08-10-2025 08:56 AM
بقلم : الإعلامي الدكتور محمد العشي
رؤية جديدة للمناسبات الأردنية
في خطوة اجتماعية رائدة، أعلن معالي وزير الداخلية مازن الفراية عن مبادرة وطنية تهدف إلى إعادة صياغة مفهوم الاحتفالات والمناسبات في المملكة الأردنية الهاشمية. جاءت هذه المبادرة لتضع أسسًا جديدة للفرح والتواصل الاجتماعي، بحيث تصبح جميع المناسبات متوازنة، مراعية للقيم الدينية والقدرات المالية للأسر، مع الحفاظ على روح الفرح الحقيقية التي تجمع الناس بروابط المحبة والتآخي. الهدف لم يكن مجرد تنظيم شكلي، بل إعادة الاعتبار للقيم الإنسانية والاجتماعية، بحيث تصبح كل مناسبة فرصة لتعزيز التضامن والتقارب بين أفراد المجتمع، بعيدًا عن الإفراط أو التباهي بالمظاهر. إن الرؤية التي طرحتها المبادرة تجعل الاحتفال وسيلة لبناء مجتمع أكثر انسجامًا وتماسكًا، حيث يُستمد الفرح من المشاركة والنية الصادقة وليس من التظاهر بالمظاهر الفاخرة.
تنظيم العزاء واحترام السنة النبوية
من أبرز محاور المبادرة، تنظيم العزاء ليوم واحد فقط، بما يتوافق مع السنة النبوية الشريفة. فقد ورد أن النبي ﷺ حين وصلته وفاة جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه في معركة مؤتة، أمر أهل بيته أن يصنعوا لأهل جعفر طعامًا، وقال: إنهم قد أتاهم ما يشغلهم، أما أهل الميت فلا يصنعوا طعامًا لا في اليوم الأول ولا في اليوم الثالث ولا في الرابع ولا في العاشر ولا في غيره. هذا التوجيه النبوي يوضح أن الغاية من العزاء هي المواساة والتعزية، وليس الانشغال بالولائم الكبيرة أو المظاهر الباذخة، بما يحفظ كرامة الأسرة ويخفف العبء النفسي والمادي عنها. وقد ركزت المبادرة على هذا التوجه بدقة لتوفير بيئة تعاطف صادقة ومساندة نفسية حقيقية للمتضررين.
ولتعزيز هذا المفهوم، جاء توجيه القرآن الكريم واضحًا في الصبر عند المصائب، في قوله تعالى: "وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ" [البقرة:155-157]. هذه الآية الكريمة تؤكد أن المصائب جزء من اختبار الحياة، وأن الصبر والرضا والرجوع إلى الله هو السبيل لتحقيق السلام النفسي والسكينة في القلوب، كما أنها توجه المجتمع نحو التخفيف عن المكلومين ومراعاة ظروفهم دون مبالغة في الاحتفالات أو العزاء. إن الجمع بين السنة والآية القرآنية يعكس حكمة المبادرة ويضمن أن تكون كل مناسبة متوافقة مع القيم الدينية والاجتماعية.
دور الدين في ترسيخ المبادئ الاجتماعية
الإسلام دين الوسطية والاعتدال، دعا إلى التيسير في كل أمور الحياة.
فلا إفراط في الفرح، ولا إسراف في الحزن.
قال رسول الله ﷺ: "خير الأمور أوسطها"، وهذه المبادرة تأتي لتجسد هذا الحديث الشريف واقعًا عمليًا في حياة الناس، لتجعل من المناسبات وسيلة للتقارب والتراحم لا للتنافس أو التفاخر.
إعادة تعريف الفرح في المهور وحفلات الزواج
لم تقتصر المبادرة على العزاء فقط، بل شملت إعادة ترتيب المهور وحفلات الزواج بحيث تكون متوازنة وميسرة. ركزت المبادرة على أن الفرح الحقيقي لا يُقاس بالمظاهر أو التكاليف الباهظة، بل بالنية الصادقة والتواصل الإنساني العميق. فالاحتفال يجب أن يكون فرصة للتقارب والتآخي بين الأهل والأصدقاء، وليس ساحة للتنافس على المظاهر أو الإنفاق الباذخ. ومن خلال هذا التوجه، يكتسب الفرح بعده الحقيقي، حيث يتحقق التواصل الاجتماعي الإيجابي ويشعر الشباب والأسر بالراحة والطمأنينة. المبادرة بذلك تؤسس لمفهوم جديد للفرح، يعكس القيم الحقيقية للمجتمع الأردني ويشجع الشباب على العيش بحرية وكرامة دون ضغوط مالية أو اجتماعية.
تبسيط المواكب والاحتفالات الكبرى
فيما يخص المواكب والزفات الكبرى، جاءت المبادرة لتبسيطها وإعادة النظر في شكلها التقليدي، بحيث يتم الحفاظ على جو الفرح والبهجة دون فرض أعباء مالية ونفسية كبيرة على الأسر. التركيز على البعد الإنساني والاجتماعي يعزز من قيمة الاحتفال ويتيح للناس التشارك في الفرح دون شعور بالمنافسة أو العجز. المبادرة بذلك تعكس روح الاعتدال والتيسير والرحمة التي دعا إليها الدين الإسلامي، وتعيد للاحتفال قيمته الإنسانية الأصيلة، حيث يصبح الفرح وسيلة للتقارب الاجتماعي والمشاركة الحقيقية، بعيدًا عن المظاهر السطحية.
الأثر الاجتماعي والإنساني للمبادرة
ما يجعل هذه المبادرة مميزة حقًا هو الأثر الاجتماعي والإنساني الذي تتركه. يشعر الشباب والأسر بالراحة النفسية والانشراح نتيجة تبسيط الاحتفالات، كما تعزز المبادرة روح المواساة والتعاون والاعتدال في المجتمع. كما أنها تحد من التوترات الاجتماعية التي قد تنشأ بسبب التكاليف الباهظة أو التنافس على المظاهر، فتسهم في بناء مجتمع أكثر تماسكًا وتعاونًا. المبادرة بذلك لا تعيد تعريف الاحتفال فحسب، بل تشكل نموذجًا عمليًا للالتزام بالقيم الإنسانية والدينية في الحياة اليومية، وتضع الأردن كمثال يحتذى به على مستوى المنطقة.
دور الإعلام والمجتمع المدني في نجاح المبادرة
تلعب وسائل الإعلام والمجتمع المدني دورًا محوريًا في نشر هذه المبادرة على نطاق واسع. الإعلام مسؤول عن التوعية بأهداف المبادرة، عرض قصص نجاح واقعية، وإبراز التأثيرات الإيجابية على المجتمع. أما المجتمع المدني، فيسهم من خلال ورش العمل وحملات التوعية التي تشرح أهداف المبادرة وتطبيقاتها العملية، ليصبح كل فرد مشاركًا فاعلًا في نشر هذه القيم بين الأجيال الجديدة. بهذا الأسلوب، تضمن المبادرة استمرار أثرها الإيجابي على المدى الطويل وتصبح جزءًا من سلوكيات المجتمع اليومية.
الاحتفال الحقيقي بين القيم والفرح
في النهاية، تمثل مبادرة معالي وزير الداخلية مازن الفراية خطوة تاريخية لإعادة تعريف الفرح والاحتفال في الأردن. المبادرة ليست مجرد تنظيم للمظاهر، بل دعوة لإحياء القيم الحقيقية للتيسير والاعتدال في جميع المناسبات، بما يشمل العزاء، حفلات الزواج، والمواكب. تعلمنا المبادرة أن الفرح الحقيقي ينبع من النية الصادقة والتواصل الإنساني العميق، وليس من الإنفاق الباذخ أو المظاهر الفاخرة. بذلك، تصبح كل مناسبة فرصة لتعزيز المحبة، التضامن، والتقارب الاجتماعي، فيما يظل المجتمع الأردني نموذجًا حيًا للقيم الإنسانية والدينية المتوازنة، وينعكس تأثير المبادرة إيجابيًا على جميع جوانب الحياة الاجتماعية في المملكة.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
08-10-2025 08:56 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |