآخرة. فموتُ الجسد هو بوابةٌ لحياةٍ أُخرى وحلقة في سُنَّة التداول بين الأجيال، وبهذه الرُّؤيَةِ يستعيدُ الزمنُ معناهُ وتستقرُّ الشيخوخةُ والموتُ في مكانهما كجُزءٍ من رحلةِ الإنسانِ إلى ربّه، عندها سنتمكن من طرح السؤال الصحيح: لماذا نحيا؟











طباعة
  • المشاهدات: 3495
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
25-11-2025 09:15 AM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
برأيك.. هل يرضخ نتنياهو لضغوط ترامب بشأن إقامة دولة فلسطينية؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم