حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الإثنين ,6 أكتوبر, 2025 م
  • الصفحة الرئيسية
  • كُتاب سرايا
  • د.محمود عبدالله الحبيس يكتب: تراجعي هل يضيع المفتاح في وزارة التعليم العالي؟ ويبقي المصباح بيد الجامعات الخاصة؟
طباعة
  • المشاهدات: 4733

د.محمود عبدالله الحبيس يكتب: تراجعي هل يضيع المفتاح في وزارة التعليم العالي؟ ويبقي المصباح بيد الجامعات الخاصة؟

د.محمود عبدالله الحبيس يكتب: تراجعي هل يضيع المفتاح في وزارة التعليم العالي؟ ويبقي المصباح بيد الجامعات الخاصة؟

د.محمود عبدالله الحبيس يكتب: تراجعي هل يضيع المفتاح في وزارة التعليم العالي؟ ويبقي المصباح بيد الجامعات الخاصة؟

06-10-2025 09:31 AM

تعديل حجم الخط:

بقلم : د. محمود الحبيس
في قديمٍ ليس ببعيد، كان في قلب الأردن مصباح سحري لم يلمسه أحد بعد. كان مضيئًا في بعض الليالي، يخفت في أخرى، لكنه ظلّ محتفظًا ببريقٍ غامض يوحي أن في داخله سرًّا كبيرًا قادرًا على تغيير مصير البلاد. ذلك المصباح لم يكن سوى التعليم العالي الأردني، الذي حمل في جوفه طاقة العقول، ونور المعرفة، وأحلام جيلٍ يبحث عن غده المشرق.
جلس علاء الدين الأردني ذات يومٍ فوق تلةٍ تطل على الجامعات المنتشرة في طول المملكة وعرضها، من الشمال إلى الجنوب، ينظر بدهشةٍ إلى هذا التنوع الفريد: جامعات رسمية راسخة في التاريخ، وأخرى خاصة تزدحم فيها الأفكار والمشروعات والطموحات. قال في نفسه: ما أعظم هذه الثروة! لكن لماذا لا يفيض هذا الضوء على اقتصادنا كما ينبغي؟ لماذا لا تشتعل فتيلة المصباح بالكامل؟
اقترب علاء الدين من المصباح، ومسحه بيده، فخرج المارد الذي نام طويلاً… لكنه لم يبدُ قويًا كما في الحكايات. كان متعبًا من الانتظار، وقال بصوتٍ خافت: يا ولدي، أنا التعليم العالي، حبستني السياسات في قفصٍ من التنظيمات والأنظمة. كنت أملك القدرة على بناء اقتصادٍ مزدهر، وجذب استثماراتٍ تفتح أبواب العمل والمعرفة، لكن أحدًا لم يمنحني الفرصة لأكون قائدًا لا تابعًا.
تأمل علاء الدين المارد بحزنٍ وقال: وكيف نحررك من هذا القيد؟
أجابه المارد: أحتاج إلى من يؤمن أن التعليم ليس خدمةً تُقدَّم فقط، بل استثمار وطني يولّد العوائد، ويدفع بالناتج المحلي، ويخلق فرصًا للابتكار. أحتاج إلى من يرى في الجامعة مصنعًا للأفكار ومختبرًا للفرص، لا مجرد قاعةٍ للدراسة.
وأخذ المارد يروي قصص أقرانه في بلادٍ بعيدة: ففي ماليزيا وُضع مصباح التعليم في أيدي القادة الذين جعلوه منارةً تجذب الطلبة والمستثمرين، وفي سنغافورة تداخل ضوء الجامعات مع شرارة الابتكار حتى أنارت اقتصادها بأسره. أما أستراليا فحوّلت التعليم إلى صناعة تصدير تجلب مليارات الدولارات كل عام. ثم أطرق المارد وقال: أما هنا، فما زال مصباحي ينتظر من يفركه بإرادةٍ مؤسسية حقيقية.
أدرك علاء الدين أن المارد لا يشتكي ضعفًا في طاقته، بل قلة من يعرف كيف يطلقها. فالتنوع المكاني للجامعات الأردنية، وتوزعها بين المحافظات، وتمايزها في برامجها، كل ذلك يشكل كنزًا لو استُثمر جيدًا. في كل جامعة فرصة، وفي كل مدينة مشروع مؤجل. غير أن اليد التي يفترض أن توجه المصباح، أي وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، ما تزال تحركه ببطءٍ شديد، منشغلةً بتفاصيل إدارية بدل أن ترسم رؤيةً استثمارية تحرر قدرات هذا المارد الكامن.
قال المارد بصوتٍ يختلط فيه الأمل بالعَتب: انظر إلى الجامعات الخاصة يا علاء الدين، كيف تعلمت أن تشعل فتيلها بنفسها. أنشأت مستشفياتها ومدارسها، وبنت محطات شمسية لتوليد الطاقة، واستثمرت في الأراضي والقرى، فخفضت تكاليفها وخلقت فرصًا جديدة. بينما بقيت الجامعات الرسمية تنتظر من يوجهها، وكأنها تخشى أن تحلم.
المتأمل يرى أن الجامعات الخاصة في الأردن لعبت دوراً متقدماً في المشهد التعليمي والاقتصادي، إذ استطاعت أن تفتح آفاقاً واسعة للفرص الاستثمارية، وتساهم بشكل ملموس في الناتج المحلي الإجمالي، فضلاً عن دورها في استيعاب أعداد كبيرة من الأيدي العاملة، وترك بصمات واضحة في خدمة المجتمع المحلي والوطني. ورغم وجود عتب أكاديمي على بعض الزملاء العاملين في هذه الجامعات، وهو ما يستدعي مراجعة واقعية لظروف الكادر الأكاديمي، إلا أن ذلك لا يقلل من حجم إنجازاتها. والمفارقة اللافتة أن الجامعات الخاصة تنجح في تحقيق عائد مالي واستقرار اقتصادي، في الوقت الذي تتزايد فيه مديونية الجامعات الرسمية عاماً بعد عام، الأمر الذي يطرح تساؤلات عميقة حول أسباب هذا التباين وسبل معالجته.
أومأ علاء الدين رأسه وقال: إذن، علينا أن نعيد تعريف التعليم العالي كله. لا بد أن يصبح الاستثمار فيه جزءًا من سياسة اقتصادية وطنية، وأن يكون هناك من يفتح الأبواب للطلبة الوافدين، ويهيئ البيئة الجاذبة لهم، ويقود الدبلوماسية التعليمية بقوة.
ابتسم المارد وقال: هنا يأتي دور الحارس الذي لم يُدرك الناس قيمته بعد، أعني الملحق الثقافي. فهو فارس الميدان الخارجي، إن كان نشيطًا وفعّالًا وديناميكيًا، قاد قوافل الطلبة إلى الأردن، وربط الجامعات بالعالم، وجعل من كل مكتب ثقافي نافذة استثمار ومعرفة.
سكت المارد لحظة، ثم قال بنبرةٍ حازمة: لكن لا يكفي أن يكون الحارس قويًا إن كان المصباح نفسه محجوبًا. وزارة التعليم العالي مطالَبة بأن تعيد التفكير بدورها، وأن تنتقل من موقع المنظم إلى موقع القائد، ومن دور الحارس إلى دور البنّاء، لأن الاقتصاد الأردني ينتظر من التعليم العالي أن يتحرك، لا أن يكتفي بالتنظيم.
في تلك اللحظة، أدرك علاء الدين أن المصباح لا يحتاج إلى معجزة، بل إلى رؤية. رؤية ترى في التعليم العالي طريقًا للثروة الوطنية، وموردًا مستدامًا يعيد تشكيل المجتمع والاقتصاد معًا. رفع المصباح نحو السماء فاشتعل بضوءٍ ذهبيٍّ براق، أضاء الأفق فوق جبال الأردن، وقال بصوتٍ يملؤه الإيمان:
حين يؤمن صانع القرار أن المعرفة هي الاستثمار، سيتحوّل الضوء إلى طاقةٍ لا تنطفئ… ويستيقظ المارد أخيرًا ليبني اقتصاد وطنه من وهج الجامعات.











طباعة
  • المشاهدات: 4733
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
06-10-2025 09:31 AM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
برأيك.. هل تنهي خطة ترامب حرب "إسرائيل" على غزة وتدفع نحو إقامة دولة فلسطينية؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم