حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
السبت ,18 أكتوبر, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 6868

لماذا يصاب الرجال بالاكتئاب اكثر من النساء؟

لماذا يصاب الرجال بالاكتئاب اكثر من النساء؟

لماذا يصاب الرجال بالاكتئاب اكثر من النساء؟

18-10-2025 02:51 PM

تعديل حجم الخط:

سرايا - فرضت "قواعد الرجولة التقليدية" على الرجل عدم التعبير عن مشاعره، فإذا بهذه الثقافة تترسخ في الأذهان، وتنتقل عبر الأجيال لتجعل تكتمه في شأن مشاعره معياراً للرجولة والقوة. هي أفكار ترتبط بالثقافة والتنشئة الاجتماعية، لكن سرعان ما تبين أنها زادت بصورة ملحوظة من الأعباء الملقاة على الرجل. فطاولت هذه الأعباء صحته النفسية وزعزعتها ليصبح أسير معتقدات خاطئة وثقافة تعيب على رجل يعبر عن مشاعره أو عن الضغوط النفسية التي يمر بها. وكان من نتائجها أيضاً ارتفاع معدلات الانتحار بين الرجال بالمقارنة مع النساء، وفق ما تظهره الأرقام. أما في لبنان، فبدت الأعباء كارثية أكثر بعد في ظل الأزمات المتتالية وظروف الحرب التي جعلت الرجل يرزح تحت ضغوط نفسية يصعب تحملها.

يُقدم شخص في العالم على الانتحار كل 40 ثانية، بحسب تقارير منظمة الصحة العالمية، مما يؤكد معدلات الانتحار المرتفعة في مختلف أنحاء العالم، على رغم التفاوت بين دول وأخرى. وصحيح أن النساء يظهرن معدلات أعلى من السلوك الانتحاري بالمقارنة مع الرجال، إلا أنهن، في المقابل، أقل إقداماً على الانتحار. لذلك، تسجل معدلات أعلى من الانتحار بين الرجال بالمقارنة مع النساء، إذ تقدم امرأة على فعل الانتحار في مقابل أربعة رجال. يبدو لافتاً هذا التفاوت بين الجنسين، فيما تظهر التقارير أن المرأة تعد أكثر عرضة للاضطرابات النفسية وتسجل معدلات اكتئاب أعلى بين النساء. فما سر هذا التفاوت إذاً؟

في الواقع، يعود هذا التفاوت في جزء منه إلى كتم الرجال المشكلات النفسية التي يعانونها، مما يعود إلى الصورة النمطية الذكورية السائدة، التي تفرض على الرجل عدم التعبير عن الضغوط النفسية والمعاناة، بالتالي يرغم على تحمل ما لها من تداعيات على صحته النفسية. وهذه الثقافة السائدة التي تتناقلها الأجيال، خصوصاً في مجتمعاتنا، تربط ما بين التعبير عن المشاعر من جهة، والضعف أو العجز من جهة ثانية، وهذا ما يشكل انتقاصاً للرجولة وفق المفهوم السائد. وترتكز التنشئة الاجتماعية في المجتمعات الشرقية، بصورة خاصة، على تربية الأولاد على الصلابة والقدرة على التحمل مع ضرورة تجنب السلوك الذي يمكن أن يعكس ضعفاً أو عجزاً، حتى في حال الشعور بالحزن أو التوتر الشديد.

لكن في السنوات الأخيرة، في ظل التفاوت الحاصل في الأرقام بين الجنسين، خصوصاً في ما يتعلق بالإقدام على الانتحار، بدا واضحاً أن هذه المفاهيم السائدة تجعل الرجل أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب، وأيضاً للإقدام على الانتحار في حال عدم حصول تدخل جدي متخصص، إلا أن هذا التدخل نادراً ما يحصل بين الرجال، بما أن الرجل يطلب المساعدة بمعدلات أقل، ويعيد الخبراء التفاوت في معدلات حالات الاكتئاب المسجلة بين النساء والرجال إلى ذلك تحديداً، ما دامت الإحصاءات تتناول من يحصلون على تشخيص للحالة.

وإذا كان الولد ينمو من الطفولة على مبدأ أساسي في تربيته، ألا هو عدم إظهار "ضعفه" وتجنب البكاء أو التعبير عن مشاعره على رغم الشعور بالحزن أو الخوف أو القلق، من الطبيعي أن تزيد الأعباء النفسية عليه نظراً إلى الضغوط الكثيرة التي يتحملها في حياته والمسؤوليات التي تلقى على عاتقه في المجتمع، بصورة خاصة عندما يصبح رجلاً مسؤولاً عن عائلة ومنزل. هذا ما يوضحه الطبيب الاختصاصي في المعالجة النفسية أنطوان شرتوني مشيراً إلى أن الرجل يميل، بصورة عامة، إلى عدم التعبير عن مشاعره، وإن كان هذا لا يعني عدم وجود رجال يعبرون عنها بصورة طبيعية. يضاف إلى ذلك أن الرجال في مجتمعاتنا لا يعتادون على التعبير عن مشاعرهم، بما أن التربية الشرقية التقليدية التي يسيطر عليها النمط الذكوري تدعو الولد إلى عدم التعبير بالمطلق، بما في ذلك مشاعر الحزن، فإذا بكى الولد يعكس هذا السلوك ضعفاً ويبدو وكأنه عيب، فلا يسمح له بذلك من أولى سنوات الطفولة، فيما يمكن أن تبكي الفتاة، بصورة طبيعية، من دون أن تكون هناك مشكلة في ذلك، ومن دون أن يمس هذا بصورتها، "يعد ذلك من الأخطاء الفادحة في التربية، لأنه يحق لأي كان سواء كان ولداً أو فتاة التعبير بحرية عن مشاعره وعن أحاسيسه، ويحمل الولد هذه الفكرة معه من الطفولة وينمو في ذهنه مفهوم أن التعبير عن المشاعر هو عيب ويمس برجولته. فلا يحق له التعبير عن الحزن أو القلق أو التوتر أو أي مشكلة أخرى. حتى إنه في بعض المجتمعات لا يحق للولد التعبير عن مشاعر السعادة أو أي أحاسيس أخرى، مما ينعكس سلباً على صحته النفسية، لأنها تولد كبتاً وتخلق مشكلات نفسية واضطرابات، ويمكن أن تؤدي إلى اكتئاب مرضي، وصولاً إلى الأفكار الانتحارية والإقدام على الانتحار في حال التعرض لضغوط شديدة".

تربية تعزز التكتم عن المشاعر
إذا ما وضعنا جانباً هذه المفاهيم المرتبطة بالتربية والثقافة التي تشجع الولد على التكتم عن مشاعره، يبدو الولد أصلاً أقل ميلاً للكلام والتعبير عن أحاسيسه بالمقارنة مع الفتاة، إذ قد يميل إلى تفريغ الطاقة التي لديه بمعدل أكبر من خلال اللعب، لا من خلال الكلام، فيما الألعاب الخاصة بالفتيات تحفزها أكثر على التعبير، سواء لدى تحدثها مع دُميتها أو اللعب بأدوات الطهي والمطبخ، أو اللعب بتناول القهوة مع صديقة، أما الألعاب التي تخص الأولاد فليس فيها تعبير عن المشاعر بالدرجة نفسها.

كما أن المفاهيم السائدة المرتبطة بالصورة النمطية الذكورية تأتي لتزيد المشكلة سوءاً مع ما ينتج منها من أعباء وتداعيات نفسية. من هنا تأتي أهمية تشجيع الأطفال، من ذكور وإناث على التعبير بحرية عن مشاعرهم لأن ذلك ينعكس إيجاباً على صحتهم النفسية ويجعلهم أقل عرضة للضغوط النفسية.

أما في ما يتعلق بارتفاع معدلات الانتحار بين الرجال بالمقارنة مع تلك التي تسجل بين النساء، فيعيدها شرتوني أيضاً إلى كون الرجال يقدمون على الانتحار بطرق أكثر عنفاً، أما النساء فقد يحاولن الانتحار بطرق مختلفة أقل شراسة. مع الإشارة إلى من يبلغ مرحلة الانتحار، يكون مر بمرحلة من الاضطرابات النفسية، خصوصاً الاكتئاب، بما أن فعل الانتحار لا يأتي من عدم، ولا يحصل بمعزل عن مسار معين يمر به من يقدم عليه. ويبدو لافتاً لشرتوني، بالفعل، أنه حتى الرجال الذي يقصدون عيادات الخبراء النفسيين، يفعلون ذلك بخجل وكأنه يبدو لهم عيباً، بينما تبدو المرأة أكثر جرأة في ذلك، ولا تخجل في التحدث عن مشكلات نفسية أو اضطرابات تعانيها، وفي اللجوء إلى المساعدة.

لذلك، تبرز أهمية تشجيع الرجل على التعبير مشاعره نظراً إلى ما لذلك من أهمية لصحته النفسية، ونظراً إلى الأعباء الكثيرة التي يتحملها في المجتمع. لذلك، تقام، في السنوات الأخيرة، حملات توعوية كبرى في هذا المجال لتحفيز الرجال على التعبير بحرية، والسعي إلى حماية صحتهم النفسية، ومشاركة الآخرين معاناتهم النفسية، وطلب المساعدة من دون خجل لأن ذلك ليس عيباً، وهي مسألة لا بد من نقلها للأطفال في إطار تربية سليمة تهدف إلى الحفاظ على الصحة النفسية في مختلف المراحل العمرية.

أزمات زادت من الضغوط
في لبنان بصورة خاصة، نظراً إلى الأزمات العديدة التي مرت بها البلاد، منها تلك السياسية والاقتصادية والمالية والأمنية، إضافة إلى ظروف الحرب، زادت معدلات الضغوط على كل مواطن، لكن كون الرجل أقل تعبيراً عن الضغوط النفسية التي يعانيها، ونظراً إلى أنه في مجتمعاتنا يتحمل مسؤولية الأسرة زادت هذه الضغوط أكثر، في ظل ظروف معيشية في غاية الصعوبة وخوف على المستقبل، مما أسهم في زيادة معدلات الاضطرابات النفسية وفق ما تظهره الأرقام، بحسب ما أشار شرتوني، وبحسب ما تبين في الاستشارات بالعيادات النفسية. وبصورة خاصة، سجل ارتفاع في معدلات الإصابة بالاكتئاب وما يشبهه من اضطرابات نفسية، مع ظهور أعراض حزن، وانعدام الاهتمام بالأنشطة المعتادة، وفقدان الطاقة، والأفكار الانتحارية، والانتحار.

وبحسب أرقام قوى الأمن الداخلي سُجل في الأشهر الأولى من عام 2025 ارتفاع بلغ نسبة 20 في المئة في حالات الانتحار بالمقارنة مع الماضي، إضافة إلى تسجيل ارتفاع في معدلات الاكتئاب، مما يؤكد حجم الضغوط النفسية التي يتعرض لها المواطن بصورة عامة. وتبقى الروابط العائلية التي لا يزال المواطنون اللبنانيون يتمسكون بها، أملاً يمكن التمسك به، كونها تساعد في توفير الحد الأدنى من الدعم والمساندة في الظروف الصعبة. وفي هذه الحالة أيضاً، قد يكون من الأسهل للرجل طلب المساعدة من المحيطين بدلاً من طلب المساعدة المتخصصة في العيادات النفسية.








طباعة
  • المشاهدات: 6868
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
18-10-2025 02:51 PM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضا

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم