حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الإثنين ,3 نوفمبر, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 14473

تحليل لقاء جلالة الملك عبدالله الثاني مع قناة BBC: دلالات واضحة لمن يقرأ بين السطور

تحليل لقاء جلالة الملك عبدالله الثاني مع قناة BBC: دلالات واضحة لمن يقرأ بين السطور

تحليل لقاء جلالة الملك عبدالله الثاني مع قناة BBC: دلالات واضحة لمن يقرأ بين السطور

31-10-2025 01:10 PM

تعديل حجم الخط:

بقلم :
د. رأفت غالب البيايضة

في المشهد السياسي المليء بالتعقيد، يطلّ جلالة الملك عبدالله الثاني عبر شاشة قناة BBC البريطانية ليقدّم خطاباً متماسكاً يعكس رؤية أردنية واضحة، واقعية، وإنسانية في آنٍ معاً. حديث الملك لم يكن مجرد تصريح سياسي عابر، بل كان إعلاناً عن موقف وطني ثابت يرسم معالم الدور الأردني في مرحلة ما بعد الحرب على غزة، ويحدّد خطوطه الحمراء بثقة واتزان.

بدأ الملك حديثه بتوصيف دقيق لما يجري في غزة، مؤكداً أن ما يحدث هناك "إبادة جماعية"، وهي عبارة نادراً ما يستخدمها زعماء المنطقة بهذا الوضوح. تلك المفردة وحدها كانت كافية لتضع الأردن في محور الدفاع الأخلاقي عن الشعب الفلسطيني، لا من باب الشعارات، بل من باب الشهادة المباشرة والإنسانية التي تحرّكها مشاهد الألم اليومية.

ثم انتقل جلالته إلى لبّ الموقف السياسي حين قال بوضوح إن الأردن لن يرسل قوات مسلحة إلى قطاع غزة، موضحاً أن المملكة "قريبة سياسياً جداً" من الوضع في القطاع، وهذا القرب يجعل من المستحيل المشاركة في أي مهمة عسكرية أو أمنية تُفرض من الخارج. هذا التصريح حمل رسائل متعددة: إلى الداخل الأردني الذي يرفض أي تدخل عسكري في الأراضي الفلسطينية، وإلى المجتمع الدولي الذي يطرح بين الحين والآخر أفكاراً حول قوات "حفظ أو إنفاذ السلام" في غزة.

وقد فصّل الملك في التمييز بين مفهومي حفظ السلام وإنفاذه، مؤكداً أن الأردن لا يمكن أن يكون طرفاً في أي مهمة قسرية تُفرض على شعب محتلّ. وفي الوقت نفسه، أشار إلى استعداد الأردن للمساهمة في تدريب عناصر الأمن الفلسطينية بالتعاون مع مصر، بما يضمن بناء قدرات محلية قادرة على إدارة الأمن بعد الحرب، لا فرض الأمن بقوة السلاح الأجنبي.

أما في الجانب الإنساني، فقد تحدّث جلالته بروح الأب والمسؤول، عن دور الأردن في إسقاط المعونات جواً إلى غزة، في مشهد وصفه بأنه "يُظهر التزام الأردن الإنساني قبل السياسي"، مشدداً على أن حماية المدنيين ووقف القتل يجب أن يكون أولوية العالم الآن، لا الترتيبات السياسية أو مشاريع النفوذ.

في تحليل مضمون اللقاء، يمكن القول إن الملك قدّم مزيجاً من الصلابة السياسية والدفء الإنساني. قوّة الخطاب جاءت من وضوحه ومباشرته، ومن حفاظه على التوازن بين المبادئ والسياسة الواقعية. لكنه في الوقت ذاته ترك هامشاً من الغموض حول تفاصيل المشاركة الأردنية المستقبلية في إعادة إعمار غزة أو إعادة بناء مؤسساتها الأمنية، وهو غموض محسوب بدقة، يتيح للأردن أن يتحرك ضمن أريحية سياسية دون التزامات مبكرة.

الرسالة الأعمق في حديث الملك، أن الأردن لا يتعامل مع القضية الفلسطينية كملف خارجي، بل كجزء من ذاته السياسية والأمنية والوجدانية. ولهذا، فإن رفضه إرسال قوات ليس انسحاباً من الموقف، بل تأكيد على أن دور الأردن سيكون بناءً وتوجيهاً وتنسيقاً، لا اقتحاماً ولا قتالاً.

في النهاية، كان اللقاء مع قناة BBC بمثابة وثيقة سياسية أردنية بامتياز، عبّرت عن نضوج في الرؤية وصدق في التعبير. الملك عبدالله الثاني لم يخاطب الغرب فقط، بل وجّه حديثه إلى العرب والأردنيين قائلاً ضمناً: “الأردن يعرف حدوده، لكنه لا يتنازل عن ثوابته”. وهنا تكمن الدلالات الواضحة التي أرادها جلالته — صوت العقل في زمن الصخب، والاتزان في زمن الجنون السياسي.








طباعة
  • المشاهدات: 14473
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
31-10-2025 01:10 PM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
برأيك، هل تنتقل المعارك والمواجهات إلى الضفة الغربية بعد توقف الحرب بين "إسرائيل" وحماس في غزة؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم