حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
السبت ,11 أكتوبر, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 5123

الدكتور أجمل الطويقات يكتب: في يوم المعلم العالمي .. أمانة التنوير من جيل إلى جيل

الدكتور أجمل الطويقات يكتب: في يوم المعلم العالمي .. أمانة التنوير من جيل إلى جيل

الدكتور أجمل الطويقات يكتب: في يوم المعلم العالمي ..  أمانة التنوير من جيل إلى جيل

06-10-2025 09:36 AM

تعديل حجم الخط:

بقلم : د. أجمل طويقات
في الخامس من تشرين الأوّل، يشرق وجه الوطن على مشهد مهيب من الوفاء والاعتزاز، يوم يتقدّم فيه المعلّم الصفوف حاملاً طبشورة بيد، وبيده الأخرى ذاكرة الوطن، وكأنه يقول للعالم كلّه: هنا يبدأ النور، وهنا تُصاغ العقول وتُبنى الأوطان.

والحديث عن المعلّم هو حديث عن وطن قائم على المعرفة لا على الجهل، وعن جيل تعلّم أن الإصلاح لا يجيء من الخارج، بل من قلب الغرفة الصفّية حيث تُزرع بذور الوعي والانتماء.
لقد ظلّ المعلّم الأردني، رغم ضيق الحال وثقل التحدّيات، وفيًّا لرسالته، صامدًا كالسنديان، يواجه بعزيمته تعب الأيام، ويصنع من تضحياته اليومية مجداً لا تراه العيون بقدر ما تلمسه الأجيال في عقولها وأخلاقها.

ولأن الأوطان التي تكرم معلّمها تكرم مستقبلها، جاءت الرؤية الملكية الحكيمة لتؤكد أن المعلّم هو الاستثمار الأسمى، وأن دعمه وتمكينه ليسا ترفاً بل واجباً وطنياً.
وقد تجسّدت هذه الرؤية في مبادرات ملموسة، كتخصيص الأراضي لإسكان المعلّمين، وتطوير برامج التنمية المهنية، لتغدو مهنة التعليم أكثر صوناً وكرامةً، ومعنى في حياة من نذروا أنفسهم لخدمة العقل والضمير.

وفي ظل هذه الرؤية، برز دور دولة رئيس الوزراء الدكتور جعفر حسان، الذي قدّم نموذجاً مختلفاً في الإدارة الميدانية، مؤمناً بأن التعليم ليس ملفاً إدارياً يُدار من المكاتب، بل حياة تُصنع في الميدان بين المعلّمين والطلبة.
ومن هنا جاءت زياراته المتكرّرة إلى المدارس في مختلف مناطق المملكة، حيث وقف بنفسه على احتياجات الأسرة التربوية والتعليمية، مستمعاً إلى صوت المعلّم والطالب معاً.
ولم يسبقه رئيس وزراء في حجم تلك الزيارات ولا في عمق حضوره الوطني فيها، إذ أدرك بوعي عميق أن النهوض بالوطن يبدأ من الغرفة الصفّية، وأن كل إصلاح وطني حقيقي لا بد أن يمر من عتبة المدرسة.
كانت تلك الزيارات بمثابة رسالة صادقة بأن الحكومة تقف مع المعلّم لا فوقه، ومع الطالب لا أمامه، وأن التعليم هو البوابة الأولى للنهوض الاقتصادي والاجتماعي.

ولذلك تعد هذه الجهود ترجمة عملية لرؤية وزارة التربية والتعليم وفلسفتها التي ما فتئت تؤكد أن تهيئة بيئة تعليمية آمنة ومحفزة هي الأساس في بناء جيل وطني مسؤول قادر على صون قيمه وخدمة وطنه.
وهكذا تلتقي إرادة القيادة مع وعي الحكومة وجهد المعلّم في خيط واحد من النور الممتد نحو المستقبل.

تاريخ التعليم في الأردن ليس مجرد تواريخ محفوظة في الكتب، بل حكاية معلمين ومعلمات حملوا مشعل التنوير في زمن العتمة، ومضوا إلى المدارس في المدن والقرى والبوادي يحملون أحلامهم على أكتافهم، ليعلّموا الأطفال معنى الحرف، ويزرعوا فيهم بذور الأمل.
في وجه الريح والبرد والعوز، كانوا يكتبون سطور الوطن بالطبشور والجهد الشاق، لا طلباً لثناء أو مجد، بل إيماناً برسالة أسمى وأبقى.

ولم يكن التعليم يوماً مهنة سهلة، بل ميدان تضحية يومية تبدأ قبل الجرس الأوّل ولا تنتهي بانصراف الطلبة.
يقف المعلّم أمام سبّورته كقائد في ميدان الفكر، يروّض الفوضى بالصبر، ويعيد ترتيب العالم في عقل الناشئة.
وحين تنطفئ الأضواء في المكاتب والمؤسسات، يظل نوره مشتعلاً في دفاتر التصحيح وأوراق التحضير، وكأن ليله امتداد لنهار الوطن.

لقد تغيّر وجه التعليم وتطوّرت الوسائل والتقنيات، غير أن جوهره ظل كما هو؛ علاقة إنسانية مقدّسة بين من يعلّم ومن يتعلّم، تُبنى على الاحترام والإلهام، وتُروى بالعطاء.
إن المعلّم هو الذي يزرع في عقل الطالب فكرة، وفي قلبه أملاً، وفي طريقه نجمة تهديه إلى ذاته.

وحين نتأمل حال العالم اليوم، ندرك أن الأمم التي نهضت فعلاً هي تلك التي وضعت المعلّم في صدر المشهد، وجعلت من رسالته محوراً لنهضتها.
فالمعلّم ليس ناقلاً للمعرفة فحسب، بل صانع وعي، ومهندس ضمير جمعي، ومصدر مناعة فكرية في وجه الجهل والتطرف والضياع.

يوم المعلّم ليس مناسبة عابرة تُعلّق فيها الشعارات، بل وقفة وعي مع الذات، نستعيد فيها معنى العطاء الذي لا يُقاس بالساعات، بل بالأثر، ولا يُثمّن بالمال، بل بالعقول النيّرة التي أنارت الدروب من بعده.
إنه يوم يذكّرنا أن المعلّم هو جندي المعرفة وحارس القيم، وأن من يزرع الفكر والضمير، يزرع الوطن كله.
وهذا تصديق حديث رسولنا ﷺ في فضل المعلّم، حين قال:
«إنما بُعثت معلماً ميسراً».

فيا معلم الأردن، لك في القلب منزلة الفخر، وفي تاريخ الوطن سطر النور، وفي عيون الأجيال وعد الغد الجميل.
عيدك ليس يوماً من تقويم، بل معنى يسكن كل نهضة، وكل حرف صادق، وكل وطن يؤمن أن نهضته تبدأ من السبّورة.








طباعة
  • المشاهدات: 5123
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
06-10-2025 09:36 AM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
برأيك.. هل تنجح "إسرائيل" بنزع سلاح حماس كما توعد نتنياهو رغم اتفاق وقف الحرب بغزة؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم