حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الأحد ,16 نوفمبر, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 3147

الحبيس يكتب: التعليم العالي الأردني بين التحديات والإصلاح: نحو رؤية متوازنة لمستقبل الجامعات

الحبيس يكتب: التعليم العالي الأردني بين التحديات والإصلاح: نحو رؤية متوازنة لمستقبل الجامعات

 الحبيس يكتب: التعليم العالي الأردني بين التحديات والإصلاح: نحو رؤية متوازنة لمستقبل الجامعات

16-11-2025 08:37 AM

تعديل حجم الخط:

بقلم : د. محمود الحبيس
يشهد التعليم العالي في الأردن مرحلة دقيقة تتطلب قراءة معمقة للواقع، ومراجعة شاملة للسياسات والممارسات التي تحكم منظومته. فبين تعدد المرجعيات وتداخل الصلاحيات وتكرار القرارات، بات من الضروري إعادة رسم ملامح الطريق لضمان أن تبقى جامعاتنا رافعة للتنمية ومصنعًا للعقول، لا ضحية لاجتهادات إدارية أو قرارات متسرعة.


لقد أفرز الواقع الحالي مجموعة من التحديات التي لا يمكن تجاهلها، بدءًا من غياب التخطيط الاستراتيجي المتكامل بين وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، ومجلس التعليم العالي، وهيئة اعتماد مؤسسات التعليم العالي، ومؤسسات اخرى ذات صلة ، وصولًا إلى التفاوت في تطبيق التعليمات وضعف التنسيق بين الجهات المعنية. فالوزارة، التي يفترض أن تقود منظومة التعليم برؤية موحدة، تحتاج إلى ترسيخ نهج تخطيطي طويل المدى يربط البرامج الأكاديمية بمتطلبات سوق العمل، ولعل أن التغييرات المتكررة في الأنظمة والتعليمات تربك الجامعات والطلبة معًا، وتجعل العملية التعليمية أقرب إلى التجريب منها إلى التخطيط.

أما مجلس التعليم العالي، وهو الجهة العليا لصناعة القرار الأكاديمي، فالمأمول منه أن يعزز مبادئ الشفافية والموضوعية في قراراته، خصوصًا في ملف تعيين القيادات الجامعية وأعضاء مجالس الأمناء، بما يضمن العدالة وتكافؤ الفرص ويعزز ثقة المجتمع الأكاديمي بالمؤسسات التعليمية ، ولعل ما وضعه وزير التعليم العالي من محاولات يمكن البناء عليها.
وفي المقابل، تحتاج هيئة اعتماد مؤسسات التعليم العالي إلى موازنة أدق بين الشكل والمضمون؛ إذ لا يكفي التركيز على الجوانب الورقية والإجرائية دون تقييم فعلي لمخرجات البرامج ومستوى الخريجين في الميدان العملي. فالمعيار الحقيقي للجودة هو كفاءة الخريج وقدرته على المنافسة، لا عدد الوثائق أو نماذج الاعتماد.
أما ما يتعلق بلجان المعادلة والاعتراف، فهناك حاجة ماسة إلى توحيد المعايير وتوضيح الإجراءات بما يضمن العدالة لجميع الطلبة، ويمنع التناقض في القرارات. وكذلك الأمر بالنسبة لمديرية البعثات التي يُفترض أن تقوم بدور ريادي في تحقيق العدالة بين الطلبة، من خلال توزيع المنح والقروض وفق أسس واضحة تجمع بين التفوق والحاجة، بعيدًا عن أي تأثيرات غير أكاديمية.والمأمول ان يكون هناك مساران في عملية الابتعاث بشكل منفصل فالاول يتعلق بالتفوق الاكاديمي والثاني يتصدى لحالة الطلية الاجتماعية والمادية ويلامس الطالب المحتاج .
التجارب الدولية دروس ملهمة, فلقد أثبتت التجارب العالمية أن تطوير التعليم العالي لا يتحقق إلا من خلال وضوح الهياكل واستقلال القرار الأكاديمي. ففي دول مثل سنغافورة وكوريا الجنوبية وألمانيا وكندا، نُفّذت سياسات طويلة الأمد لربط البرامج الجامعية بسوق العمل، مع هيئات اعتماد مستقلة تضمن الشفافية والجودة. أما في عالمنا العربي، فقد حققت الإمارات وقطر خطوات متقدمة في أتمتة أنظمة التعليم وربطها بمؤشرات أداء دقيقة، ما رفع كفاءة الجامعات وجاذبيتها للطلبة من مختلف الدول.
الدمج المقترح بين وزارتي التربية والتعليم والتعليم العالي رؤية تحتاج إلى دراسة معمقة، إن فكرة دمج الوزارتين تستحق النقاش، لكنها تحتاج قبل أي شيء إلى دراسات علمية شاملة تقيّم الأثر المتوقع على استقلالية الجامعات وجودة التعليم. فغياب الدراسات والخطط البديلة قد يؤدي إلى إرباك إداري وفقدان التوازن بين التعليم العام والعالي، وهو ما يستدعي أن يتم أي قرار مستقبلي بروح من الحوار الوطني والمشاركة المؤسسية الواسعة.

لتحقيق الإصلاح المنشود وضمان استدامة جودة التعليم العالي الأردني، يمكن الإشارة إلى مجموعة من الخطوات العملية:
1. إنشاء مرصد وطني لمتابعة أداء الجامعات بصورة مستقلة وشفافة.
2. تعزيز معايير الجودة والاعتماد وربطها بالمخرجات الحقيقية لا بالمتطلبات الشكلية.
3. توحيد سياسات المعادلة والاعتراف بالشهادات لضمان العدالة والمساواة بين الطلبة المحليين والوافدين.
4. إرساء مبادئ الشفافية والمساءلة في القرارات الأكاديمية والإدارية كافة.
5. إجراء دراسات متخصصة قبل أي خطوة لدمج الوزارات، مع وضع خطط طوارئ واضحة.
6. إشراك المجتمع الأكاديمي والقطاع الخاص في صياغة السياسات التعليمية بما يضمن مواءمتها مع سوق العمل.

وذلك يتطلب أيضًا مراجعة تفصيلية في آلية اختيار الطلبة، مع التأكيد على التزام مديرية البعثات بمبادئ العدالة والشفافية في كل مراحل الاختيار. كما أن هناك حاجة ماسة لإعادة تقييم المؤشرات الحالية لتستوعب شرائح محددة من الطلبة، خصوصًا أولئك الذين يواجهون ظروفًا اجتماعية أو مالية خاصة، مثل الحالات التي يتولى فيها أحد الأبوين الإنفاق على الطالب في ظل تحديات اقتصادية أو اجتماعية. هذه المراجعة تمكّن من الوقوف على الشرائح الهشة في المجتمع وضمان حصولها على فرص عادلة، بما يتماشى مع أهداف التعليم العالي في تمكين الجميع وتحقيق العدالة الاجتماعية.

إن ما يمر به التعليم العالي الأردني ليس أزمة بقدر ما هو مرحلة مفصلية تحتاج إلى مراجعة جادة ومسؤولة. فالمقال ليس نقدًا أو تجريحًا، بل نداء صادق من منطلق الانتماء الوطني والرغبة في أن يبقى الأردن منارة علم وفكر.

فالإصلاح الحقيقي يبدأ بالاعتراف بالمشكلات، ثم العمل على معالجتها بموضوعية وشراكة. والتعليم العالي سيبقى ركيزة النهضة الوطنية ورافعة التنمية المستدامة، متى ما أُعيد إليه توازنه واستقلاليته، واستندت قراراته إلى العلم والكفاءة لا إلى الظرف والسياسة.

ختامًا، شخصية معالي الدكتور وزير التعليم العالي ، تمنح وعيًا عميقًا بمتطلبات عملية التطوير المنشودة، ويستحق أن يُسجل ويترك أثرًا وإنجازات نوعية في مسار التعليم العالي الأردني.

في هذا السياق، تسير وزارة التربية نحو تغييرات جذرية تتطلب سنوات طويلة لترسيخ ما تحقق من إنجازات ضمن خطة تطوير شاملة، وهو ما يفتح المجال لوضع استراتيجية متكاملة لقطاع التعليم العالي على مدى سنوات محددة، قبل التفكير في دمج مهام الوزارتين ضمن نموذج أردني وطني يلائم خصوصية المجتمع الأردني ويحقق أهداف التعليم بكفاءة وفاعلية.











طباعة
  • المشاهدات: 3147
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
16-11-2025 08:37 AM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
برأيك.. هل يرضخ نتنياهو لضغوط ترامب بشأن إقامة دولة فلسطينية؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم