30-10-2025 08:54 AM
بقلم : يحيى الحموري
عَلى سِكّةِ الحَقِّ وَفي مَهبِّ الرِّيحِ، يَقِفُ الأُردُنيُّ كَالنَّسرِ الجَبَلِيِّ، عِزٌّ لا يَميلُ، وصَخرٌ لا يَسيلُ، وصَوتٌ إذا تَكلَّمَ ارتَجَّتْ لَهُ الجِبالُ وَاهتَزَّتْ مَعانِي الكَونِ إعجابًا وَانكِسارًا.
يا مَن تُدْرِكُونَ ولا تُدْرِكونَ، الأُردُنيُّ لَم يُخلَق لِيُزاحِمَ في سُوقِ الغَنائِم، بَل خُلِقَ لِيَصونَ الفِكرَ مِنَ التَّدنِّي، وَالوَطَنَ مِنَ التَّقسيمِ، وَالكرامةَ مِنَ المَسخِ وَالارتهان.
عَجيبٌ أمرُ هذا الأُردُنيّ، إن صَمَتَ فَكأنَّهُ يُحدِّثُ السَّماءَ بِلُغَةٍ لا تُدرَكُ، وإن تكلَّمَ فَكَأنَّهُ يُلقِي البَيَانَ الأَوَّلَ في تاريخِ الوُجود.
يُعرَفُ بِنَبرَةٍ مِن صَخرٍ، وَنَفَسٍ مِن قُدسٍ، وَنَظرةٍ تُحاكِي شُموخَ جِبالِ الشَّراهِ وَصَبرَ الكَرَكِ وَنَقاءَ رُمحٍ من بَصيرَةِ البَلقاء، وعنفوانَ الطفيلة التي تنحني لها الرياح إجلالًا لصمودها، وبهاءَ معان التي تسكنها الكبرياء كما تسكن النار في جوف الصوان، وبهجةَ مادبا التي تُلوّن الروح كما تُلوّن الفسيفساء وجه التاريخ، وشموخَ السلط التي تعانق الغيمَ وتُلقّن الأجيال معنى العزة والإباء.
ومن هناك من الشمال، حيثُ الرمثا صهيلُ الفروسية، وإربد عِلمٌ وضياء، وجرش تاريخٌ ينهضُ من حجارتِه ليتكلّم، وعجلون خُضرةُ القلبِ ونقاءُ الروح، إلى الزرقاء درعِ الوطنِ وسيفِه، مصنعِ البطولةِ وعرينِ الجنديةِ الأولى، حيثُ تتجذّر الإرادةُ وتتعانقُ الكرامةُ مع العَرقِ والشرف.
وإلى البوادي، حيثُ الباديةُ الشماليةُ تمتطي صهواتِ الأصالة، والباديةُ الوسطى تَحملُ العهدَ فلا يَنقَضُ، والباديةُ الجنوبيةُ تَحفَظُ في رمالِها سِرَّ الشهداءِ ونقاءَ العروبة.
ولا ننسى المخيّماتِ التي أنجبت رجالًا من وهجِ الصبرِ ونارِ الانتماء، المخيّماتِ التي ما انطفأتْ في لياليها شعلةُ الكرامةِ ولا خَبَا فيها حُلمُ العودة، فكانت ذاكرةَ النضالِ وشاهدَ الوفاءِ على امتدادِ الوطن.
كلُّ ذرةٍ من تُراب هذا الوطن نَبضٌ من قلب الأردنيّ، وكلُّ محافظةٍ منه بيتٌ يسكنه المجد، وكلُّ باديةٍ جناحٌ يرفرفُ به الوطن نحو العُلا
فَلا تُجرِّبوا على هذا الشَّعبِ مَكرَ الأقلامِ وَزَيفَ المَقالِ، فَهُوَ الذي قرأَ التاريخَ قبلَ أن يُكتَب، وَعرَفَ الحَقيقةَ قبلَ أن تُنشَر، وَتَذوَّقَ مِلحَ العَيشِ قبلَ أن يُملَّحَ بالكَذِبِ وَالنِّفاق.
هوَ ابنُ الدَّولةِ لا ابنُ المَكرُمات، وَرَجُلُ المَواقفِ لا رَجُلُ المَوائد، يَسْكُنُ في حُبِّ الأردنِّ كما تَسكُنُ الأرواحُ في أجسادِها، وَيُدافِعُ عنه كما تُدافِعُ الشُّموعُ عَن ضِيائِها في وَجهِ العاصِفَة.
فَاتَّقوا في الأُردُنيِّ صَبرَهُ، فإنَّهُ إن غَضِبَ تَزَلزَلَتْ ِقلَاعُ الاسْتِبْدَادِ وكُهُوفُ الطُّغْيَانِ وأَرْكَانُ البَغْيِ
وأَطْلَالُ الجَوْر وحُصُونُ الفَسَادِ،
وإن نَطَقَ نَزَفَتِ الحُروفُ دَمًا وَصَراخًا وَنُبوءَة.
هوَ رِياحُ التَّاريخِ إذا هَبَّت، وَنُورُ التَّغييرِ إذا أَقبَل، وَإرادةُ الحياةِ إذا احتَضَرَتِ الأُمَم.
لَيسَ الأُردُنيُّ وَرَقَةً تُطوى، وَلا صَوتًا يُشترى، وَلا حِبرًا يُؤجَّر؛ إنَّهُ القصيدةُ التي كَتَبَها اللهُ في سفرِ الصُّمودِ، وَتَلاها العَدلُ في مَحاريبِ الزَّمَن.
يحيى الحموري
| 1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
30-10-2025 08:54 AM
سرايا |
| لا يوجد تعليقات | ||