02-11-2025 08:39 AM
بقلم : د. خالد السليمي
حين يتحدث العرش، تُفتح النوافذ على الصراحة وتُغلق أبواب التبرير، فقد جاء خطاب جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين في افتتاح الدورة العادية الثانية لمجلس الأمة العشرين مختلفاً عن كل الخطابات السابقة، صريحاً في تشخيصه، حاداً في توجيه رسائله، وواضحاً في رسمه لخريطة طريق الإصلاح، جاء الخطاب دعوة صريحة ومُلزمة لمراجعة الذات الوطنية وإعادة بناء الثقة بين الدولة وشعبها، لا عبر الكلمات، بل من خلال الفعل الصادق والعمل الجاد، واليوم، تقف حكومة دولة جعفر حسان أمام لحظة تاريخية فاصلة، فإما أن تتحول إلى حكومة إنجاز تستجيب لنبض الناس وتنفذ التوجيهات الملكية، أو تبقى نسخة جديدة من حكوماتٍ استهلكت الوقت والفرص والآمال.
جرس الإنذار الملكي: الإصلاح لم يعُد ترفاً سياسياً
كلمات جلالة الملك كانت بمثابة جرس إنذار لا يحتمل التأجيل فالإصلاح لم يعُد ترفاً، بل ضرورة وطنية للبقاء والتقدم، فالدولة التي لا تُراجع نفسها، يراجعها التاريخ، الرسالة الملكية كانت حاسمة بأن الترهل الإداري، والفساد المقنّع، والتردد في اتخاذ القرار لم يعُد مقبولاً، المطلوب من الحكومة الجديدة أن تُعيد الانضباط المؤسسي وأن تُثبت أن الأردن قادر على الانتقال من مرحلة الوعود إلى مرحلة العمل، من إدارة الأزمة إلى صناعة الحل، فالإصلاح اليوم لم يعُد مجرد خطة في الأدراج، بل هو امتحان وطني لمصداقية الدولة أمام شعبها والعالم.
دولة جعفر حسان بين التحدي والمسؤولية التاريخية
دولة جعفر حسان يعرف مفاصل الدولة جيداً، ويُدرك حجم الأمانة التي وُضعت في عنقه، لكنه اليوم أمام اختبار مختلف، اختبار الإرادة السياسية لا الخبرة البيروقراطية، عليه أن يُثبت أن الحكومة ليست مجرد إدارة ملفات، بل قيادة مرحلة انتقالية نحو دولة الفعل لا القول، التحدي أمامه مضاعف، لأن الأردنيين أنهكتهم الوعود المتكررة، ولم يعودوا يقيسون النجاح بالتصريحات، بل بما يلمسونه في حياتهم اليومية، ولعلّ أهم ما يُنتظر من هذه الحكومة أن تُعيد تعريف العلاقة بين الدولة والمواطن على أساس الثقة، الشفافية، والعدالة.
استعادة نبض الأردنيين… من الإنهاك إلى الأمل
الشعب الأردني لا يحتاج خطابات عاطفية، ولا الى دفتر ملاحظات حكومي صغيراً كان أم كبيراً، بل الى حكومة تُنصت لهمومه وتتحسس وجعه، فالمواطن اليوم يعيش ضغطاً اقتصادياً غير مسبوق، بين أسعار ترتفع بلا مُبرر، وضرائب لا تنتهي، وبطالة تُحبط الطموح، فإستعادة نبض الأردنيين تبدأ بصدق التعامل معهم، وبقرارات تُعيد الثقة المفقودة، على الحكومة أن تقترب من الناس لا بالمواكب والسيارات السوداء، بل بالحضور في الميدان والقرارات الشجاعة التي تُعيد العدالة الاجتماعية وتُعيد للدولة وجهها الإنساني، فالأردن قوي بِمَلِكهِ وبشعبه، لكنه بحاجة إلى تنفيذ عمق توجيهات الخطاب الملكي والى من يُشعر هذا الشعب أن قوته تُحترم وتُستثمر لا تُستنزف.
الاقتصاد… مُفتاح النجاة من عنق الزجاجة
الاقتصاد الأردني لا يحتاج إلى توصيف جديد، بل إلى فعل جديد، الديون تتراكم، والمشاريع تتوقف، والاستثمار ينتظر مناخاً أكثر شفافية وعدالة، الحلول الترقيعية لم تعُد تُجدي، والمطلوب خطة اقتصادية وطنية جريئة تُعيد توزيع الموارد بعدالة وتفتح الباب أمام الاستثمار المنتج لا الاستهلاكي، حكومة دولة جعفر حسان مطالبة بإنعاش الطبقة الوسطى ودعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، لأن هذه الفئات هي التي تحمي الاقتصاد من الانهيار وتُعيد له الحيوية، فالإصلاح الاقتصادي يجب أن يبدأ من السوق لا من جداول الإحصاء، ومن الناس لا من المؤتمرات.
معركة الفساد والترهل الإداري
لا إصلاح بلا مواجهة جذرية للفساد، ولا تنمية مع ترهل إداري يُفرغ القرارات من مضمونها، الأردنيون يريدون أن يروا مسؤولين يُحاسَّبون لا يُكرَّمون، وأن يشعروا أن الدولة تُطبق القانون على الجميع دون استثناء، الفساد الإداري أخطر من الفساد المالي لأنه يقتل روح العدالة ويُفقد المواطن ثقته بكل شيء، المطلوب اليوم ليس شعارات النزاهة، بل مؤسسات تمتلك الجرأة على المساءلة والشفافية، فالدولة التي لا تُحاسب نفسها تُفقد هيبتها، والشعب الذي لا يرى العدل يُحبط ويغضب.
العدالة الاجتماعية… البوصلة الملكية للإصلاح
حين قال جلالة الملك "الإنسان هو أغلى ما نملك"، لم يكن ذلك شعاراً بل مبدأ دولة، فالعدالة الاجتماعية هي روح الإصلاح وعموده الفقري، وهي التي تضمن الأمن والاستقرار أكثر من أي قوة عسكرية أو مالية، حكومة دولة جعفر حسان مطالبة بترجمة هذه الرؤية إلى سياسات عادلة في التعليم والصحة والعمل والسكن، وإعادة الاعتبار للمناطق المهمشة التي تعاني من البطالة والفقر، العدالة ليست منّة من الحكومة، بل حقٌّ يكفلهُ الدستور ويصُونه جلالة الملك، وواجب على كل مسؤول أن يؤديه بضميرٍ حيّ.
السياسة الخارجية… حكمة جلالة الملك ومسؤولية الحكومة
الأردن، بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني، أثبت أنه حجر الأساس في استقرار المنطقة وصوت العقل في زمن الفوضى، وعلى حكومة دولة جعفر حسان أن تُترجم هذا الدور داخلياً، بسياسات تُعزز الثقة بالدولة وتُثبت للعالم أن الأردن لا يساوم على مبادئه رغم التحديات، السياسة الخارجية الأردنية نموذج في التوازن، لكن قوتها الحقيقية تبدأ من الداخل، من دولة قوية بشعبها، مستقرة بعدالتها، ومتماسكة بمؤسساتها، فالمصداقية الدولية تُبنى على العدالة الوطنية أولاً.
عقد جديد بين الدولة والمواطن
كل ما ورد في خطاب العرش السامي يمكن تلخيصه في جملة واحدة: آن الأوان لعقد اجتماعي جديد، تُعاد فيه صياغة العلاقة بين الدولة ومواطنيها على أساس الثقة المتبادلة والعدالة والمساءلة، على حكومة دولة جعفر حسان أن تفتح باب الحوار الوطني الحقيقي، وأن تُشرك الشباب والنقابات والقطاع الخاص في صنع القرار، فالإصلاح لا يُفرض من فوق، بل يُبنى من القاعدة، وإذا أرادت الحكومة أن تصنع التغيير فعلاً، فعليها أن تبدأ من الميدان، من الناس، من همومهم اليومية التي هي معيار النجاح الحقيقي لأي حكومة.
في التخام فإن العرش تكلم… والرسالة كانت بحجم الوطن وهذا يتطلب بأن لا مزيد من المُماطلة ولا وقت للوعود، الأردن يستحق حكومة تُشبه إرادة الملك وشعبه، حكومة تَبني لا تُبرر، وتُنجز لا تُكرر، دولة جعفر حسان أمام لحظة تاريخية يُمكن أن تكتب اسمه في سجل الإصلاح أو تضعه في قائمة من مرّوا دون أثر، فإما أن تكون حكومته جسراً نحو الثقة والنهضة، أو حلقة جديدة في سلسلة الإحباط، الوطن اليوم على مفترق طريق: إما أن ننهض معاً، أو نُعيد إنتاج الفشل بثوبٍ جديد.
توصيات استراتيجية لحكومة دولة جعفر حسان
1. تفعيل لجنة تنفيذية ملكية التوجيه تُراقب يومياً تنفيذ مخرجات خطاب العرش وتُعلن نتائجها للرأي العام.
2. إطلاق خطة طوارئ اقتصادية وطنية متكاملة تُعالج البطالة، وتُركز على دعم الطبقة الوسطى والمشاريع الصغيرة والمتوسطة وتُعيد إنعاش الطبقة الوسطى.
3. مراجعة شاملة للضرائب والرسوم بهدف تخفيف الأعباء عن المواطن وإنعاش السوق المحلي.
4. إعادة هيكلة الجهاز الإداري بإلغاء الازدواجية وتفعيل المساءلة الصارمة على الأداء، ومُكافحة الفساد الإداري والمحاباة عبر تفعيل المساءلة ووقف التعيينات العشوائية.
5. خفض الضرائب على السلع الأساسية واستحداث سياسات سعرية عادلة تكبح الغلاء وتنعش الأسواق.
6. تبني سياسة شفافية معلنة بنشر تقارير أداء حكومي ربع سنوية.
7. إعادة هيكلة التعليم والتدريب المهني بما يتناسب مع احتياجات السوق لا البيروقراطية.
8. إطلاق ميثاق وتعزيز الشراكة الوطنية بين الحكومة والمجتمع المدني والقطاع الخاص لبناء عقد اجتماعي جديد.
9. ترسيخ العدالة الاجتماعية كمنهجٍ وطني لا شعار، يبدأ من الإنسان وينتهي إلى باعتباره خط الدفاع الأول عن الاستقرار الوطني.
10. الاقتراب من الناس، لا بالتصريحات، بل بالفعل الملموس في الميدان، فالشعب الأردني إذا وثق قاد المعجزات.
| 1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
02-11-2025 08:39 AM
سرايا |
| لا يوجد تعليقات | ||