27-10-2025 08:24 AM
بقلم : نادية سعدالدين
لا ثقة في ما يردده الرئيس ترامب بشأن رفض تقسيم غزة وضم الضفة الغربية للكيان المُحتل أو توفير الضمانة اللازمة لإنهاء حرب الإبادة وعدم استئنافها، نظير مواقفه المعادية للقضية الفلسطينية منذ ولايته الرئاسية الأولى، وتناقض أفعاله مع أقواله المُتغيرة دوماً، وإزاء سياساته التي تعكس التزاماً واضحاً بالأيديولوجية الصهيونية المسيحية المُمثلة لنتاج توظيف مزاعم الرؤية النبوئية التوراتية في الإستراتيجية السياسية سبيلاً لإدامة الاستعمار الصهيوني الإحلالي في فلسطين المحتلة، ودعم مشروع إسرائيل الكبرى التوسعي بالمنطقة.
ولا يحيد ترامب عن مسار كثير ممن سبقوه من الرؤساء الأميركيين في متانة الروابط مع المسيحية الصهيونية (Christian Zionism) بوصفها علاقة قديمة تسبق أحداث 11 سبتمبر 2001، خلافاً للمعتقد السائد، حيث يعود تأثيرها إلى عقد الستينيات من القرن المنصرم الذي شهد بداية تعبئة للمحافظين الأميركيين وميلاد تيار يميني يقوده تحالف من اليمين الديني والمحافظين الجدد بمساعدة صهيونية، فيما تواصل بعد ذلك التأثير في مواقف الإدارات الأميركية المتعاقبة، بشكل نسبي، لجهة دعم الكيان المُحتل على حساب الحقوق الفلسطينية والعربية المشروعة.
إذ لم يكن، على سبيل المثال؛ انتصار الرؤساء ريتشارد نيكسون عام 1972 وجيمي كارتر عام 1976 ورونالد ريغان عام 1980 وبيل كلينتون (1993 – 2001) وجورج بوش الابن (2001 – 2009) وجو بايدن (2021 – 2025) في الانتخابات الرئاسية الأميركية آنذاك، إلا، في أغلبه، نتيجة مساهمات وأعمال من المحافظين واليمين الديني والعلماني، حيث اشتدت في عهدهم حملات الصهيونية المسيحية للتأثير في سياسات الرئاسة الأميركية وسط مناخ يؤمن بالمعتقدات التوراتية المزعومة وبحق اليهود التاريخي في فلسطين. وقد تزايد تأثير هذه المعتقدات في عهد الرئيس بوش جراء صلابة دورهم ضمن إدارته وحضورهم الكبير في الكونجرس بمجلسيه، وإزاء إيمانه شخصياً برسالة أخلاقية عُهدت إليه للدفاع عن قيم أميركا وحماية الحرية في كل مكان والصراع بين الخير والشر، وفق تصوراته.
ولا تختلف سياسات ترامب ومواقفه عن أسلافه في البيت الأبيض، بل يتفوق عليهم كثيراً؛ منذ ولايته الرئاسية الأولى (2017 – 2021) بدون تعديلها أو تغييرها لاحقاً، مثل إعلانه في 6 ديسمبر 2017، اعتراف إدارته بالقدس عاصمة لإسرائيل، بجانبيها الشرقي والغربي، ونقل سفارة بلاده إليها، عشية ذكرى النكبة الفلسطينية في 15 مايو 2018، بما يعدَ قطيعة مع سبعة عقود من السياسة الأميركية التقليدية نحو القدس المحتلة. واستكملت الإدارة الأميركية مواقفها المضادة؛ عبر وقف تمويل ميزانية وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين الأونروا، في 30 أغسطس 2018، والمقدرة بنحو 360 مليون دولار سنوياً والممثلة لثلثي ميزانيتها السنوية، وحجب الدعم عن مشافي القدس المحتلة ومشاريع فلسطينية شبابية، وإغلاق مكتب بعثة منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، في 10 سبتمبر 2018.
ويبلغ دعم إدارة الرئيس ترامب المُطلق لحرب الإبادة الصهيونية ضد قطاع غزة ذروة التحالف مع الصهيونية المسيحية والتقاطع مع أفكارها، عبر تأييد المشروع الصهيوني التوسعي وتبني الرواية الصهيونية الزائفة بشأن الربط بين المقاومة والعنف والتطرف، وسط فريق يضم أشخاصاً ومستشارين مرتبطين بها ومؤمنين بعقيدتها، ويدفعون نحو تنفيذ خطة ريفيرا الشرق الأوسط على أنقاض الدمار واستباحة الدم الفلسطيني.
ولربما تتغلب الأبعاد الجيوسياسية والاقتصادية والمصالح الشخصية على طبيعة روابط ترامب بالصهيونية المسيحية أكثر من الدوافع الدينية – النبوئية، بدون إنكارها، إذ لها هدف ديني وليس سياسياً فقط بدعم مشروع إسرائيل الكبرى في المنطقة تمهيداً لتطبيق مشروع ديني قيامي، أي مشروع الإعداد السياسي لقدوم يوم القيامة حيث تفنى البشرية في النهاية عن طريق حرب مستدامة، وفقاً لقراءة خاصة للرؤية القيامية في التوراة حتى تتحقق نبوءة الأرماجيدون التي سيجري فيها معركة فاصلة بين الخير والشر في نهاية العالم إيذاناً بعودة المسيح إلى الأرض وستنتهي المعركة لصالح الخير وبإنقاذ المسيح لليهود وبزوغ فجر العصر الألفي تحت حكم المسيح.
ومن هذا المنطلق ترفض الصهيونية المسيحية أي خطط مثل حل الدولتين قد تقود إلى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على أرض صهيون، وهي أرض إسرائيل الأبدية ولا بد أن تكون جزءا منها، وفق منظورها المزعوم.
تتماهى مواقف الرئيس ترامب، وجُلّ سياساته وإجراءاته، مع أهداف المشروع الصهيوني الاستعماري التوسعي لتصفية القضية الفلسطينية وإجهاض الحقوق الوطنية الفلسطينية. ولكن نتائج هذا المسار ليست حتمية، أمام الصمود الأسطوري للشعب الفلسطيني وصلابة المقاومة والتحولات الملفتة في توجهات الرأي العام العالمي والموقف الدولي، لجهة مساندة الفلسطينيين والتنديد بجرائم الاحتلال ونبذه.
| 1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
27-10-2025 08:24 AM
سرايا |
| لا يوجد تعليقات | ||