17-11-2025 08:23 AM
بقلم : الصيدلي عدوان قشمر نوفل
في حياتنا تختلط الكثير من المفاهيم، ومن أكثرها شيوعا الخلط بين “الصاحب” و“الصديق”.
نلتقي في أيامنا بأصحاب كُثُر، يرافقوننا في العمل أو الدراسة أو السفر، لكن الصداقة الحقيقية قليلة ونادرة، تُبنى على الصدق لا على الوقت، وعلى المواقف لا على الظروف.
اللغة العربية نفسها تشير إلى تمييز واضح بين الكلمتين؛ فالصاحب مشتق من الصحبة، أي المرافقة، وقد تكون طويلة أو قصيرة. أما الصديق فهو من الجذر “صدق”… وهو من يصدقك ويصدق معك، وتقوم العلاقة معه على الإخلاص والثقة.
أولا: من هو الصاحب؟
الصاحب هو رفيق اللحظة، شخص تلقيه في طريق العمر، تجمعك به الظروف قبل أن تجمع القلوب.
قد يكون:
زميل دراسة يشاركك المقررات ثم ينتهي أثره بانتهاء الجامعة.
رفيق سفر تتحدث معه أياما ثم لا تعرف عنه شيئا بعد ذلك.
جار تسلم عليه كل صباح دون أن تعرف عمق شخصيته.
الصحبة هنا وظيفية أو ظرفية، لا تلزمها الثقة الكاملة، ولا تعتمد على التضحية أو المشاركة الوجدانية. ولهذا قال العلماء إنّ “الصاحب” علاقة مرتبطة بالمكان والزمان أكثر من ارتباطها بالوجدان.
ثانيا: من هو الصديق؟
الصديق هو الامتداد العاطفي والإنساني للروح. هو الذي يبقى حتى بعد أن تتغير الطرق، وتنتهي الظروف، وتنقطع المصالح.
الصديق:
يعرفك في قوتك وضعفك.
يقف معك عندما يتراجع الجميع.
يخاف عليك أكثر مما تخاف على نفسك.
يواجهك بالحق ولو كان صعبًا.
وقد لخص العرب ذلك بقولهم:
“الصديق هو أخ لم تلده أمك.”
ثالثًا: الفرق بين الصاحب والصديق
بين الصاحب والصديق هوة لا يردمها الزمن بل يردمها العمق.
الصاحب يرافقك، أما الصديق فيسندك.
الصاحب قد يمر، لكن الصديق يترك أثرا لا يُنسى.
رابعا: الصاحب والصديق في الفلسفة والأدب
1. أرسطو:
قسم أرسطو العلاقات الإنسانية إلى ثلاثة مستويات:
صداقة المنفعة
صداقة اللذة
صداقة الفضيلة
الأولى والثانية تشبه “الصحبة”، أما الثالثة فهي الصداقة الحقيقية المبنية على الأخلاق والوفاء والثبات.
وفي رأيه، صداقة الفضيلة هي أطول العلاقات عمرا وأعمقها تأثيرا.
2. جبران خليل جبران:
ترك جبران تعريفا شاعريا للصديق حين قال:
“الصديق هو كالعطر… كلما مرّ عليه الوقت ازداد جمالا.”
وفي قوله إشارة واضحة إلى أنّ الصاحب لا يترك غالبا أثرا، بينما الصديق يزداد قيمة بمرور الزمن.
3. الإمام الشافعي:
رفع الشافعي معيار الصداقة إلى ذروة الأخلاق بقوله:
“سلام على الدنيا إذا لم يكن بها
صديق صدوق صادق الوعد منجزا.”
فالصديق الحق صدق ووعد ونقاء قلما يُوجد كلّه في صاحب الطريق.
4. علي بن أبي طالب رضي الله عنه:
قال: “صديقك من صدقك لا من صدّقك.”
بهذا يميز الإمام بين من يجامل (وهو دور الصاحب أحيانا)، ومن يصحح لك ويهديك (وهو جوهر الصداقة).
خامسا: الصاحب والصديق في الإسلام
وردت كلمة “الصاحب” في القرآن في سياقات واسعة، معظمها يشير إلى المرافقة العامة، مثل:
“والصاحب بالجنب”
“إِذ يقول لِصاحبه لا تحزن”
أما الصداقة بمعناها الروحي فتظهر في قول النبي ﷺ:
“المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل.”
فالخليل هو الصديق الذي يؤثر في السلوك والقلب والهوية.
سادسا: هل يمكن أن يتحول الصاحب إلى صديق؟
نعم… كثير من أعظم الصداقات تبدأ من صحبة عابرة.
لكن ما يصنع التحول هو الصدق والوفاء وامتداد القلب، لا كثرة الوقت أو عدد اللقاءات.
فالزمن وحده لا يصنع صديقا… إنما يصنعه الموقف.
الخاتمة:
الاصحاب كثيرون...الاصدقاء قله
الاصحاب
عابرون... والاصدقاء مقيمون
الاصحاب
متغيرون ...و الاصدقاء
ثابتون.
الصاحب جزء من يومك… أما الصديق فهو جزء من حياتك.
الصاحب يشاركك المكان… والصديق يشاركك الوجدان.
الصاحب قد يرحل بصمت… والصديق يبقى صداه مهما غاب.
وفي النهاية، تبقى الصداقة الحقيقية كنزا لا يمنح إلا لمن يستحقه، ولا يكتشف إلا في أصعب اللحظات.
| 1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
17-11-2025 08:23 AM
سرايا |
| لا يوجد تعليقات | ||