25-10-2025 02:06 PM
بقلم : احمد عبد الباسط الرجوب
في خضم التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي يمر بها الأردن، يبرز سؤال جوهري: أين يقف البحث العلمي من أولوياتنا الوطنية؟ الإجابة قد تكون صادمة: فبينما تنفق الدول المتقدمة ما يصل إلى 5% من دخلها القومي على البحث العلمي، لا يتجاوز إنفاق الأردن 0.2% فقط، وهي نسبة تكاد تكون رمزية أمام حجم التحديات.
ولكن المفارقة الأكثر إيلاماً لا تكمن في ضآلة المبلغ، بل في مصيره. فصندوق دعم البحث العلمي في وزارة التعليم العالي، ورغم ميزانيته المحدودة، يشهد سنوياً ظاهرة مأساوية: إعادة أجزاء كبيرة من هذه المبالغ من قبل العديد من الجامعات بسبب عدم تنفيذ مشاريع بحثية. هذا ليس مؤشراً على كسل أكاديمي، بل هو عرض لمرض هيكلي عميق.
من المسؤول؟ الجواب معقد وأعمق من أن يحمل لشخص واحد
المسألة ليست بساطة إلقاء اللوم على الباحثين أو إدارات الجامعات. فجوهر المشكلة يكمن في انعدام البنية التحتية اللازمة للبحث الحقيقي. تخيل باحثاً يحصل على منحة صغيرة، لا تكفي لشراء المواد الأساسية للتجارب. فأين سيجري بحثه؟ العديد من الجامعات تفتقر إلى المختبرات البحثية المجهزة، وأجهزة التحليل المتطورة التي قد يتجاوز سعر الواحد منها مليون دينار، ناهيك عن تكاليف الصيانة والمستهلكات.
هنا تتحول العملية برمتها إلى "مسرحية" بيروقراطية: الباحث ينغمس في كومة من التقارير والإجراءات الورقية المستنزفة لصرف المبلغ الضئيل، محروماً من البيئة الحاضنة للإبداع. النتيجة؟ إما بحث نظري ضحل يهدف فقط لترقية الأستاذ أو تخرج الطالب، أو عزوف كامل عن المشاركة في هذه الدائرة المفرغة. فقط عدد قليل من الجامعات - مثل الجامعة الأردنية والعلوم والتكنولوجيا واليرموك والهاشمية وبعض الجامعات الخاصة التي بدأت تستثمر في البنية التحتية - هي من تستهلك ميزانياتها البحثية بالكامل ولديها عطاء بحثي حقيقي.
مفارقة صارخة: البحث العلمي سلاحٌ في الغرب ووسيلة ترقية في الشرق
المشهد في جامعاتنا يبدو أكثر قتامة عند المقارنة مع الحراك العالمي. فبينما شهدنا تظاهرات في أعرق الجامعات الغربية أدت إلى قطع تعاونها البحثي مع إسرائيل، كاشفةً كيف يقوم الكيان الاحتلالي على شراكات تكنولوجية وعلمية متطورة، نجد أن بحثنا لا يزال يدور في فلك الترقيات والعلامات. لقد أدرك العالم أن مقاطعة "عقل" الاحتلال هي شكل من أشكال المقاومة، بينما نحن نعجز عن توظيف عقولنا حتى لخدمة احتياجاتنا المحلية.
الخلاصة: البحث العلمي - لا يزبط - بحساب التجزئة
الخلاصة المؤلمة هي أن إنتاج أبحاث قوية ذي قيمة يتطلب استثماراً جريئاً غير قابل للتجزئة، وبيئة حاضنة، ومجتمعاً صناعياً طالباً للمعرفة وقادراً على استيعابها وتحويلها إلى منتجات. لا يمكن بناء اقتصاد معرفة ببنية تحتية مفككة وتمويل هزيل.
رؤية للخلاص
لتحقيق النقلة النوعية، يجب:
1. رفع الاستثمار الحكومي في البحث العلمي بشكل جذري.
2. تبسيط الإجراءات البيروقراطية المعيقة للإبداع.
3. توجيه الاستثمار نحو تجهيز البنية التحتية للمختبرات البحثية في الجامعات.
4. تحفيز القطاع الخاص للاستثمار في البحث والتطوير كشريك استراتيجي.
5. ربط أولويات البحث بالمشكلات الوطنية والصناعية لضمان تطبيق مخرجاته.: وضع "خريطة وطنية للبحث العلمي" تحدد الأولويات التي تخدم أمننا القومي وتحدياتنا المحلية، كالمياه والطاقة والنقل والأمن الغذائي..
خاتمة
البحث العلمي ليس ترفاً فكرياً، ولا مجرد وسيلة للترقية. إنه سلاح استراتيجي في عالم اليوم، كما أثبتت حركات المقاطعة في الغرب. آن الأوان لنتعامل معه في الأردن على هذا الأساس: استثماراً في سيادتنا، وسلاحاً في معركة الوجود، وركيزةً لبناء مستقبل لا نكون فيه مجرد متفرجين على تحولات العالم، بل فاعلين فيه.
باحث ومخطط استراتيجي
| 1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
25-10-2025 02:06 PM
سرايا |
| لا يوجد تعليقات | ||